أسرار النفس الإنسانيه

جريدة عقيدتي
نوفمبر 2008
 
عندما يطلق الظلم النار على العدل يبدأ القلب فى السواد . عندما يغتال القبح الجمال فى وضح النهار يزداد القلب سواداً . . عندما تتربع الخطيئه على عرش الحياه فارضه على النفس البشريه تدليك أصابع قدميها فى الماء والملح يصبح القلب حالك السواد . . فى هذه اللحظه يفقد القلب شفافيته ورقته ووداعته ويطلب طوق النجاه عاجلاً وهو يستغيث : لا غالب إلا الإيمان . . لا غالب إلا الإيمان . . لا غالب إلا الله .
والنفس من الشىء النفيس . . الشىء الغالى . . فهى أغلى من كنوز الدنيا وعروشها وغرورها لكن أغلب الناس لا يعلمون ذلك إلا بعد فوات الأوان . . إن الإنسان يولد من توافق الروح والجسد . . الروح مصدرها نور السماء . . والسماء من السمو . . والسمو من العلو . . والجسد تشده قوانين الأرض وقوة جاذبيتها . . فالجسد من خام الأرض . . التراب وكل ما يلزمه موجود فيها ويخرج منها . . القمح والأرز وثمارالفاكهه . . يعيش الجسد على مافى الأرض وفى النهايه يعود إليها أما الروح فتعود مشتاقه إلى الملأ الأعلى فنقول: طلعت روحه . . أى صعدت . . لا نقول : نزلت روحه فالنزول للجسد والصعود للروح .
ولأن الجسد منظور فغذاؤه منظور . . ولأن الروح غير منظوره فغذاؤها غير منظور غذاؤها فى مصدرها . . الملأ الأعلى . . ونحن نشعر بذلك عندما نرى طفلاً يبتسم فنقول : إن الملائكه تداعبه وهذا صحيح فهو لايزال بريئاً طاهراً على فطرته وهو يظل على حاله حتى البلوغ فلو مات قبل البلوغ فهو فى الجنه ولو كان من أبوين ملحدين كل الأطفال دون البلوغ يدخلون الجنه فالآله الحاسبه للذنوب تبدأ عملها بعد البلوغ أى بعد التكليف .
والفطره لها إسم آخر هو : النفس الكامله وهى النفس الأصليه والأصيله التى يخلقنا الله عليها وهى جزء من نور النبى صلى الله عليه وسلّم الذى به تولد .
يقول سبحانه وتعالى : ” واعلموا أن فيكم رسول الله ” لكن بعد البلوغ يبدأ التكليف . . والتكليف هو المطالبة بأداء ما فرض علينا . . بعد البلوغ يبدأ الثواب والعقاب فلو أذنب الإنسان ذنباً تنكت أوتحفر نقطه سوداء فى قلبه . . بالتحديد على الغشاء المحيط لقلبه . . تبدأ نقطه سوداء على النفس الكاملة فتفض بكارة شفافيته وتجرح عذريته إنها تلك التي وصفها الله سبحانه وتعالى بالزجاجة :  (  ۞ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )  سورة النور , الآيه 35 تتجمع النقاط السوداء على القلب . . على الزجاجة فتتسخ من الخارج مثل مصباح الكهرباء الذى تتكون على سطحه الزجاجي طبقه معتمه فتحجب ضوءه حتى تمحوه إن ذلك يحدث لنور القلب مع تراكم الذنوب طبقه بعد طبقه حتى يختفي نوره . . إن هذه الطبقة السميكة الكثيفة الصلبة التي تحيط بالقلب وتغطيه تسمى
 ” الران ” يقول سبحانه وتعالى : (كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) سورة المطففين, الآيه 14 وتسمى ” الأقفال” يقول سبحانه وتعالى ” (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) سورة محمد , الآيه 24 وتسمى” الأكنه ” يقول سبحانه وتعالى:(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) سورة فصلت, الآيه 5 وتسمى ” الحجب ” يقول سبحانه وتعالى : (وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) سورة فصلت  الآيه 5 وتسمى أيضاً ” الأغلفه ” يقول سبحانه وتعالى : (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ) سورة البقرة , الآيه 88 ويصف القرآن الطبقه الأولى من الخارج من سواد القلب ” بالنفس الأماره بالسوء”   يقول سبحانه وتعالى :  (۞ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) سورة يوسف , الآيه 53 ويصف الطبقه الثانيه التى تليها ” بالنفس اللوامه ” يقول سبحانه وتعالى :( لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِوَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) سورة القيامه الآيه 1-2 أى بأحق الحق يوم القيامه ولا بإبطال الباطل . . النفس اللوامه ثم تأتى بعدها الطبقه الثالثه وهى ” النفس الملهمه ” يقول سبحانه وتعالى : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) سورة الشمس الآيه 7 ثم تأتى بعدها الطبقة الرابعة ” النفس المطمئنة ” يقول سبحانه وتعالى : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ ) سورة الفجر ومعناها أرجعى إلى الصواب ثم تأتى ” النفس الراضيه ” وأيضا ” النفس المرضية ” وهما تابعتان للنفس المطمئنة يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ) سورة الفجر الآيات 27-28 وتبقى” النفس الكاملة ” وهى النفس الأولى الشفافة . . البللوريه . . النقية . . الفطرة ” فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ” لكن النفس الكاملة تغيرت بما فعله أصحابها بها فحاصرت الذنوب القلب والقلب هو الملك مركز الرئاسة والجوارح والحواس هى الرعية أوالمملكة والقلب يصدر التعليمات إلى العقل ليدير الحواس أوالرعيه فإذا كان على القلب تلك الطبقات السوداء العازلة ” الران والحجب والأقفال والأغلفه ” لأنقطع الاتصال بينه وبين العقل وتحول الإنسان إلى إنسان مادى محض ليس فيه من الروحانية شىء وهذا يمنعه من الإيمان بالغيب فلا يصدق إلا مايراه بعينه أويلمسه بيده أويحيط به عقله على طريقة بنى إسرائيل الذين قالوا : (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) سورة البقره الآيه 55 أوالذين ربطوا إيمانهم بالله بالعين فعندما رأوا قوماً يعبدون عجلاً قالوا:(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) سورة الأعراف الآيه138
إن كل الشئون ليست كلها فى مستوى العقل . . مثلاً . . لو أن هناك رجلين أحدهما عقله متصل بقلبه والآخر عقله منفصل عن قلبه قد سمعا بقصة السيدة العذراء الطاهرة البتول رضوان الله عليها وإحدى سيدات نساء العالمين. . الرجل المتصل عقله بقلبه إذا توقف عقله عن إدراك الحكمة من وراء ” بنت عذراء ” لم تتزوج ثم ولدت غلاماً يتكلم وما زالت عذراء . . إن قبول هذا الخرق لناموس البشر يتصل بالقلب لأنه أوسع إدراكاً من العقل فهو موطن الإيمان . . إن العقل يسأل القلب مثل هذه الحالة قائلاً : أيها القلب لقد أبلغتني هذه القصة وأنا لا أستوعبها فيرد القلب قائلاً : إنها قدرة الله وما جرى فوق احتمالك وهى من إختصاصى وعليك الالتزام وعدم الخوض فى طهارة السيدة العذراء بل عليك أن تعجب من قدرة الله وتشعر بضآلتك وعليك أن تصدر تعليماتك للجوارح أو الرعية خاصة اللسان بألا ينطق بحرف واحد فيه إساءة للسيدة العذراء .
أما الرجل الآخر الذى انقطع اتصال قلبه عن عقله فإنه يبدأ بالقياس العقلي فى تقييم ما سمع ويكون بين أمرين : أما أن يقول إن هذا لم يحدث أصلاً وإما أن يخوض فى طهارة السيدة العذراء . إن العقل هنا مجرد قائد محدود الفهم وعليه أن يعود إلى القيادة العليا للأركان وهى القلب ليفهم منها ما غاب عنه فإذا كان الاتصال مقطوعاً فإنه سرعان مايخطىء ويضل ويهذى . . إن القلب ” الملك ” عندما يستولى عليه إبليس يترك العنان للجوارح تخوض فيما لا تعرف وتتورط فيما يزيد من قسوة الحياة وجفائها .
 
وللحديث بقيه إن شاء الله .