ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون

ديسمبر 2008
بسم الله الرحمن الرحيم
” ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون

الحمد لله الذى عجز الحامدون عن حمده فحمدوه بهذا الإقرار حق حمده ولم يُحصى أحدأً منهم ثناءاً عليه سبحانه إلا أنه كما أثنى على نفسه فهو السر المكنوز المتجلى بالألوهية التى مظهرها استواء الرحمن على عرشه .. والصلاة والسلام الدائمان المتلازمان من الله وملائكته والواجبان فريضة على المؤمنين استجابة للأمر وعرفناً بفضل هم عاجزون عن حده سيدنا ومولانا محمد الذى ختم الله به الرسالات والنبوات وأعجزنا عن معرفة قدره .. ورضى الله تبارك وتعالى عن سادتنا أهل الله الصالحين وأزواج نبينا أمهات المؤمنين وعن صاحب الكرامات الجليلة العالية الممدوة من ربه ومن جده سيدى إبراهيم أبن أبى المجد الدسوقى القرشى المحمدى الذى فتح الله به قلوباً غُلفاً وآذاناً صُماً فمنح مريديه ما يعجز الواصفون عن وصفه فهو رضى الله عنه المولود فى ليلة شك الصائمين ليمحو الله به اللبس ويثبت به اليقين وهو رضى الله عنه الصائم فى مهده الوافى بعهده صاحب الولى والكشف والاطلاعات بحر الورود والبركات عروس المملكة ولسان الحضرات الحسيب النسيب الشريف برهان الملة والدين ودرة تاج العارفين وميناء الواصلين وحجة الله على المنكرين وبعد :

•       فإن الصوفية إذا نُسبت لأهل الصُفة فلا يعيبها .
•       وإذا نُسبت إلى لبس الصوف فلا يزينها .
•       وإذا نُسبت إلى “سوفيا ” بمعنى الحكمة فلا يشينها .
•  أما إذا نُسبت إلى الإصطفاء والصفاء والمكاشفة والمكالمة والفناء فى البقاء فإن هذا هو معينها .

وقد رأى بعض أهلها أن كلمة صوفى تخرج عن كونها إسماً وتعتدى ذلك لتكون فعلاً ماضياً مبنياً للمجهول كما نقول عُوفى المريض أو سُومح المخطئ كذلك نقول صُوفى الرجل فهو مصافى من الله أى أطلعه الله وكاشفه وصافاه بأسرار خاصه فاستحق أن يكون من أهل الله وخاصته .
والمتصوفة لا يضيفون إلى الدين شيئاً ولا يحذفون منه شيئاً ولم يشادوه لأنه متين ” ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه ” إلا أنهم أوغلوا فيه برفق وتلمسوا مواضع أقدامهم ولم يكونوا خواضين فى بحره بل أقلتهم سفن الإذن الإلهى فربانها وقبطانها هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) } سورة الأحزاب .. وهم الذين أحبوا الله فاتبعوا رسول الله فأحبهم الله { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) } سورة آل عمران ..ومن يتوهم أنه يمكنه أن يُضيف شيئاً إلى الدين فهو واهم يلجمه الله بلجام قوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } سورة المائدة ..بل هو كمن يدعى الألوهية العليا لنفسه غير أن الصوفية أعطاهم الله أدوات استكشاف جواهر الدين وعجائبه وغرائبه فاستغرب الناس ما يسمعونه منهم لأنهم لم يعهدوه وليس معقولاً أن من يكتشف شيئاً من خبايا الكون يُقال أنه أضاف – كمن استخرج البترول من باطن الأرض يُقال أنه أضافه إليها وكذلك من يستخرج الذهب أو النحاس أو الحديد يُقال عنه كذلك ولا يُقال للغواص الذى يستخرج اللؤلؤ والمرجان من البحار أنه أضافها إليه .. وقارئ القرآن العالم بأحكام التلاوة لا يضيف من عنده شيئاً إلا أنه الأعلم بقواعد التجويد ..ولا أقول تجويد القرآن إلا مجازاً بل صوته بإتقانه للأحكام لأنه يعرف المد والإدغام والإخفاء والغُن والوقف الجائز والواجب والممنوع …إلخ عندئذٍ تخرج الكلمات الكريمة مِن فِيه وفيها إضاءة لا إضافة وإذا استمع من لا يعرف القراءات إلى المتخصص فيها فقد يستهجن بعض ما يسمع وينسب إلى القارئ – بجهله – الخطأ .. وكما نرى الزهور فلا نلتفت إليها وعندما نسمع أحد الشعراء يصف ما فيها ويتغزل فى محاسنها عندئذٍ نشعر بها ونتفاعل معها فهو بذلك قد أضاء لنا وما أضاف إليها .
ونفس الحال مع الذين صافاهم الله فأطلعهم على غرائب وعجائب القرآن ولطائف وأسرار الأحكام قد يحول بيننا وبينهم جهلنا بما منَّ الله عليهم به والناس أعداء ما جهلوا ..حتى أن بعض الناس يرون فى محبة الصوفية لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأكرمين أن ذلك نوعٌ من العبادة وهم فى زعمهم هذا أبعد ما يكونون عن الحقيقة وأقرب ما يكونون إلى الجهل .
وفى هذا المجال وجب علينا أن نتوقف عند الفرق بين العبادة والإتباع وكذلك العلاقة بين الإقتداء والتآسى .
•  فالعبادة : هى قصد المعبود لما عنده ابتغاء مرصاته ولا بد أن يكون ما عند المعبود سبحانه ليس مستمداً من غيره أى ذاتى وعلى ذلك فإذا أحب العبد معبوده يكون حبه له عبادة .
•  أما الإتباع : فهو طاعة المتبوع لما عنده ابتغاء مرضات الله وما عند المتبوع مستمد من الله فإذا أحب التابع متبوعه يكون حبه له إتباع وليس عبادة .
•  أما الإقتداء : فهو طاعة المقتدى به لما عنده ابتغاء مرضات الله ورسوله وما عند المقتدى به إنما هو من عند الله ورسوله فإذا أحب المقتدى به قدوته يكون حبه له إقتداء لا هو إتباع ولا هو عبادة .
•  أما التأسى : فهو طاعة الأسوة وتقليده على قدر المستطاع لأن ذلك مستحيل على المتأسى فلا يستطيع المسلم أن يصلى كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن كما رأه يصلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتمونى أصلى ) ولم يقل صلوا كما أصلى كما أنه لا يستطيع مواصلة الصوم مثله صلى الله عليه وسلم { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) } سورة الأحزاب .
ويجب أن يعلم من لا يريد أن يعلم أن الصوفية هم أهل العمل بكتاب الله وسنة رسوله فى العبادات والعاملات ولم يحلوا حراماً أو يحرموا حلالاً كما أنهم يأكلون من عمل أيديهم ولا يُعطَى العهد لعاطل إقتداءاً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قال ( ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيرٌ من أن يأكل من عمل يده وإن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده ) لذلك فإن الصوفية يُعمرون مجتمعاتهم ولا يخربونها .. لا يشتهون ما فى أيدى الناس من مالٍ ولا جاه ولا سلطان ولذلك فإنهم محبوبون من الله ومن الناس ( وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ) والصوفية لا يكفرون مسلماً إلا بجحوده بما أقر به ولا يفسِّقون الناس ولا يبدِّعونهم ولا يرون العيب إلا فى أنفسهم ويعملون بوصية المصطفى صلى الله عليه وسلم ( يسروا ولا تعسروا ) وكأن النبى يقصد توجيه المسلمين إلى أن يكونوا مكتشفين مخترعين لكل شئٍ يؤدى إلى تيسير حياة الناس وكذلك يدعوهم إلى إصلاح كل شئٍ يخدم الناس وكذلك يدعوهم صلى الله عليه وسلم إلى أن يسبقوا العالم وتكون أيدى المسلمين هى العليا يمدونها إلى الناس إعطاءاً وليس أخذاً أو تسولاً على عقول غير المسلمين .. فالرسول يرى أن من فعل الخير فقد أصلح ويسر ومن فعل الشر فقد أفسد وعسر { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } .
1-   والصوفية ليسوا حطباً للفتن ولا أطرافاً فى الصراعات على الدنيا ولكنهم أهل تنافس على الآخرة { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) } سورة المطففين .. وأهل استباق إليها { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) } سورة المائدة .. وأهل الفرار إلى الله { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) } سورة الذاريات .
2-   والصوفية لا يتعرضون للفتايا ويتركون ذلك لأهلها وعندما طُلب من الصوفى الجليل يحى ابن معين أن يتعرض للفتوى قال قولته المشهورة ” أيُعبد رب العالمين على رأى يحى ابن معين ” .
3-   والصوفية يوقنون أن حب الوطن من الإيمان فلا يحاربون بنى وطنهم تحت أى ظرف فهم رحماء بينهم .
4-   والصوفية لا يؤمنون بالصدفة فليس فى علم الله صدفة { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) } سورة القمر .
5-   والناس يرون أن الأزمات مرجعها إما إلى الحاكم أو إلى المحكوم أو إلى كليهما .. أما الصوفية فإنهم يرون أن فوق ذلك المقدرات الإلهية التى هى السابقة وهى الحاكمة وعندهم الحكمة التى تقول ” إذا أراد الله إنفاذ أمرٍ هيئ له الأسباب ” .. يقول الإمام الشافعى رضى الله عنه ” وأرض الله واسعة ولكن إذا نزل القضاء ضاق الفضاء ” .
6-   والصوفية يعرفون أن الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة فاللهم احفظ بلادنا من الوباء والغلاء والفتن ما ظهر منها وما بطن ووفق بفضلك ولاة أمورنا إلى ما تحبه وترضاه واجمع حولهم بطانة الخير واجعل بأسنا على من عادانا ولا تجعل بأسنا بيننا إنك سبحانك ولى ذلك والقادر عليه