الموالد والتوحيد

مجلة التصوف الإسلامى
نوفمبر2007

[ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ]
(39 يونس)

بفرحة المتقين الذين هم على موائد أهل الله ملتقين ومن مناهل علمهم ذائقين شاربين مرتوين إلتقيت بسماحة الإمام وكان اللقاء هذه المره مختلفاً فقد وجدت فى ضيافته بعض الناس الذين أظنهم ( وبعض الظن إثم ) من المتطفلين أو قل هم من المنكرين حتى أنى عندما القيت السلام لم يرد أحد من الحاضرين سوى مولانا الإمام لأنهم رأونى حليقاً وكانوا هم ملتحين فجلست غير بعيد أستمع اليهم وهم يسألون والشيخ يجيب ويجيد ثم ينكرون والشيخ يعيد ويفيد ولكن لا فائده من مفيد لمستمع لا يريد وقد كان الحوار – إذا جازت التسميه – هذه المره له ظروفه الخاصه حيث جرى الحوار بين مولدين كبيرين فى مصر العامره بأهل الله وأهلها .

أقول: كان الحوار بين مولد السيد أحمد البدوى رضى الله عنه ومولد السيد إبراهيم الدسوقى رضى الله عنه وقد جرى هذا اللقاء على هذا النحو أوقل نحو هذا النحو :
قالوا للسيد : لقد حاولنا اللقاء بكم فى الأسبوع الماضى فأخبرنا مدير مكتبك أنك فى المولد فى طنطا وعندما جلسنا معك . -هكذا يقولون – سمعنا أنك تستعد لمولد آخر وهو مولد إبراهيم الدسوقى- هكذا- فقال الشيخ رضى الله عنه : رضى الله عنهم أجمعين .
فقالوا : كيف عرفت أن الله رضى عنهم ؟
قال الشيخ : لأن الله استخدمهم فى هداية خلقه وهذه دلالة رضاه سبحــانه وتعالى عنهم فقال أحدهم فى سخريه خفيه : وماذا تصنعون فى الموالد ؟
فقال الشيخ : نذكر الله ونصلى على رسوله ونطعم الفقراء والمساكين والإيتام إقتداء بجدنا ^، قال الرجل ثم ماذا ؟
قال الشيخ : ونتلو السيره الخاصه بالولىّ . وهنا ظهرت السخريه التى كانت خفيه وبدأ إناء الرجل ينضح بما فيه حيث قال : وترقصون . . وتشربون ثم سكت قليلاً وقال القهوه والشاى وتبيعون الحلوى والحمص . . وتقيمون الملاهى والسيرك والغرز ( جمع غرزه ) وظل يعبر ويعدد ويعتدي وقد أغاظني حلم الشيخ حتى أنى كدت أنسحب إما من لساني أو من المجلس      .
وإذا بالشيخ الواثق الحليم يقول : يا أخي الكريم – هكذا الأدب – إني أخاف عليك أن تلقى الله متجنياً على عباده [ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ] (36 الإسراء) وأعلم هداك الله وأياى أن المشيخه العامة للطرق الصوفية هى جهة التصريح لأى احتفال فى حدود شرع الله تعالى ولسنا جهة تصريح للملاهي وإن كانت ألعاباً بريئه وتراثاً شعبياً وكذلك المقاهى وإن كانت غير محرمه لذاتها ولا نصرح للعابثين ولا للمراجيح وإن كانت الأرجوحه لا شىء فيها ولا للباعه الجائلين وإن كان البيع والشراء مقدماً على المناسك [ثُمَّ لِيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَـيْتِ الْعَتِـيقِ] (29 الحج) صدق الله العظيم .وحتى لا أطيل عليكم أعلم أن ما يحدث فى بيت الله الحرام بعض حلال وبعض حرام والحرام لا يؤدى بنا إلى إلغاء الطواف ولا السعى وإن حدثت فيه مخالفات فلا يعقل أن تقول المملكه العربيه السعوديه تصرح لمن يسرق عند البيت أويرتكب محرماً لأن فى هذا الأمر الكثير من التجنى وكل من يقصد مكاناً يحاسبه الله على نيته وكما يجب أن تعلم أنه لا تفسد نية رجل بنية الآخر ولا يبطل عمل رجل بعمل الآخر وأن الأصنام إذا وجدت حول البيت الحرام لا تفقده الجلال والإحترام وكل أمرىء بما كسب رهين وليس معنى أن رجلاً يدخل المسجد ليسرق الأحذيه أن نقول أن ذلك بتصريح من وزارة الأوقاف حتى أن رجلاً فى زمن رسولنا الكريم ^ تبول فى المسجد أمام الصحابه وبينهم سيدنا رسول الله ^ فلما هم الصحابه أن يعنفوه قال لهم سيدنا : لا تقطعوا عليه بولته فتؤذيه .
وبعد أن إنتهى الرجل من فعلته قال الرسول الكريم ^ للحاضرين : أريقوا عليه دلوا من الماء ( أى على بوله ) . ثم قال^ للرجل ما معناه : ” يا هذا إن هذه المساجد لم تجعل لشىء من البول ولا القذر وإنما هى لذكر الله تعالى وقراءة القرآن “ (1)
ثم إسترسل الإمام يقول : ثم أعلم أن الرجل الصالح يحبه الناس فى حياته فإذا إنتقل يعنى مات فإن
حبه لا يموت وقد تنسج حوله الأساطير من محبيه الذين عاصروه مما قد يؤدى إلى إعتقاد عند من لم يعاصروه. قد يضر بعيقد تهم فيقصدونه من دون الله لذلك فقد وجب على العلماء أحد أمرين إما
منع الناس من الزياره إحترازاً من وقوع المحرمات وهذا مستحيل وإما أن يقوم العلماء بدورهم الذى أعدهم الله له وهيأهم له ويحاسبهم عليه وهو التوعية ولا يجب أن نجعل النصيحة جدلاً ولا أن نلقيها جبلاً بل بالحكمة والموعظة الحسنه .
أقول : حفاظاً على عقيدة التوحيد أرى أنه يجب أو يحسن إمامة الاحتفال بالمولد وهناك فى ساحة الولىّ وبجوار مقامه يقوم أهل العلم بتلاوة أو ذكر سيرته ( أى الولىّ) ويذكرون الناس بأن هذا الولى أو ذاك ولد يوم كذا وتعلم على يد فلان ثم مرض مرض الموت مثلاً وأوصى بكذا ثم فى النهايه يقولون لهم أنه مات ودفن هنا . . وهنا ينتبه الناس إلى أن الولى إنما هو بشر مثلهم كما أن رسول الله بشر مثلنا فى البشريه وليس فى المقام والقدر وعندما يعلم الناس ذلك فإنه يردهم عن كل شىء قد يقعون فيه من الشرك ، أما الحب فلا يوجد من يستطيع أن يمنعه وهنا قاطع أحدهم الشيخ وإستوقفه قائلاً : اليس الحب عباده ؟ فضحك الشيخ وقال : يا أخى إن من الحب ما هو عباده كحب العبد لله ذلك لأن الله معبود أصلاً والحب لا يعطى للمحبوب رتبه بل يأخذ رتبته فعندما أحب ولدى وأحب آخر فليس معنى ذلك أنى جعلت الآخر ولداً لى وكما قلنا إذا كان المحبوب معبوداً أصلاً فحبه عباده ( حب الله ) وإذا كان المحبوب متبوعاً أصلاً فإن حبه إتباع    ( حب الرسول ) وإذا كان المحبوب قدوه أصلاً فحبه إقتداء ( حب الأولياء ) وهكذا أقول لكم أن للحب أهله وللقرآن أهله ولله أهله . فقال الرجل : أستغفر الله العظيم .
فقال الشيخ : أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ، ثم قال الشيخ : يا إخوانى أحسنوا الظن بإخوانكم وكفوا عن أهل لا إله إلا الله . [فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى] (32 النجم) . ومن الغريب أن القوم قاموا مستأذنين من الشيخ بدون تعليق وإنصرفوا ، ثم قال الشيخ ( اللهم أهدهم فإنهم لا يعلمون وأصلح بينهم وبينك فلا يعادونك بمعاداة أوليائك فإن من عادى ولياً فقد بارز الله بالمحاربه).
عزيزى القارىء الكريم : كل عام ونحن جميعاً بخير وأدام الله للإسلام أهله وعلماوه العاملين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)من حديث ابن حبان الجزء(4)- ص(246) رقم الحديث 1401-عن أنس بن مالك قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا في المسجد إذ دخل عرابي فقعد يبول فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه مه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تزرموه ) ثم دعاه فقال : ( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر والخلاء ) وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما هي لقراءة القرآن أو ذكر الله ) ثم دعا بدلو من ماء فصبه عليه.