الصيام والصوم

مجلة التصوف الإسلامى
سبتمبر 2007

[ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]

صدق الله العظيم

(183 البقرة)
[ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِىٓ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوْمَ إِنسِيّاً ]
صدق الله العظيم

(26 مريم)

بفرحة الصائم بفطره والروض بعطره والسماء بقطره التقيت بسماحة الإمام وبعد رد السلام.

قلت : سماحة الإمام . . . . إن كل أبنائك من الصوفيه يتقدمون لسماحتكم بأرق التهانى والأمانى بحلول شهر رمضان الكريم .
فقال سماحته : أحياكم الله جميعاً إلى كل عام .
قلت : سيدى الكريم كل الناس يسألون سماحتكم عن الصيام وما وراء ذلك من أحكام فهل سأل أحد سماحتكم يوماً عن الصوم ؟ أم أن الصوم هو الصيام والصيام هوالصوم أم أن للصوم قوم وللصيام أقوام ؟
فضحك سماحته وقال على وزن للتين قوم وللجميز أقوام ثم أسترسل ســماحته يقول : لاشك أن الصيام شىء والصوم شىء آخر فالصيام هو المكتوب على المؤمنين فريضه
[ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ] (183 البقرة) وأما الصوم فهو ما زاد عن الصيام فى الكيفيه والمعنى والمضمون والنتيجه ثم نظر إلىّ سماحته فرآنى واضعاً يدى على فمى وقد أتسعت عيناى إستغراباً .
فقال : هكذا أنت يا ولدى تسأل السؤال وتستغرب الإجابه .
قلت : بل غالباً ما تدهشنى إجاباتكم كما أدهش الله نبيه زكريا عليه السلام إذ سأل زكريا ربه ولداً وأعلن علمه بإنتفاء المقومات وعندما بشره الله بالولد قال : [أَنَّىٰ يَكُونُ لِى] (8 مريم،40 آل عمران) فلعلها يا سيدى دهشة من يجد المستحيل فى لحظه أصبح أيسر الممكنات فلا تؤاخذنى ولا يقطع جهلى إسترسالك .
قال سماحته : أنت تعلم أو يجب أن تعلم أن الفرائض ديون على العباد ويحب الله من العباد قضاء ديونهم أما النافله فهى إستثمار يزيد عن الدين وهو من جنسه والله يحب العبد إذا تقرب اليه بالنوافل .
فالصيام فريضه كتبت علي الأمم السابقه كما كتب على أمة سيدنا محمد ^ وأما الصوم فلم يكتب على الأمم السابقه بل كان نافلة للخواص من عباد الله أنظر إلى قوله تعالى مخبراً عن السيده مريم عليها السلام : [فَقُولِىٓ إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوْمَ إِنسِيّاً ] ( 26 مريم) والنذر ليس فريضه فلا يصح أن تقول إنى نذرت صيام رمضان لأنك مكلف به فإن صمته نجوت من الحساب وإلا فالعقاب العقاب وأنظر أيضاً إلى قول الله مخبراً عن زكريا عليه السلام : [قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِىٓ ءَايَةً قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ] (41 آل عمران) وحددها الله بثلاث ليال أوثلاثة أيام وجعل الكلام بالرمز إستثناء فقال : [إِلَّا رَمْزاً ].
وعندما يقول سيدنا محمد ^ : ” يا معشر الشباب من إستطاع منكم الباءه فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء “(1)
لم يكن سيدنا محمد ^ يقصد صوم المكتوبه بل صوم النافله .
قلت : هل يمكن أن يجتمع الصوم والصيام ؟
قال سماحته : نعم .
قلت : زدنى .
قال السيد : كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش معناه أمسك فقط عن الطعام
والشراب ولم يراع الأصول الأخرى ويسمى هذا صيام العوام إذن فهو صيام فإذا صام المؤمن عن
الطعام والشراب وعن كل شىء عدا ذكر الله فهذا يكون صيام الخواص كما أطلق عليه العلماء ذلك وفى إعتبارى أن هذا النوع هو المرحله الانتقاليه من الصيام إلى الصوم .
قلت : هل من نوع ثالث ؟
قال الإمام : النوع الثالث هو الإمساك عن الطعام والشراب والإعراض عن كل ماسوى الله وهذا مقام يكون العبد فيه فى مقام المخاطبه والمشاهده أى فى مقام الإحسان ويسميه العلماء صيام خواص الخواص وفى إعتبارى أن هذا هو الصوم ومن هنا يمكننا القول أن الإمتناع أو الإمساك أدناه الصيام وأعلاه الصوم وقد كتب الله على الأمه أدنى إستطاعتهم وهو الصيام وترك لهم ميدان التسابق والتنافس والقرار مفتوحاً .
–  [فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ] (48 المائدة) .
–  [وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْـمُتَنَافِسُونَ ] (26 المطففين).
–  [فَفِرُّوٓاْ إِلَى اللَّهِ إِنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ] (50 الذاريات) .
وكما تعلم أن “الوسع” “هو أدنى الإستطاعه وأقل الطاقه” والله برحمته لا يكلف نفساً إلا وسعها فمن تذوق حلاوة الطاعه فإنه يسعى إلى الإستزاده منها ومن لم يتذوق حلاوتها فإنه يؤدى ما كتب عليه وكأنه يتجرعه ولا يكاد يسيغه ولذلك ترك الله الباب مفتوحاً للراغبين فى التقرب اليه المحبين للقائه على موائد طاعته الآملين فيما عنده المستغنين به عن غيره المعرضين عن كل ما سواه الصوامين نافلة تقربهم إلى ربهم وتؤدى بهم إلى حبه لهم فإذا أحبهم كان سمعهم الذى يسمعون به وبصرهم الذى يبصرون به وأيديهم التى يبطشون بها وأرجلهم التى يمشون بها ولئن سألوه لأعطاهم وإن إستعاذوا به لأعاذهم وما تردد الله عن شىء هو فاعله تردده عن نفوسهم فإذا كرهوا الموت كره الله مساءتهم وحاشاهم ذلك فهم المحبون للقاء الله .
قلت : سيدى الكريم لقد علمت أن فوق كل ذى علم عليم والله أعلم ورمضان كريم.

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من حديث صحيح البخاري – الجزء (3) ، ص (354-355) رقم الحديث: 5065 – عن علقمه قال ^ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج).