الإذن الإلهى بين القيد و الإطلاق

مجلة التصوف الإسلامى
أبريل 2005

[يَآ أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً]
صدق الله العظيم

(46،45 الأحزاب)

بفرحة المحزون و تأييد المأذون بالإغتراف من علم الله المخزون المكنون التقيت بسماحة الأمام .
السلام عليكم مولانا و رحمة الله و بركاته .

وعليكم من الله السلام .
قلت : المعروف أن رسول الله ^ يدعو إلى الله بإذنه و سيدنا عيسى عليه السلام أحيا الموتى بإذنه و أبرأ الأكمه و الأبرص كذلك بإذنه و الأولياء أيضاً يُجرى الله على إيديهم الكرامات بإذنه فما هو دليل ومؤدى وإشارات الإذن الإلهى الذى يتفضل به على عباده فيعملون أعمالاً هى من أعمال الله و لو كان سؤالى خطأ فأصلح سؤالى و تفضل بالإجابه .
قال سماحته : يا بنى إن كلمة إذن تعنى بالمفهوم الدارج ” رخصه ” و على ذلك فإن كل شىء يتم بترخيص فإنه يكون مؤيداً ممن رخص بالقيام به فمن يقود السياره المرخص لها بالسير فهذا دليل على صلاحيتها و من يحمل رخصة قياده يدل ذلك على أنه صالح للقياده و هكذا فإن النبى أو الولى الذى يأذنه الله تعالى بالقيام بأى عمل خارق للعاده يكون معنى الإذن أنه صالح لما أُذن به دون أدنى مسئوليه عليه حتى و لو كان الأمر خرق السفينه التى تحمل أناساً كثيرين أو قتل طفل برىء دون أى ذنب أو جريره وطالما هناك إذن من الله لا يعتبر خرق السفينه إتلافا للمال العام ولا قتل الغلام جنايه يحاسب عليها القانون الإلهى، ولا يعتبر ما قام به سيدنا يوسف عليه السلام مع أخيه بنيامين من إتهامه وإخوته بالسرقه والتشهير بهم أمام الناس وهم أبرياء كل ذلك لا يعتبر مخالفة لشرع ولا لعرف ولذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى:[ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْـمَلِكِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّنْ نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ] (76 يوسف) و هذا يعنى أن الله يقول : من كان يظن أن يوسف مخطىء فأنا الذى أمرته و هو لا يستطيع أن يخالفنى فالعباد المكرمون لا يسبقون الله بالقول وهم بأمره يعملون ولا يخافون فى ذلك لومة لائم .
وهذا ما يسمى عند الصوفيه و أهل العلم ” التأييد ” فكل من يعمل بإذن الله فهو مؤيد فى فعله بسلطان الله تعالى و لكن بقيت ملاحظه هامه هل الإذن الإلهى مطلق أم مقيد قلت : أرحتنى سماحتكم من السؤال و هو منطقى .
قال سماحته : لا تقاطعنى إذا رأيتنى مسترسلاً .
يا بنى إن الإذن الإلهى يكون مقيداً أو مطلقاً حسب ما يريد صاحبه غير أن أهل الأدب مع الله يفضلون القيد على الإطلاق حرصاً على دوام الوصل و الخطاب و إتهاماً لأنفسهم بالضعف والخوف من الفتنه و الأستدراج يقول قائلهم : تقيدتُ فى الإطلاق حرصاً على الهوى ، فكلما أطلق الكريم يد المؤدب غلت يده تأدباً .
و لو كان الأذن دائماً مطلقاً لما احتاج سيدنا موسى عليه السلام أن يسأل ربه فى أمر القتيل الوارد فى سورة البقره [ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَاْدَّارَأْتُمْ فِيهَا ] (72 البقرة) و لقام بضربه بالعصى التى فلق بها البحر و أنبع بها الماء من الحجر و ذلك لآن الله جعل السر فى هذه المره فى جزء من البقره ضربوا به الميت فعادت اليه الحياة [اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْىِ اللهُ الْـمَوْتَى ] (73 البقرة) .
و الإشارات فى هذا الأمر كثيره و من لا يقنع بالقليل لا يشبع بالكثير .
قلت : و الخلاصه .
قال سماحته : هل هذا يعنى الملل .
قال سماحته : يعنى مللت الحديث .
قلت : بل هو الأمل و العجله اللذان تعرفهما عنى .
قال سماحته : الخلاصه أن المأذون فعال فى حدود ما أذن به و بسلطان من أذنه سبحانه و تعالى .
والإذن من الله للعباد بالقيام بأفعاله سبحانه دليل على طلاقة قدرته فهو الفعال لما يريد يفعل بنفسه و إذا أراد أذن العاجز و أعطاه قدرته فيصير العاجز قادراً و هذا هو معنى المقتدر الذى يقدر بنفسه و لم يستمد قدرته من غيره بل و يقدر على أن يجعل من لا يقدر يقدر [وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ] (91 الانعام،67 الزمر) .

فقلت وقال سماحته و قال الحاضرون فى آن واحد سبحان الله و لا حول و لا قوة إلا بالله .

والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد