لماذا نسخت آيات من القرآن بآيات أخرى ؟
مجلة عقيدتى
عدد – 845
عدد – 845
أستأذنكم فى الخروج من هذا الزمن الضيق . زمن التفسيرات الخفيفه . البسيطه . الجاهزه وكأنها كمبيالات مستحقه الدفع أوشيكات بدون رصيد علينا سدادها . إن الذى لا يعرف عليه أن ينسحب فليس شرطاً للإيمان أن يفتى الإنسان إذا ما سئل فى أمر من أمور الدين . ليس شرطاً أن يكون عالماً . . فقيهاً . . ومن قال لا أعرف فقد أفتى . . ومن عاد إلى شيخه ومعلمه فتح الله عليه بالثبات فى مواجهة الذين يصطادون فى المياه العكره .
لقد أزعجنى أن يتورط شباب ممن يسمون أنفسهم بالجماعات الإسلاميه فى مناقشة أمور حساسه ودقيقه فى الدين بدعوى الدفاع عن الدين . . فقد أخذوا من أموره قشورها . . فكانت أية رياح ولو خفيفه كفيله بالقضاء عليهم .
قرأت من يقول لهم : إن الناسخ والمنسوخ فى القرآن يعنى أن الله يقرر شيئاً ثم يرجع فيه . . فما هذا الدين الذى يأتى بآيات ثم يشطبها . وقد إستخدم هذا المنطق الشكلى المجرد من الفهم والإستيعاب فى توجيه سهام بدت قاتله . رغم أن من السهل – بقليل من العلم وبقليل من الشفافيه وبكثير من الثقه – تفسير الناسخ والمنسوخ . يقول سبحانه وتعالى : ” مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (البقرة:106)
وهو مايؤكد وجود الناسخ والمنسوخ فى القرآن . . لكن الناسخ والمنسوخ ليس فى الأديان فقط . . فهو جزء أصيل من طبيعة الحياه . . فنحن إذا ما وجدنا قانوناً لا نقدر على تنفيذ أحكامه طالبنا السلطه التشريعيه بتغييره أوتعديله . . وإذا ما صدر حكم بعقوبه مشدده من محكمه تظلّمنا منه لتخفيفه . . وعندما يغفر الله ذنباً لعبد إستوجب عذابه هو نسخ للذنب . . إن الله هنا ألغى العقوبه وإستبدلها بالعفو . . فهل رجع الله فى كلامه ؟ ؟ . . إستغفر الله . . إن نسخ حكم العقوبه بحكم المغفره فيه رحمه . . وإذا كلف عبداً ثم خفف الله عنه التكليف فإنه لا يعتبر رجوعاً وإنما يعتبر رحمه . . يقول سبحانه وتعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (البقرة:178) . . إذا قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلّم إن أمته محاسبه على ما يخطر ببالهم ولو لم يفعلوه . . فهذا حكم شديد . . فإذا ما خفف الله هذا الحكم بعد ذلك ألا يعتبر التخفيف رحمه ؟ . . قال سبحانه وتعالى : ” لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (البقرة:284) . . هذا هو الحكم . . فلما شق ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلًم لم يعترضوا ولم يتذمروا ولم يتظاهروا ولم يرفضوا . . ولكن قال لهم النبى صلى الله عليه وسلًم :( قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ). . هنا تدخلت الرحمه الإلهيه فقال الله سبحانه وتعالى بعدها : ” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ( وهذا أدب المسلم وميزة المسلمين ) وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” (البقرة:285) . . فكان التخفيف فى آخر سورة البقره : ” لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ” (البقرة:286) . . هل يعتبر ذلك رجوعاً فى كلام الله كرجعة أحدنا ؟ . . إن أحداً منا لو رجع فى كلامه إوفى حكمه فإنه يفعل ذلك عن ضعف أولحين تحين لفرصه أخرى . . لكن لو كان الأمر يتعلق بالله سبحانه وتعالى فإنه رجوع فيه رحمه . . ورحمة الله سبقت غضبه . . فالعفو عند المقدره غير العفو عند العجز .
إن كل الآيات التى نسخت إنما نسخت بشفاعه النبى صلى الله عليه وسلّم . . فما نسخت آية رحمه إستبدل بها آية عذاب . . بل العكس هو الصحيح . . كل الآيات التى نسخت كان فيها مشقه وإستبدلها الله بآيات رحمه . والناسخ والنسوخ دليل قدره مطلقه . . فلو كان أحدنا قادراً على أن يكتب ولا يستطيع أن يمحو ما كتب فهو دليل نقص . . إن الله هنا يبرز قوته وقدرته . . فيقول : يا عبادى أنا قادر على عذابكم , ولكنى أرحمكم ليس لقوتكم وليس لإستحالة تنفيذ حكمى ولكن لشفاعة حبيبى محمد صلى الله عليه وسلّم . . يقول سبحانه وتعالى : ” يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ” (الرعد:39) . . ولو لم يكن الأمر متعلقاً بقدرة الله على المحو والإثبات لما كان هناك داع لدعاء أولإبتهال . . لكان عقاب الله أمراً نافذاً وحكماً لا رجعة فيه .
فلو أصيب إنسان بمرض فنحن نبتهل إلى الله كى ينسخ حكم المرض بحكم الشفاء . . ولو كتب الله الفقر على شخص فهو يدعوه أن ينسخ حكم الفقر بحكم الثراء . . وهكذا فى الظلم . . والضعف . . وكل ما يبتلى به الإنسان . . وهنا يكون الدعاء قادراً على نسخ الأحكام . . ولو كانت الأحكام من إله غير الله لما إستطاع أن ينسخها كما هو الحال فى العلاقه بين السلطه التشريعيه والسلطه التنفيذيه . فالسلطه التنفيذيه ملزمه بتنفيذ ما سنته السلطه التشريعيه . . فلو كانت السلطه التشريعيه والسلطه التنفيذيه سلطه واحده كالسلطه الألهيه لما كانت هناك أزدواجيه . . فالله سبحانه وتعالى يقول لنا : أنا رب العالمين أضع حكماً ثم أنسخه لمصلحة العباد . . فلا عيب على البشر إذا وضعوا قانوناً أوسنوا تشريعاً أن يغيروه إذا ماوجدوا فيه إجحافاً وظلماً . . لا عيب أن ينسخوه بقانون آخر يناسبهم ويناسب ظروفهم . . لا حرج فى إلغاؤه . . مثل قانون لمنع الإستيراد فى ظروف ما ثم إلغاؤه بعد تغير هذه الظروف . . ومثل قانون يثبت سعر العمله فى ظروف ما ثم إلغاؤه بعد تغير هذه الظروف
إن الناسخ والمنسوخ جعله الله بشفاعة النبى محمد صلى الله عليه وسلّم رحمة بعباده لا عجزاً ولا نسياناً . . لم يكن سبحانه وتعالى عاجزاً عن تنفيذ ما أمر به ولم يكن ناسياً ما أمر به ثم تذكره . حاشا لله . . وإنما هو تذكير للعباد بقوته ثم برحمته .
والناسخ والمنسوخ على أربعة ضروب إما آيه نسخت نصاً وحكماً . . أوآيه نسخت نصاً وبقيت حكماً . . أوآيه نسخت حكماً وبقيت نصاً . . أوآيه بقيت نصاً وحكماً . . وعلى ذلك خفف الله سبحانه وتعالى الصلاه من خمسين صلاه إلى خمس صلوات . . وإن بقى على ثواب الخمسين صلاة .
وحتى يعلمنا الله سبحانه وتعالى أن نكون رحماء بأنفسنا وضع قواعد للقصاص : ” العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص ” ثم قال سبحانه وتعالى : ” فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ “(البقرة: من الآية178) .
ومن ثم فإن كلنا يتمنى الناسخ والمنسوخ فى حكم الإعدام نتمنى نسخه بالتخفيف وفى مجاميع كليات القمه نتمنى نسخها بتخفيف المجاميع التى تقبلها وهى طبيعة البشر إن يسألوا التخفيف .
هى الفطره البشريه فالبرد الشديد نريد نسخه ببعض الدفء والحر نريد نسخه ببعض الهواء الرطب والظلم نريد نسخه بالعدل .
يقول سبحانه وتعالى : ” إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ”(المزمل: من الآية20) إلى آخر الآيه ثم يقول الحق سبحانه وتعالى : ” عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ”(المزمل: من الآية20) وليس التيسيرفى قراءة القرآن فقط وإنما فى العبادات الأخرى فالحائض والنفساء معفيه من الصلاه ولا تعيد وهى معفيه من الصوم على أن تعيد مثلاً ” يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”(البقرة: من الآية 185)
لقد أزعجنى أن يتورط شباب ممن يسمون أنفسهم بالجماعات الإسلاميه فى مناقشة أمور حساسه ودقيقه فى الدين بدعوى الدفاع عن الدين . . فقد أخذوا من أموره قشورها . . فكانت أية رياح ولو خفيفه كفيله بالقضاء عليهم .
قرأت من يقول لهم : إن الناسخ والمنسوخ فى القرآن يعنى أن الله يقرر شيئاً ثم يرجع فيه . . فما هذا الدين الذى يأتى بآيات ثم يشطبها . وقد إستخدم هذا المنطق الشكلى المجرد من الفهم والإستيعاب فى توجيه سهام بدت قاتله . رغم أن من السهل – بقليل من العلم وبقليل من الشفافيه وبكثير من الثقه – تفسير الناسخ والمنسوخ . يقول سبحانه وتعالى : ” مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (البقرة:106)
وهو مايؤكد وجود الناسخ والمنسوخ فى القرآن . . لكن الناسخ والمنسوخ ليس فى الأديان فقط . . فهو جزء أصيل من طبيعة الحياه . . فنحن إذا ما وجدنا قانوناً لا نقدر على تنفيذ أحكامه طالبنا السلطه التشريعيه بتغييره أوتعديله . . وإذا ما صدر حكم بعقوبه مشدده من محكمه تظلّمنا منه لتخفيفه . . وعندما يغفر الله ذنباً لعبد إستوجب عذابه هو نسخ للذنب . . إن الله هنا ألغى العقوبه وإستبدلها بالعفو . . فهل رجع الله فى كلامه ؟ ؟ . . إستغفر الله . . إن نسخ حكم العقوبه بحكم المغفره فيه رحمه . . وإذا كلف عبداً ثم خفف الله عنه التكليف فإنه لا يعتبر رجوعاً وإنما يعتبر رحمه . . يقول سبحانه وتعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (البقرة:178) . . إذا قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلّم إن أمته محاسبه على ما يخطر ببالهم ولو لم يفعلوه . . فهذا حكم شديد . . فإذا ما خفف الله هذا الحكم بعد ذلك ألا يعتبر التخفيف رحمه ؟ . . قال سبحانه وتعالى : ” لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (البقرة:284) . . هذا هو الحكم . . فلما شق ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلًم لم يعترضوا ولم يتذمروا ولم يتظاهروا ولم يرفضوا . . ولكن قال لهم النبى صلى الله عليه وسلًم :( قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ). . هنا تدخلت الرحمه الإلهيه فقال الله سبحانه وتعالى بعدها : ” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ( وهذا أدب المسلم وميزة المسلمين ) وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” (البقرة:285) . . فكان التخفيف فى آخر سورة البقره : ” لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ” (البقرة:286) . . هل يعتبر ذلك رجوعاً فى كلام الله كرجعة أحدنا ؟ . . إن أحداً منا لو رجع فى كلامه إوفى حكمه فإنه يفعل ذلك عن ضعف أولحين تحين لفرصه أخرى . . لكن لو كان الأمر يتعلق بالله سبحانه وتعالى فإنه رجوع فيه رحمه . . ورحمة الله سبقت غضبه . . فالعفو عند المقدره غير العفو عند العجز .
إن كل الآيات التى نسخت إنما نسخت بشفاعه النبى صلى الله عليه وسلّم . . فما نسخت آية رحمه إستبدل بها آية عذاب . . بل العكس هو الصحيح . . كل الآيات التى نسخت كان فيها مشقه وإستبدلها الله بآيات رحمه . والناسخ والنسوخ دليل قدره مطلقه . . فلو كان أحدنا قادراً على أن يكتب ولا يستطيع أن يمحو ما كتب فهو دليل نقص . . إن الله هنا يبرز قوته وقدرته . . فيقول : يا عبادى أنا قادر على عذابكم , ولكنى أرحمكم ليس لقوتكم وليس لإستحالة تنفيذ حكمى ولكن لشفاعة حبيبى محمد صلى الله عليه وسلّم . . يقول سبحانه وتعالى : ” يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ” (الرعد:39) . . ولو لم يكن الأمر متعلقاً بقدرة الله على المحو والإثبات لما كان هناك داع لدعاء أولإبتهال . . لكان عقاب الله أمراً نافذاً وحكماً لا رجعة فيه .
فلو أصيب إنسان بمرض فنحن نبتهل إلى الله كى ينسخ حكم المرض بحكم الشفاء . . ولو كتب الله الفقر على شخص فهو يدعوه أن ينسخ حكم الفقر بحكم الثراء . . وهكذا فى الظلم . . والضعف . . وكل ما يبتلى به الإنسان . . وهنا يكون الدعاء قادراً على نسخ الأحكام . . ولو كانت الأحكام من إله غير الله لما إستطاع أن ينسخها كما هو الحال فى العلاقه بين السلطه التشريعيه والسلطه التنفيذيه . فالسلطه التنفيذيه ملزمه بتنفيذ ما سنته السلطه التشريعيه . . فلو كانت السلطه التشريعيه والسلطه التنفيذيه سلطه واحده كالسلطه الألهيه لما كانت هناك أزدواجيه . . فالله سبحانه وتعالى يقول لنا : أنا رب العالمين أضع حكماً ثم أنسخه لمصلحة العباد . . فلا عيب على البشر إذا وضعوا قانوناً أوسنوا تشريعاً أن يغيروه إذا ماوجدوا فيه إجحافاً وظلماً . . لا عيب أن ينسخوه بقانون آخر يناسبهم ويناسب ظروفهم . . لا حرج فى إلغاؤه . . مثل قانون لمنع الإستيراد فى ظروف ما ثم إلغاؤه بعد تغير هذه الظروف . . ومثل قانون يثبت سعر العمله فى ظروف ما ثم إلغاؤه بعد تغير هذه الظروف
إن الناسخ والمنسوخ جعله الله بشفاعة النبى محمد صلى الله عليه وسلّم رحمة بعباده لا عجزاً ولا نسياناً . . لم يكن سبحانه وتعالى عاجزاً عن تنفيذ ما أمر به ولم يكن ناسياً ما أمر به ثم تذكره . حاشا لله . . وإنما هو تذكير للعباد بقوته ثم برحمته .
والناسخ والمنسوخ على أربعة ضروب إما آيه نسخت نصاً وحكماً . . أوآيه نسخت نصاً وبقيت حكماً . . أوآيه نسخت حكماً وبقيت نصاً . . أوآيه بقيت نصاً وحكماً . . وعلى ذلك خفف الله سبحانه وتعالى الصلاه من خمسين صلاه إلى خمس صلوات . . وإن بقى على ثواب الخمسين صلاة .
وحتى يعلمنا الله سبحانه وتعالى أن نكون رحماء بأنفسنا وضع قواعد للقصاص : ” العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص ” ثم قال سبحانه وتعالى : ” فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ “(البقرة: من الآية178) .
ومن ثم فإن كلنا يتمنى الناسخ والمنسوخ فى حكم الإعدام نتمنى نسخه بالتخفيف وفى مجاميع كليات القمه نتمنى نسخها بتخفيف المجاميع التى تقبلها وهى طبيعة البشر إن يسألوا التخفيف .
هى الفطره البشريه فالبرد الشديد نريد نسخه ببعض الدفء والحر نريد نسخه ببعض الهواء الرطب والظلم نريد نسخه بالعدل .
يقول سبحانه وتعالى : ” إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ”(المزمل: من الآية20) إلى آخر الآيه ثم يقول الحق سبحانه وتعالى : ” عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ”(المزمل: من الآية20) وليس التيسيرفى قراءة القرآن فقط وإنما فى العبادات الأخرى فالحائض والنفساء معفيه من الصلاه ولا تعيد وهى معفيه من الصوم على أن تعيد مثلاً ” يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”(البقرة: من الآية 185)
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : رؤية جديدة في سبتمبر 15th, 2010