العلماء ورثة الأنبياء لكنهم ليسوا العلماء الذين نعرفهم
صوت الأمة العدد 97
7/10/2002
الثروة العقارية تنهار .. الثروة المالية تضيع .. الثروة الاجتماعية تتبدد .. الثروة الصحية تمرض .. الثروة العقلية تضعف .. أما الثروة الروحية فهي التي تبقى .. هي التي تغذي المشاعر بطعم الإيمان .. فتكون الرحمة .. والحكمة .. والموعظة الحسنة . لقد قال شاعر قديم: ” فلتتأمل هذا الخان البالي .. يتوالى على مداخله الليل والنهار .. كيف تعاقب عليه سلطان بعد سلطان بكل ماله من أبهة .. عاش به ساعته الموعودة .. ثم مضى إلى غايته ” . إن الباب الذي دخلنا منه هو نفسه الباب الذي سنخرج منه .. ولو كنا قد جئنا كالماء فإننا نمضي كالريح.. وبين المجيء والمضي يتلخص الإنسان في كلمة واحدة .. طيب .. شرير.. متسامح .. عنيد .. مجرم .. محترم .. شريف .. منحرف .. مؤمن .. ملحد .. فاختر لنفسك الكلمة التي تريدها .. اخترها من الآن حتى تقدر عليها . والحلال واضح .. والحرام أيضا إن القطة التي تخطف قطعة لحم منك تعرف أنها أخطأت فتجري من أمامك .. بينما ترقد في حجرك مستكينة .. مستسلمة لو أنك أعطيتها قطعة اللحم بنفسك .. القطة تعرف الحلال والحرام فما بالك بالإنسان .. فتش في قلبك جيدا .. ستجد ما تبحث عنه بشرط أن تضمن نقاءه وصفاءه بالإيمان. كما ورد فى الحديث الشريف فى
الجامع الصحيح (صحيح البخاري)– الجزء (1) ، ص(34)
52 – حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء عن عامر قال سمعت النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول الله ^ يقول ( الحلال بين والحرام بين وبينهما مُشَبّهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى أوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ).
وحتى نترجم هذا الحديث الشريف إلى لوحة تشكيلية بسيطة تقرب المعنى إلى العقل ليستقر في النهاية في بيت القلب نتصور طريقا ممتدا بين مزروعات خضراء .. على هذا الطريق يسير مجموعة من الأغنام .. والأغنام بالطبع تشتهي الخضرة وتحلم بمضغها و امتصاص رحيقها .. لكن الراعي اليقظ يمنعها من تجاوز حرم الطريق لدخول المزروعات والتعامل معها وهو ما يسبب له متاعب مع أصحابها .. ثم إن يقظة الراعي قد تكون تأمينا للأغنام ..فقد تكون المزروعات مرشوشة بمبيدات سامة تقضي على الأغنام .. لو تصورنا أن الراعي نام .. ثم غط في النوم .. ستترك الأغنام الطريق و ستنتشر في المزروعات تلتهمها وتهلكها وتهلك نفسها أيضا . اللقطة الثانية .. لو تخيلنا أن بعض الناس ممن ليس لهم خبرة في التعامل مع الأغنام انتبه إلى وجودها في المزروعات واجتهد لإعادتها إلى جادة الطريق .. أو سواء السبيل .. فما الذي سيحدث ؟ .. إن عدم خبرة هؤلاء الناس في التعامل مع الأغنام سيتعبون هم ويتعبون الأغنام دون أن ينقذوها وينقذوا المزروعات من الهلاك .. اللقطة الثالثة .. سنتصور أن رجلا عاقلا قادما من جهة أخرى شاهد ما يجري وسأل هؤلاء الناس ماذا تفعلون؟ .. فقالوا له : نعيد الأغنام إلى سواء السبيل .. فقال لهم ليس بهذه الكيفية .. ثم توجه إلى الراعي النائم فأيقظه حتى انتبه .. وعندما استيقظ الراعي نادى على غنمه فعادت إلى الطريق القويم دون مجهود. يقول الله سبحانه وتعالى : [ وَيَضْرِبُ اللهُ اْلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ] (35النور) .. : فما المقصود بهذا المثل.. إن الخضرة التي على الجانبين ( وهي سامة أو ضارة) وتشتهيها الأغنام هي المحرمات .. والأغنام هي الجوارح .. اليد .. العين .. اللسان وغيرها .. والراعي هو القلب الذي يسيطر على الجوارح ويمنعها من النزول إلى المحرمات حتى ولو بدت خضراء .. مغرية .. فليس كل ما يبرق ذهبا .. وليس كل ما يؤكل يهضم .. أما القوم الذين يحاولون إعادة الأغنام دون فهم وخبرة فهم الوعاظ الذي يحاولون عن طريق الوعظ شفاء المريض .. وليس معنى ذلك أن الوعاظ غير مفيدين .. ولكن فائدتهم مثل الطب الوقائي .. التحذير من المرض قبل الإصابة به .. فائدتهم محصورة في النهي .. وليس في التغيير .. التغيير له أطباء غيرهم .. شيوخ وعلماء منحهم الله ما يجعلهم يصلحون القلب ويوقظونه . إن الرجل الذي أيقظ الراعي هو واحد منهم عالم من نوع آخر .. عالم من العلماء الذين قال الله سحبانه وتعالى عنهم [ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَآؤُاْ ] (28فاطر) : إنهم ورثة الأنبياء .. هم يعرفون كيف يخاطبون القلوب .. يوقظونها فتنادي على رعيتها .. أغنامها .. وهي الجوارح فتستقيم على طاعة الله بعيدة عن الشهوات والمحرمات والمكاره. إن العلماء مثل البطاريات .. مشحونون بالعلم .. لكن هناك بطارية مشحونة بحيث تنفذ بالاستخدام .. تسمى بطاريات جافة .. إنها بطاريات ذات شحن محدود .. وهناك بطاريات متصلة بدينامو يعيد شحنها كلما أوشكت على النفاد .. ودينامو الشحن هنا هو المدد الذي يهبه الله لهؤلاء العلماء قال سبحانه وتعالى: [ وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ] (282البقرة). لكن .. من هم العلماء ورثة الأنبياء ففي الحديث الشريف الذي ورد في سنن أبو داوود – الجزء (4)، ص (57-58)
3641 – حدثنا مسدد بن مُسَرهد ثنا عبد الله بن داود قال سمعت عاصم بن رجاء بن حيوة يحدث، عن داود بن جميل، عن كثير بن قيس قال :كنت جالسا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجل، فقال يا أبا الدرداء ، إني جئتك من مدينة رسول الله ^ لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله ^ ، ما جئت لحاجة ، قال فإني سمعت رسول الله ^ يقول : (من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر). فهل كل من قرأ عالم ؟ .. هل كل من حصل على شهادة دراسية يعتبر من ورثة الأنبياء .. إن الأنبياء لم يأخذوا علمهم من القراءة بل كان بعضهم أميا .. ثم أين قرأ الأنبياء ؟ .. وعلى أي كتب ودراسات اطلعوا ؟ .. وهل كان هناك علم وعلماء قبلهم حتى يقرأوا لهم.. لقد استمد الأنبياء علمهم من الله .. والعلماء الذين يستمدون علمهم مددا من الله هم ورثة الأنبياء .. وراثة الأنبياء تحددها الطريقة التي تلقى بها العلماء علمهم .. ليس تحصيلا من محاضرة أو دراسة أو جامعة دينية وإنما تلقوه هبة من الله .. يقول سبحانه وتعالى : [ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ] (32فاطر) . ويفهم من القول الكريم أن ورثة الأنبياء يطلق عليهم العلماء .. وليس العلماء كما نفهم هم ورثة الأنبياء .. إن العلم هو علم تحصيل .. أو علم مدد .. الأنبياء .. وورثتهم من العلماء أخذوا علمهم من الله بالمدد .. يقول سبحانه وتعالى: [ عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً ] (65الكهف) .. هؤلاء العباد هم الذين أخذوا العلم بالهبة لا بالكسب .. والهبة من عند الله .. وليس لها أسباب .. هي شئ منقطع الأسباب .. يؤتيها الله لمن يشاء .. ومن ثم فإن الأنبياء مقيدون بالشرع بإذن الله والأولياء مطلقون بالقدرة بإذن الله .. بشرط تعليق الإرادة .. ( يعلق الله ما يشاء من إرادته على إرادة من يشاء من عباده ويفعل الله ما يريد) فمن علم واستطاع فهو مخير .. ومن فقد العلم أو الاستطاعة فهو مسير .. والمخير يحاسب لأنه يعلم ويستطيع أما المسير لا يحاسب لأنه لا يعلم أو لا يستطيع.. المسير يسمى عبد إرادة .. والمخير يسمى عبد أمر .. لو سقط العلم أو الاستطاعة سقط التكليف .. مثلا أن أعلم بفريضة الحج ولكني لا أستطيع أن أواجه الشرط .. عدم الاستطاعة هنا يسقط التكليف لا أعلم أن الصلاة فريضة عدم العلم يسقط التكليف ولا يحاسب على ذلك والتكليف بتغير المنكر يخضع للقاعدة نفسها لا يكلف الله أو رسوله أحدا تكليفا يؤدي التقصير فيه إلى المؤاخذة .. إلا إذا توفر لديه العلم والاستطاعة .. العلم وحده لا يكفي .. العلم وحده ليس أداة من أدوات التغيير.. القدرة يجب أن تتوافر إلى جانب العلم .. ولا نملك إلا أن نقول في كل وقت:
لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
في تصنيف : لحظة نور في يوليو 14th, 2010