ليلة النصف من شعبان هى ليلة التغيير
الفجر العدد 167
25/8/2008
لوتأملنا ما يجرى الآن في القدس سيسهل علينا إكتشاف الحكمه الإلهيه من تغيير القبله
ليلة النصف من شعبان هى ليلة التغيير . . من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام . . من الحسن إلى الأحسن
1- قبلة المسجد الحرام قبله في السماء
تصور أنك طلبت شقه في الزمالك أو مصر الجديده أو القطاميه فإذا بك تحصل على غرفه وحيده في حى شعبى متواضع ثم تجد من يقول لك : مبروك لقد حصلت على ما أردت بالضبط؟ .
المشهد السابق هو ترجمة بشريه متواضعة ومتعجلة للآية التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم : [ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْـمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ] (144 البقرة).
يبدو من ما قرأنا أن النبي كان يبحث عن قبله في السماء ( الحي الراقي ) فإذا بالأمر الإلهى يوجهه إلى الأرض . . ناحية المسجد الحرام . . بل أكثر من ذلك يؤكد له أنها قبلة يرضاها . . فكيف هبط ما أراد النبي من السماء إلى الأرض ؟ . . من قبله في السماء إلى المسجد الحرام؟ . . ألم يكن النبي يعرف الكعبه حتى يبحث عنها فى السماء ؟ .
تعالوا نترجم معاني كلمات الآيه حتى نصل إلى تفسيرها المناسب . . إن كلمة تقلب وجهك في السماء تعنى أن الوجه صار قلباً . . الوجه لا يرى إلا فى اتجاه واحد من الاتجاهات الأربعة . . لكن القلب يقدر على رؤية الاتجاهات والأبعاد المختلفة .
والمقصود بالسماء هنا العلو والسمو والشرف وزيادة الرتبة والأجر . . يا محمد أنك تبحث بقلبك القادر على رؤية الاتجاهات والأبعاد عن قبلة ترضاها فى مكان رفيع الشأن . . عالي المنزلة . . يكون للصلاة فيه أجر كبير. . أكبر من غيره .. فول وجهك شطر المسجد الحرام . . حيث الصلاة بمائة ألف . . بينما في المسجد الأقصى بخمسمائة فقط .
كان المسجد الأقصى الذى باركنا حوله هو القبله قبل تغييرها . . ولو كان الله قد بارك حول المسجد الأقصى فإن المسجد الحرام نفسه مبارك . . يقول الله سبحانه وتعالى : [ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِناً ] (97،96 آل عمران).
أما بيت المقدس فيقول عنه سبحانه وتعالى : [سُبْحَانَ الَّذِىٓ أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْـمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْـمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ] (1 الإسراء) . . فلو قارنت بين المبارك ( المسجد الحرام ) إلى المبارك حوله ( المسجد الأقصى ) يكون المبارك أعلى وأسمى من المبارك من حوله . . يكون المبارك بمثابة السماء بالنسبه للمبارك حوله . المسجد الحرام بمثابة السماء بالنسبه للمسجد الأقصى . . الصلاه بمائة ألف مقابل خمسمائة فقط .
إذن تقلب وجهك تعنى أنك تبحث فى كل الإتجاهات والأبعاد عن قبله تكون أكثر سمواً من القبله القائمه . . تكون بمثابة السماء بالنسبه إليها . . هذه القبله هى المسجد الحرام .
ولو تأملنا ما يجرى الآن فى القدس سيسهل علينا أكتشاف الحكمه الإلهيه من تغيير القبله . . إن الفلسطينيين . . سكان البلاد يعجزون عن الصلاه هناك . . فكيف يكون الحال لو كان على باقى المسلمين فى كل الإتجاهات والأنحاء أن يقصدوها وهى محتله ؟ . لذلك فإن قوله سبحانه وتعالى : [ قَدْ نَرَىٰ ] ليس معناها قد الإحتماليه وإنما ( قد ) التحقيقيه ويقول سبحانه وتعالى: [سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للهِ الْـمَشْرِقُ وَالْـمَغْرِبُ] (142 البقرة) . . والسفهاء هم فاقدوا الأهليه . . لقد قالوا ما ولاهم ؟ ولم يقولوا من ولاهم ؟ . . ولو قالوا من ولاهم لكان السؤال صحيحاً . . أما ما ولاهم فسؤال خطأ . . ورغم ذلك طلب الله من النبي الإجابه عنه إجابه صحيحه وهى : [ قُل للهِ الْـمَشْرِقُ وَالْـمَغْرِبُ ] . . وهو يعنى أن الرسول هو رسول للمشرق والمغرب . . هو رسول للعالمين .
والمعروف أن الكعبه ستة أضلاع . . لا نرى منها سوى ثلاثة أضلاع ونحن نقف فى كل جهه منها . . ما نراه منه يسمى شطر . . إى نصف . . ومنها شرع الله الطواف لنرى بقيتها . . [ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْـمَسْجِدِ الْحَرَامِ ] . . أى إتجه ناحية الكعبه .
2- مكه أحب الأماكن إلى الرسول والمدينه أحب الأماكن إلى الله .
والكعبة هي القبله السامية القيمة والمكانة والشرف والأجر وهى القبلة التي ارتضاها الرسول لنفسه ولأمته فمكه هى أحب الأماكن إلى قلب الرسول . . وعندما أخرج منها
كما ورد في الحديث الشريف في سنن الترمذي – الجزء (5) ، ص (207-208) :
3925 – حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن عُقيل عن الزُّهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن حمراء الزهري قال : رأيت رسول الله ^ واقفا على الحزورة فقال : ( والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت ) .
( أيه يا مكه إن الله يعلم أنك لأحب بقاع الأرض إلى قلبى ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت ) . . ولكنه عندما وصل إلى المدينه أضاف قائلاً : ( إن مكه أحب بقاع الأرض إلى و لكن المدينة أحب بقاع الأرض إلى الله ) . . ومن هنا كان مقامه الشريف وروضته الشريفة .
ويروى عن الإمام مالك رضي الله عنه ( إمام دار الهجرة ) إنه كان يسير حافى القدمين . . لا ينتعل شيئاً . . وعندما سئل عن ذلك قال : ( عل قدمى تلامس موضعاً وطأه رسول الله بقدميه ) . . والمعروف أن تراب المدينة يشفى من مرض الجذام
وكما ورد فى صحيح البخارى الجزء (2) ص(26) :
1885 – حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت يونس عن ابن شهاب عن أنس رضي الله عنه عن النبي ^ قال:
( اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة ) .
3- الفرق بين يتفكرون ويفكرون كالفرق بين من ينفذ ومن يتأمل !
ويجرنا الكلام إلى قوله تعالى : [ إِنَّ فِي خَلْقِِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَأَيَاتٍ لِّأُوْلِى الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ] (191،190 آل عمران).
قال سبحانه وتعالى : [ وَيَتَفَكَّرُونَ ] ولم يقل ” يفكرون ” وهى الكلمه الأكثر شيوعاً . . لماذا؟ . إن الفرق بين الكلمتين أوالفعلين أكبر مما نتصور . . أكبر مما يوحى لنا به الساده العلماء على قنوات الفضائيات .
لو قلت إننى أفكر فى الزواج فمعناه أننى يمكن أن أتزوج ولو قلت إننى أفكر فى العماره التى أسكنها فمعناه أننى أفكر فى بناء مثلها . . لكن . . لو قلت أننى أتفكر فى الزواج فمعناه إننى أتفكر فى فلسفته وقواعده وأصوله والحكمه منه . . ولو قلت إننى أتفكر فى العماره التى أسكنها فمعناه أننى أتفكر فى طرازها المعمارى وطريقة بنائها . . مثلاً .
لو قلت أفكر فى خلق السموات والأرض فمعناه أننى أفكر فى خلق مثلهما . . ولو قلت أتفكر فيهما فمعناه أننى أبحث فى كيف خلقهما الله وكيف سيرهما بقوانين يصعب على البشر صياغة مثلها . أفكر فى شىء يعنى أننى أفكر فى تنفيذه أو تقليده . . أتفكر فى شىء يعنى أبحث فيه .
التفكير فى الشىء يعكس إرادة إقتناءه أو إنشائه أو الإتجار فيه . .
أما التفكر فيعكس الرغبه فى الوصول إلى الحكمه منه والعذب فيه وبلوغ ما هو غير متاح للعين .
– تحريم الدعاء فى ليلة النصف من شعبان حرام !
وقد تغيرت القبله فى ليلة النصف من شعبان . . كان الرسول يصلى بالمسلمين صلاة العصر فى مسجد القبلتين ( وهو مسجد لايزال قائماً فى المدينه ) عندما إستدار ليغير قبلته ناحية المسجد الحرام .
وتثير ليلية النصف من شعبان جدلاً حولها . . فهناك من الشيوخ الأفاضل من يقول إن الدعاء فيها لم يرد عن الرسول ومعنى هذا أن الدعاء فيها لا يقبله الله . . وهو أمر يثير الدهشه بقدر ما يثير الإستغراب . . فالرسول لم يقل : ” يارب إمنحنى سياره آمنه ” . . فهل لايصح أن أطلب ذلك من الله ؟ .
إن الدعاء مفتوح . . ومباح . . وطالما أن الداعى يقول :” اللهم ” فلا حرج عليه . . بل إن الدعاء واجب عليه .
وفى دعاء النصف من شعبان نقول لله : إن كنت كتبتنى شقياً أو محروماً فامح بفضلك شقاوتى وحرمانى و أكتبنى عندك سعيداً مرزوقاً . . ويقول المعترضون إن هذا عيب أن نقول ذلك إلى الله . . ولو صح ادعاؤهم فإن الاستغفار لا داعى له . . فالاستغفار طلب من الله بمحو ماكتبه علينا من ذنوب . . وهو أمر يسير عليه . . إن المهم هنا هو أن يقول الداعى ” اللهم ” . . فسبحانه وتعالى يقول : [ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِىٓ ] (60 غافر) . . أما كون الله يستجيب أو لا يستجيب فهذا شأنه . . فإذا دعونا الله فإنما نؤدى فريضه ( الأمر الإلهى يقول إدعونى ) أما إستجابة الدعاء فليست فرضاً على الله .
يا ليت الساده العلماء يهتمون بشروط الوجوب و الصحه فى العبادات ويتركون شروط القبول والرفض . . فلا شأن لهم بها . . عليهم أن يقولوا لنا متى تجب الصلاه ؟ . . وكيف تكون الصلاه صحيحه ؟ . . وليس عليهم أن يقولوا كيف تقبل الصلاه ؟ . . فهى على الله .
هناك أوقات للصيام و أوقات يحرم فيها الصيام ( أيام العيد وليلة الشك ) وأوقات مفروضه للصلاه وأوقات تكره فيها الصلاه ( وقت الشروق والغروب ) ولا يصح الحج إلا يوم عرفه . . أما الدعاء فمفتوح طوال العام وفى أى زمان ومكان . . ومن ثم فإن الاختلاف على ميقات الدعاء يعد باطلاً . . ولو كان الاختلاف على النص فهو أيضاً باطل . .
ومن شروط الصحه أن تقصد الله بالدعاء . . أما كونه مقبولاً أو مرفوضاً فهذا ليس شأن أحداً من خلق الله . . يا خلق الله خلوا بين الله وعباده .
لقد أعجبنى قول رجل بسيط عندما سئل عن دعاء النصف من شعبان . . قال : لماذا ترفضونه؟ . . قيل له : لأن غالبية الناس لايدعون الله إلا فى هذا اليوم . . قال : ليكن . . فلو فتح الله فيه على عباده بالدعاء فلماذا تريدون حرمانهم منه ولو كان يوماً واحداً فى السنه . . قالوا : يجب الدعاء طوال العام . . قال : لو كنا ندعو الله طوال العام فلماذا نتوقف فى ليلية النصف من شعبان ؟ .
وبالمناسبة فإن نص دعاء ليلة النصف من شعبان هو : ” اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه . . ياذا الجلال والإكرام . . اللهم إن كنت كتبتنى عندك فى أم الكتاب شقياً أو محروماً أو مطروداً أو مقتراً على فى الرزق فأمح اللهم بفضلك شقاوتى و حرمانى و طردى و إقتار رزقى وأثبتنى عندك فى أم الكتاب سعيداً ومرزقاً موفقاً للخيرات فإنك قلت وقولك الحق فى كتابك المنزل على نبيك المرسل ” يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ” إلهى بالتجلى الأعظم فى ليلة النصف من شهر شعبان المعظم أن ترفع عنا البلاء ما نعلم وما لا نعلم إنك أنت الأعز الأكرم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم ” .
إن ليلة النصف من شعبان هى ليلة التغيير . . من قبلة المسجد الأقصى إلى قبلة المسجد الحرام . . من الحسن إلى الأحسن . . ومن ثم فالدعاء فيها رغبه فى التغيير من السىء إلى الأحسن . . فلماذا يضيق علينا بعض الشيوخ بتحريم الدعاء فى هذه الليله . . لماذا يضيقون ومن ضيق علينا ضيق الله عليه ؟ . . لماذا يعسرون ومن عسر . . عسر الله عليه فى الدنيا والآخره ؟ . . وحسبنا الله ونعم الوكيل
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في أغسطس 11th, 2010