قل : مفكر مسلم – و لا تقل : مفكر إسلامى
صوت الأمة العدد 195
23/8/2004
فى فوضى الألقاب التى نبعثرها من غير حساب . . هناك لقب شائع . . يمنحه من يكتب فى الدين من غير العلماء لنفسه . . أو يجد من يمنحه له . . لقب ” مفكر إسلامى ” . . إنه لقب لا معنى له . . مثل لقب ” باشا ” . . و ” بك ” . . بل أن لقب “باشا ” . . أو “بك ” لهما أصول و جذور العصر الملكى حتى لو لم يكن لهم سند من القانون . . أما لقب ” مفكر إسلامى ” فلا سند له من القانون أو القاموس .
يمكن أن نقول ” مفكر مسلم ” . . لكن . . مستحيل أن نقول ” مفكر إسلامى ” . . فالإسلام ليس نظريه بشريه حتى يفكر فيها البشر . . ليس مثل النظريه الشيوعيه . . أو النظريه الرأسماليه . . وهى نظريات من إختراع البشر . . كارل ماركس . . آدم سميث . . و غيرهما . . الإسلام دين سماوى قابل للتفسير و الإجتهاد . . و نسمى من يفعل ذلك ” عالم “. . أو ” مجتهد “. . أو ” مرجعيه “.
و لم يسم واحد من أئمة المذاهب الأربعه نفسه مفكرا إسلاميا . . فكل منهم كان مثل النحل الذى ذهب إلى الأزهار الطبيعيه و أمتص رحيقها و أفرز عسلا من الرحيق الإلهى . . فضاعف من حلاوة النص. . و كشف عن أسراره و جواهره . . أما الذى يريد أن يخترع و يضيف من عنده بصفته مفكرا ( إسلاميا ) فهو الذى يترك النحل يتغذى على ما هو غير طبيعى مثل السكر . . فيكون ما يفرزه النحل من عسل ليس طبيعيا . . و ليس فيه شفاء للناس . . بل فيه ضرر لهم .
إن الإجتهاد فى النص لفهمه و تأكيده و تفسيره يسمى مذهبا . . أما الإجتهاد فى النص للحياد عنه أو لإلغاؤه أو لتعديله فيسمى فكرا . . فكل من الأئمه الأربعه إجتهد فى تفسير تعدد الزوجات مثلا . . لكنه لم يلغه . . و إجتهد فى تفسير الميراث. . و سر أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين . . لكنه لم يطالب بالمساواه فى الميراث بين الرجل و المرأه . . فى الحاله الأولى نحن أمام مذهب و فى الحاله الثانيه نحن أمام فكر.
و من ثم لم يطلق احد على الإمام مالك أو الإمام الشافعى أو الإمام أبو حنيفه أو والإمام أحمد بن حنبل مفكرا إسلاميا . . فكل منهم لم يفكر فى تغيير نص . . بل راح يمتص رحيقه ليخرج عسلا . . لم يسع أحدهم ليشوه نصا بدعوى أنه لم يعد يلائم العصر . . و الصحيح أنه لم يفهم النص ليعرف كيف يلائم العصر .
يقول سبحانه و تعالى : [ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ] (36 الأحزاب) و . . [ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّـمَّـا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ] (65النساء). . و كلمة يحكموك تعنى اللجوء إلى النص . . اللجوء إلى المذهب الذى يعكس النص . . و النص ضروره للإيمان . . و لا يمكن أن نجد فيه حرجا . . و لا يمكن إلا أن نسلم به تسليما . . و لو فكرنا ووجدنا فى النص حرجا . . فإن الإيمان ينتفى تماما حتى لو حملنا مليون لقب من ألقاب المفكر الإسلامى.
بل إن الرسول نفسه عليه الصلاة و السلام لا يجوز و لا يصح أن نسميه مفكرا . . فكلامه محفوظ بالوحى . . [ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ] (4 النجم) . . و هو لا يأتى شيئا من عنده . . هو رسول . . لا يحق له اللعب فى الرساله أو تغييرها . . و بالتالى لا يمكن أن نقول أنه ” مفكر إسلامى ” . . و لا يمكن أن نطلق الصفه نفسها على الخلفاء الراشدين . . ومن باب أولى ألا نطلقها على من هم أدنى منهم مرتبه .
إن الفرق مثلا بين الإمام الشافعى و غيره ممن يسمون أنفسهم مفكرين إسلاميين هو أن الشافعى أخذ النص و فهمه على مراد المشرع و صاحب النص و راح يجتهد فى تفسيره . . أما المفكر فهو الذى يمسك بالنص و يقيمه و يقارنه فلو لم يعجبه راح يستخدم كل ما أوتى من ثقافه و خبره فى تعديله أو تفسيره على هواه . . يقول سبحانه و تعالى : [ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ] (16الحجرات). . إنه يجتهد فى النص ليس لفهمه و إنما للخروج عليه . . أو ليضيف عليه . . فالدين لا يقبل الحذف و لا الإضافه لأنه من عند الله . . يقول سبحانه و تعالى : [ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ ] (39 الأنفال). و المقياس الوحيد لسلامة المفكر ( والأدق أن نسميه مفسرا أو مجتهدا ) هو عدم مخالفة النص . . فلو خالف نصا فما يقوله بدعه . . و تخريف . . و تخريب يقول سبحانه و تعالى : [ إِنَّ فِي خَلْقِِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَأَيَاتٍ لِّأُوْلِى الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ] (191،190 آل عمران). . إن النص هنا يدعو إلى التفكير فى خلق السماوات و الأرض . . و التفكير هنا لا يضيف شيئا إلى هذا الخلق . . و لا يختزل شيئا منه . . و لكن . . يستفاد من هذا الخلق فى البحث عما أودعه الله فى السماوات والأرض لمصلحة البشر .
إذن القاعده أنه لا مفكرين فى الإسلام . . لأن الإسلام لا يقبل الحذف و الإضافه . . و إنما يقبل أن نأخذ منه ما نشاء . . كما نشاء . . و لو كان الإسلام يقبل الحذف و الإضافه لما كان هناك مجال لقوله سبحانه و تعالى : [ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ] (3 المائدة). . لقد قال ” دينا ” و لم يقل” فكرا”
إن الإسلام لا ينقصه شىء سوى تفسير حقيقى له . . يقول سبحانه و تعالى : [ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَىْءٍ ] (38 الأنعام) . . لكن . . غير الدين من نظريات و أفكار هو الذى ينقصه الكثير و يقبل التعديل و التغيير فهو غير مقيد بنص إلهى أو محفوظ بوحى إلهى . . و من ثم يقبل الحذف و الإضافه .
لقد قال الوليد بن المغيره عندما سمع آيات من القرآن فى بادىء الأمر : إن له لحلاوه و أن عليه لطلاوه و أن أعلاه لمثمر و أن أدناه لمغدق و ما هو بقول بشر و أنه يعلو و لا يعلى عليه . . فلما قال له قومه صبأت أخذ يفكر و يفكر و يفكر و رجع عن قوله الذى قال . . و لذلك يقول سبحانه و تعالى : [ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَآ إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَآ إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ] (18-26 المدثر).هذ هو من يتصور نفسه مفكرا بغير نص و بغير
و لا حول و لا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في أغسطس 10th, 2010