اختار الله الحرب للمؤمنين ولم يختر لهم السرقة وقطع الطريق
صوت الأمة العدد 153
3/11/2003
قبل أن أخرج من مطار لوس أنجلوس عائدا من الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصر أوقفني ضابط في الجمارك ليسألني عن الدولارات التي أحملها .. وعندما قلت له إنني كتبت إقرارا جمركيا وأنا أدخل بلاده ، قال : إن ما يفعله معي نوع من التفتيش العشوائي يسمونه ” راندوم” .. وكان واضحا أن هذه العشوائية لا تصيب إلا العرب والمسلمين .. وكان ذلك من السؤال الأول عن الجنسية .. فلو قلت “سويدي” أو “هندي” أو “إيطالي” اكتفوا بتركك تمر في سلام .. وإذا قلت ” مصري” أو “تونسي” أو “سعودي” انهالوا عليك بالأسئلة وكتابة الاقرارات . ومن حق ضابط الجوازات في أي مطار أمريكي أن يمنع دخولك حتى لو كنت تحمل تأشيرة صالحة الاستعمال .. وهذا الحق يستخدم بتعسف ضد العرب والمسلمين أيضا .. ولا تستطيع أن تفتح فمك أو تقاضيه .. فدولة الحريات أصبحت متعسفة .. متعصبة .. حتى لو بدوا غير ذلك. ولا جدال أن وراء ذلك حملة التحريض والكراهية ضد المسلمين والعرب بعد أحداث سبتمبر التي قلبت الولايات المتحدة رأسا على عقب .. واستغل هذه الأحداث كثير من الكتاب والصحفيين في الإصرار على أن الإسلام دين العنف والإرهاب. ولو كان هؤلاء الكتاب والصحفيون يريدون أن يعرفوا حقيقة العلاقة بين الإسلام والإرهاب لكان ذلك سهلا عليهم .. إن الإسلام منذ أن بدأ دعوة سرية في مكة وهو ينبذ العنف .. ويرفض الإرهاب .. والبلطجة .. لقد مرت بالمسلمين قافلة للمشركين تحمل بضائع من أموال إغتصبها المشركون من المسلمين قبل الهجرة .. فقال بعض الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام : إن القافلة فيها أموالنا يا رسول الله .. وهى تقصد مكة .. فماذا لو أخذنا ما بها من حقوق لنا ؟ لو وافق النبي ^ على هذا الرأي لسمى المسلمون قطاع طرق ولصوص تجارة .. ولكن النبي ^ سأل ربه .. إن كان لابد من لقاء المشركين فكيف يكون اللقاء .. أيهما يفضل الله ؟ .. يقول سبحانه وتعالى: [ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّآئِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ] (7 الأنفال) .. وذات الشوكة هي الحرب .. أي أن الحرب كانت الاختيار .. فالحرب فيها مواجهة .. وجرأة .. ولا تحمل غدر الهجوم وقطاع الطرق .. لقد أراد الله بذلك أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين .. أراد أن يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون. وصل الخبر إلى المشركين أن قافلتهم ستتعرض للخطر فجاءوا بقواتهم من مكة ، والتقي الجمعان عند عين خارج المدينة تسمي عين بدر فيها ماء عذب .. وقد جعل الرسول جيش المسلمين في ناحية من العين وترك الناحية الأخرى ليعسكر فيها المشركون .. ولكن الصحابة سألوه : أهو منزل أنزلك الله أم هي الحرب والمكر والخديعة ؟ .. فقال الرسول ^ : ( بل هي الحرب والمكر والخديعة ) .. فقال أحد الصحابة : أرى أن نجعل بدرا خلفنا فنشرب ولا يشربون .. فنزل النبي صلى الله عليه وسلم عن رأيه للصحابي .. وقبل أن تبدأ المعركة أنزل الله عليهم مطرا فتطهروا .. ونزلت ملائكة من السماء لتبدو أعداد المسلمين أكثر مما كانوا عليه وذلك لإرهاب المشركين فلا يستمرون طويلا في المعركة .. فتحقن دماء المسلمين ودماء المشركين .. فالاسلام يحافظ على حياة المشركين لأنهم مشروع مسلمين فيما بعد. قال تعالى : [ إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ] (11 الأنفال) .. لكن قبل المعركة كان النبي ^ يمسك بعصا في يده ويرسم على الأرض خطوطا ويحدد اتجاهات المعركة .. وبعد أن إنتهت المعركة وجدوا أن الأشخاص الذين قتلوا .. قتلوا في الاتجاهات التي حددها الرسول ^ بالخطوط التي رسمها على الأرض كما ورد عن رسول الله ^ في الحديث الشريف في صحيح مسلم – الجزء (4)، ص (2202) :
76 – ( 2873 ) حدثني إسحاق بن عمر بن سليط الهذلي حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال قال أنس كنت مع عمر ح وحدثنا شيبان بن فروخ ( واللفظ له ) حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال وكنت رجلا حديد البصر فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيري قال فجعلت أقول لعمر أما تراه ؟ فجعل لا يراه قال يقول عمر سأراه وأنا مستلق على فراشي ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر فقال إن رسول الله ^ كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله قال فقال عمر: فوالذي بعثه بالحق ما أخطؤا الحدود التي حد رسول الله ^ قال فجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول الله ^ حتى انتهى إليهم فقال: يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا ؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا
قال عمر : يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ؟ قال : ( ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا ) .
قال تعالى : [ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْـمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ ] (10،9 الأنفال) .. لقد أكثر الله من العدد حتى يرهب المشركين .. والإرهاب هنا هو أن ينسحبوا ناجين بحياتهم .. وليس الإرهاب قتلهم .. الأرهاب هنا للمحافظة على حياتهم . لقد أكثر الله عدد المؤمنين في عيون المشركين وقلل عدد المشركين في عيون المؤمنين .. لتنتهي المعركة لصالح المؤمنين بأقل عدد من خسائر بين الطرفين . يقول الله للنبي ^ : [ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ ] (43 الأنفال) .. إذن حتى إختيار المعركة كان من عند الله .. لقد إختار المؤمنون العير (التجارة) واختار الله لهم النفير (الحرب) .. وكان ذلك أكرم لهم حتى لا يتهموا بأنهم لصوص
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في يوليو 22nd, 2010