لابد من الوفاء بالنذر ولو نطقته خطأ

صوت الأمة العدد 149
6/10/2003

النذر .. كلمة شرقية شهيرة .. شهيرة جدا .. لكن .. نستخدمها أكثر بيننا وبين أنفسنا .. نجد أنفسنا في مأزق صعب الخروج منه فننذر لله شيئا لو خرجنا منه بسلام .. توجد قضية حرجة لنا في المحاكم فنفعل الشيئ نفسه .. ويتكرر هذا الشيئ في المرض القريب .. والسفر البعيد .. وشوق الحبيب المحروم من الوصال .. وغيرها من حاجات الدنيا الصعبة . ونحن في ظروف شديدة البأس .. إختل فيها ميزان العدل في ضمائر الناس .. وتبعثرت شتات الرحمة في قلوبهم .. ودفعتهم قسوة المعيشة إلى الغش والتدليس والتلفيق .. فكان أن وجدنا في مواقف لا يقدر عليها إلا الله .. فلجأنا إليه بكل الوسائل الشرعية .. الصلاة .. الصوم .. الدعاء .. والنذر.. يقول سبحانه وتعالى في سورة الإنسان : [ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ] (8،7 الإنسان) .. والشرط الضروري في النذر أن يكون لله .. لا يكون النذر إلا لله .. نذرت لله أن أفعل كذا لو تحقق كذا .. لكن .. كيف ننذر لله طعاما وكساء ومالا وهو الغنى الذي لا يحتاج شيئا منا بل نحن الذين نحتاج كل شيئ منه ؟ .. إن المقصود هنا هو ابتغاء مرضاته والتقرب إليه سبحانه وتعالى . والعبرة بالنذر تحددها النية .. لا عبرة لشيئ بعد النية .. فلو أن رجلا يملك مالا ومر على موقف سيارات عام ووجد الركاب يعانون من وطأة الشمس ولا يوجد ما يظلهم فنذر لهم بناء مظلة تحميهم من الحر وجب عليه أن يبنيها .. وفي مكانها .. وبالمواصفات التي تصورها .. ولا ينفع معه شئ آخر .. ويظل النذر معلقا في عنقه ما لم يفعل ذلك .. ولو نذر شخص تبرعا بجهاز غسيل كلوي لوحدة صحية محددة عليه أن ينفذ ما نذر به لهذه الوحدة الصحية المحددة ولا يعفيه من النذر أن يتبرع بعشرة أجهزة غسيل كلوي لوحدات صحية غيرها .. ولو أن رجلا نذر أن يذبح عجلا ليطعم فقراء المسلمين وجب عليه أن يتأكد أن لا أحد غير فقراء المسلمين قد أكل منه وإلا ظل نذره قائما .. ومن ثم وجب على الإنسان ألا يضيق على نفسه وهو ينذر لله شيئا .. كأن يقول أنه سيذبح عجلا ليطعم به أهل الأرض .. أو ليأكل منه الناس .. فلا يهم هنا أن يأكل منه غنى أو فقير .. مسلما أو غير مسلم .. ويكون نذره قد وفي .. وكان يقول إنه سيتبرع بجهاز غسيل كلوي دون أن يحدد المكان الذي سيستفيد منه .. فهو لو حدد مستشفي قصر العيني وجب أن يذهب الجهاز إليه .. وكأن يقول إنه ينذر لله التبرع من أجل الصحة .. فيذهب ماله إلى أى جهة صحية ولا يكون ملزما بالتحديد .. فعندما نحدد شيئا يكون الله قد كتبه لأصحابه .. وأصبح رزقا لهم على الناذر سداده و إلا إنقلب عمله الصالح عليه. الأفضل ألا نضيق .. الأفضل أن نوسع على أنفسنا .. نقول إن نذرنا للصالح العام .. فيدخل تحته كل مخلوقات الله .. وكل طبقات الناس .. وكل معتقداتهم .. ولو كان النذر لله فإن كل الأطراف تستفيد منه .. من ينذره .. ومن يحصل عليه .. وأما لو كان النذر ابتغاء شهرة أو مكسب سياسي أو وجاهة اجتماعية فلن يستفيد منه سوى طرف واحد هو من يحصل على النذر.. وليس من يقدمه ويتعهد به. لو أن صاحب ورشة كاوتش نذر إصلاح إطارات كل سيارات الإسعاف والشرطة والمطافئ مجانا وكانت نيته إرضاء الله وليس التقرب للشرطة فهذا النذر يستفيد منه صاحب الورشة والشرطة .. ولو كان النذر تقربا إلى الشرطة فالمستفيد منه الشرطة فقط. ويجوز للإنسان أن ينذر أي شيء .. ويجوز له أن ينذر لأي شيء غيره .. لكن .. لابد أن يوفي النذر كما نذر .. أن يوفيه بالنية التي أسرها في نفسه .. يجب أن يوفي النذر باللفظ الذي قيل .. لأن الله يعلم حاجة عباده وأنطق الناذر بما نذر وربط أرزاق المنذور لهم بما نذر إليهم .. ولابد من الأداء .. لا مفر من الأداء .. ولو نذر إنسان أن يذبح خروفا محددا ونفق هذا الخروف فقد انتهى النذر ولم يعد ملزما لصاحبه .. ولو نذر شخص أن يوزع بلح نخلة ما محددة ولم تثمر فليس عليه أن يوزع بلح غيرها .. فقد أعفاه الله من النذر .. فالعبرة كما قلنا باللفظ .. ولو خرج اللفظ خطأ فعليه أن ينفذ ما نطق به .. فقد أنطقه الله ذلك لحاجة البعض لما نطق به. إن من نذر مالا عليه أن يوفي مالا .. ومن نذر شيئا عينيا عليه أن يوفيه كما نذر .. ومن نذر لجهة ما محددة عليه أن يذهب بنذره إليها .. ومن نذر لشخص ما محدد عليه الشئ نفسه .. إن الله لم يكتب عليك ما نذرت به .. أنت الذي كتبته على نفسك .. ولكي نعرف قيمة النذر يقال أن المصلى إذا نوى الصلاة خلف إمام معين يكون قد نذر ذلك .. فلو كبر الإمام تكبيرة الإحرام يحاسب الله الناذر ويراقب خطواته وتصرفاته .. لو خالف الإمام حوسب .. ولو جهر عليه حوسب .. ولو خرج من الصلاة قبله حوسب .. لكن .. لو التزم بالإمام ونفذ النذر حتى نهاية الصلاة فإن الله يضاعف أجره ولا يضاعف أجر الإمام . وقد نذرت السيدة مريم عليها السلام للرحمن صوما .. وكان هذا الصوم ألا تكلم اليوم إنسيا .. وهنا يكون الصوم عن الكلام لا عن الطعام والشراب .. فما ننذره يجب الوفاء به بدقة متناهية .. لكن .. قبل ذلك يجب أن يكون لله

ولا حول ولا قوة إلا بالله