لماذا حبب الله النساء إلى الرسول ؟

صوت الأمة العدد 147
22/9/2003

ليس من السهل أن يكون الإنسان فيلسوفا في غابة من الشياطين .. ولا من السهل أن يكون قديسا في مستوطنة من الشياطين .. ولا متفتحا في مجتمع من المنغلقين .. لكن .. ذلك ليس معناه أن نضع أصابعنا العشرة في الشق ونيأس .. أو ندفن رؤوسنا في الرمل وننسى .. إن علينا أن نقيم التوازن بين الانفجارات التي تحدث حولنا وبين جداول المياه الصافية التي تترقرق في أعماقنا. لا يجوز أن نغضب رغم أن كل ما حولنا يدفع إلى الغضب .. لا يجوز أن نصرخ رغم أن كل ما حولنا يدفعنا للصراخ .. إن الصراخ حق إنساني يلجأ إليه الإنسان للتعبير عن إحتجاجه .. أو عن عذابه .. فنحن نصرخ إذا إحترق إصبع واحد من أصابعنا .. فكيف لا نصرخ ونحن نرى من يشعلون النار في دينهم وهم يبتسمون وكأنهم ملكوا ناصيته وفهموا خباياه وكشفوا أسراره .. على أنه رغم ذلك لن نغضب .. ولن نصرخ .. بل سنناقش .. ونجادل بالعقل .. بالتي هي أحسن. إن أخطر ما في هؤلاء المطمئنين إلى أنفسهم هو أنهم يأخذون الدين كمادة خام لا يضيفون إليها ما يتفاعل معها لتنتج ما هو أفضل وأحسن و أبقى إن خام الحديد يحتاج لكثير من الخبرة حتى يصبح سلعة حضارية ضرورية .. سيارات.. ثلاجات .. ماكينات .. أساس عمارات .. والذهب لا يبرق إلا إذا أجرينا عليه عمليات إستخلاص متتالية .. وكذلك البترول .. والفوسفات.. وكل ما نعرفه من خام . وبهذا المنطق علينا أن نستخلص من الدين ما ينفع الناس مباشرة.. إن الله لم يشرح لنا آيات القرآن آية آية .. وإنما تركنا نستخلص منها ما ينفعنا ويفيدنا .. ولكن .. هذا الاستخلاص له أصول ووسائل علمها لنا الرسول عليه الصلاة والسلام .. أن نجتهد في التفكير والتفسير .. وألا نتقيد بالتقليد .. إن بعض الناس تتوقف عند ما وصل إليه الصحابة ولا ينظرون إلى ما أبعد من ذلك .. وحتى نناقش هؤلاء نتصور أن النبي عليه الصلاة والسلام زرع شجرة برتقال .. وتركها للصحابة على حالها .. قبل أن تثمر .. سيكون وصف الصحابة لها : إنها شجرة خضراء .. وفي زمن التابعين للصحابة فوجئوا أن الشجرة أخرجت زهورا بيضاء .. لو قالوا إن هذا الزهر لم يكن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ولا نتعامل معه لما كسبوا من تحول هذه الزهور إلى ثمار .. لو اعتبروا الزهور البيضاء بدعة يجب الوقوف في وجهها لخسروا ما لم يتركوه ينمو أمامهم .. ولو أن رجلا منصفا منهم أمسك الزهرة البيضاء ووجدها جزءا أصيلا من الشجرة لاعتبرها تطورا طبيعيا للشجرة .. ولاعتبر الثمرة تطورا طبيعيا للزهرة .. ولاعتبر عصير البرتقال تطورا طبيعيا للثمرة .. وكذلك المربي وفيتامين سي وغيرها من فوائد ثمرة البرتقال . لو تجمدنا عند حدود الشجرة التي تركها الرسول ^ لما عرفنا البرتقال .. ولو اعتبرنا هذه الشجرة هي شجرة العلم النبوي وتوقفنا عند مرحلتها في زمن الصحابة. لما كانت ثمار الاجتهاد التي جنيناها فيما بعد لقد أظهر الله في زمن الرسول ^ من شجرة العلم النبوي الفروع والأوراق .. ثم أظهر في زمن التابعين الزهر الأبيض .. ثم في زمن تال الثمرة .. والعصير .. والمربي .. والدواء الذي نعالج به البرد .. ولو سمعنا كلام من يقولون إنهم يتمسكون بما كان في عصر الصحابة لضاعت علينا كل هذه الفائدة . يقول النبي ^ في الحديث الشريف الذي ورد في صحيح البخارى – الجزء (4) ، ص (178) :
6429 – حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه : عن النبي ^ قال: ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم أيمانهم وأيمانهم شهادتهم).
وفي قرن الرسول ^ كانت الشجرة .. وفي القرن الذي يليه كانت الزهرة .. وفي القرن الذي يليه كانت الثمرة .. بهذا التفتح علينا أن نفهم ونفسر كل ما يخرج من ثمار من شجرة العلم النبوي .. وأن نفهم ما نسمعه من أحاديثها بعمق وروية . لقد سأل النبي ^ سيدنا أبا بكر
( ماذا حبب إليك من دنيا الناس يا أبا بكر ؟ ) .. قال أبو بكر رضي الله عنه : ( حبب إلى النظر إليك وجلوسي بين يديك و إنفاق مالي لديك ( لم يقل من شدة الأدب انفاق مالي عليك ). وسأل الرسول سيدنا على كرم الله وجهه : ( ماذا حبب من دنيا الناس إليك يا على ؟ ) قال على رضي الله عنه : ( الصيام بالصيف والقتال بالسيف وقرى الضيف ( إكرام الضيف ومن قرى جاءت كلمة قرية أي المكان الذي يتسم بالكرم). وقال رسول الله ^ في الحديث الشريف الذي ورد في سنن النسائي – الجزء (7) ، ص (61) :
3939 – حدثني الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن النسائي قال أخبرنا الحسين بن عيسى القومسي قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا سلام أبو المنذر عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله ^ : ( حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة )..
 واعتبر كثير من الناس أن وضع النساء في البداية دليل على أن الاسلام دين شهواني مجنون بالجنس وهو تصور لا يصدر إلا عن عقول مريضة .. لا ترى في المرأة سوى الجنس .. لا ترى فيها قيمة سوى إطفاء نيران الشهوة .. لا ترى أنها مخلوق يستحق التقدير والاحترام ووضعه في المقدمة . ويلاحظ أن الرسول ^ قد قال حبب إلى ولم يقل أحببت .. ومعنى” حبب ” فعل مبنى للمجهول أن الله حبب إليه النساء كقيمة .. فالمرأة نصف المجتمع .. وكانت المرأة مهملة في الجاهلية .. حين كان الرجل يدفن بناته أحياء .. ولا يدخلهن في الميراث .. يقول سبحانه وتعالى عنهم : [ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ] (59،58 النحل) .ولكن .. الاسلام نظر إلى المرأة على أنها الوعاء الذي لولاه لانتهى الدين في زمن الصحابة .. فهي التي تحمل في بطنها جنينا يكون فيما بعد عالما أو فارسا أو تاجرا أو مزارعا مسلما .. إنها هي التي تحمل وترضع وتربي وتخلق الامتداد الطبيعي للإسلام .. وهو ما جعل الرسول يقر في الحديث الشريف في مسند الشهاب الجزء الأول ،ص(102)
82/119 – أخبرنا أبو علي الحسن بن خلف الواسطي ثنا عمر بن أحمد بن شاهين ثنا عبد الواحد بن المهتدي بالله بن الواثق بالله ثنا علي بن إبراهيم الواسطي ثنا منصور بن المهاجر عن أبي النضر الأبار عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ^ :(الجنة تحت أقدام الأمهات ).
وقال ^ في الحديث الشريف كما ورد في صحيح صحيح البخاري – الجزء (3) ، ص (382-383) :
5186 – حدثنا إسحاق بن نصرٍ حدثنا حسين الجُعفيُّ عن زائدة عن ميسرة عن أبي حازم عن أبي هريرة : عن النبي ^ قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جارَه واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن خُلِقنَ من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وأن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا )
وقال في الحديث الشريف الذي ورد في كتاب شعب الايمان للبيهقي – الجزء (7) ، ص (477) :
11053 – أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج أنا القاسم بن غانم بن حمويه الطويل ثنا أبو عبد الله البوشنجي حدثني أبو القاسم عامر بن زربي ثنا بشر بن منصور عن ثابت عن أنس قال : كنا عند رسول الله ^ حيث حضرته الوفاة قال : فقال لنا : ( اتقوا الله في الصلاة اتقوا الله في الصلاة ثلاثا اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم اتقوا الله في الضعيفين المرأة الأرملة و الصبي اليتيم اتقوا الله في الصلاة فجعل يرددها و هو يقول : الصلاة و هو يغرغر حتى فاضت نفسه ) .
لقد حبب الله الإيمان إلى قلب النبي ^ وبغض الإيمان إلى قلوب الكفار .. وحبب الله العدل إلى قلب النبي ^ وبغض العدل إلى قلوب الكفار .. وحبب الله الرحمة إلى قلب النبي ^ وبغض الرحمة إلى قلوب الكفار .. كذلك حبب الله النساء إلى قلب النبي ^ من باب إحترام المرأة و إعتبارها الوعاء الذي يخرج منه المسلمون الذين يدافعون عن دينهم .. ويجب ألا يؤخذ الكلام على النساء على النحو السيئ الشائع. ويكفي أن النبي ^ زوجه الله من السيدة عائشة – رضي الله عنها – وهي بنت تسع وليس فيها للرجال شيئ وهي طفلة وذلك بغرض أن تكون شديدة الحفظ لتعى وتتذكر عن رسول الله ^ ما يقول و ما يفعل ثم تنقله بأمانة وبراءة شديدة إلى النساء فتتعلم منه النساء كل ما يخص العلاقة مع الرجل والطهارة والمعاملة والحقوق والواجبات.. ثم قال في الحديث الشريف في
الفوائد المجموعة – الجزء الأول ، ص(399)
 139- حديث خذوا شطر دينكم عن الحميراء.
.. أي السيدة عائشة .. ونصف الدين هنا هو النصف الذي يتعلق بفقه النساء .. نصف المجتمع .. إن ذلك كان أمرا طبيعيا فالنبي ^ لم يكن لديه شيئ يخفيه .. لأن أقواله سنة .. وأفعاله سنة .. وأحواله سنة . وإقراراته سنة .. ومن ثم لا يجوز أن يؤخذ الكلام متعجلا بظواهره .. فلو قال النبي ^ : حبب الله إلى من دنياكم الرجال لفهم الكلام على أنه حبب إلينا خصال الرجال مثل الشهامة والجرأة والشجاعة .. فلماذا عندما تأتي سيرة النساء يكون التفسير والفهم الخاطئ جاهزين .. بارزين .. مسيطرين ؟ . على أن الفهم السليم أو العلم النظيف يحتاج إلى قلب سليم وعقل نظيف .. لقد كان الإمام الشافعي يحفظ بسهولة كل ما يقرأ .. لكنه ذات يوم ذهب إلى شيخه واسمه وكيع ليقول له أنه فقد بعضا من هذه الميزة .. واستعرض معه شيخه ما جرى في يومه فلم يجد شيئا غريبا غير معتاد سوى أنه وهو يشتري بلحا أخذ واحدة وأكلها ولم تدخل في الميزان ودون أن يستأذن البائع .. إن هفوة واحدة تكلف أشد الناس تقوى الكثير .. وقال الإمام الشافعي شعرا .. شكوت إلى وكيع سوء حفظي .. فأرشدني إلى ترك المعاصي .. وأخبرني بأن العلم نور .. ونور الله لا يؤتي لعاصي

ولا حول ولا قوة إلا بالله