الحلال والحرام في معمل التحاليل الشرعية

صوت الأمة العدد 134
23/6/2003

ذكر الله حلال .. ولا يهم بعد ذلك أن تذكر الله سرا أو جهراً .. قائما أو نائما نادينا كثيرا بفهم رسائل السماء .. لكن .. يبدو أن هناك من يغلق قلبه أمام هذا النداء .. كنا نرجو أن تكون الفتاوى من جنسية كبرياء .. لا من فصيلة بكاء .. فلا يقول كل من لا يعرف ما يشاء .. ولا يستوعب ما أقره الأنبياء .. ولا يفرق بين الماء والهواء .. ولا بين الصباح والمساء ولا بين القطب الشمالي وخط الاستواء .. ولا بين الصيف والشتاء .. وفي النهاية يجلب لنا وله الشقاء. لقد ساد في زماننا ما يمكن تسميته بفتاوى المقاهي .. على الرصيف نجد من يجلس وهو منتفخ الصدر .. يرد بأسرع من البرق .. يحرم الحلال .. ويحلل الحرام .. ويخلط بين ما هو حق وما هو باطل .. وغالبا ما تكون الورطة في شرعية الأشياء التي لم تكن موجودة في عصر الرسول ^.. ويفضل البعض أن يحرمها من باب الاحتياط .. أو في أضعف الأحوال يفتي بتجنبها .. والأفضل أن نتجنبه هو.
إن هناك أشياء أساسية تحل لنا أية مشكلة في أي موضوع مهما كان .. لا داعي أن نتورط في التفاصيل .. يكفي أن نطمئن إلى الأساس .. هل هو صحيح أم لا ؟ .. لو كان الأساس صحيحاً فالتفاصيل صحيحة .. لو كان الجوهر حلالا فإن المظهر يكون كذلك .. مثلا .. هناك من يتساءل: هل اللحم المفروم حلال أم حرام ؟ .. يهمنا هنا أن نعرف نوع اللحم .. ولا يهمنا أن نعرف طريقة طهوه .. ولا سعره .. ولا كيفية تربيته .. ولا جنسية الرجل الذي باعه ؟ .. الأساس هنا : كيف ذبح ؟ .. هل ذبح شرعاً ؟ . لو كان قد ذبح شرعا فلا سؤال بعد ذلك يحتاج إلى فتوى .. لا سؤال عن طريقة طبخه .. أطبخه .. أطبخه كما تشاء .. ولا سؤال عن إناء طهوه .. ليكن من الفخار أو من النحاس أو من الألومونيوم .. لا يهم .. فكل ذلك لا يؤثر على تحريمه .. كل ذلك تفاصيل تؤدي بنا إلى متاهات وافتراءات .. فلو كان الذبح غير شرعى فاللحم حرام حتى لو سلقته في ماء من زمزم .. حتى لو أكلته في الكعبة .. حتى ولو قرأت عليه قرآنا .. ما أساسه حرام لا يحل .. ما أساسه حرام فهو حرام . ومثال آخر : إنك لو توضأت ونويت الصلاة واتجهت إلى القبلة فالصلاة صحيحة .. لا يفسدها أن تكون اليد مرسلة إلى أسفل أو مقبوضة على الصدر .. لا يفسدها أن تكون العمامة مقلوبة أو معدولة .. لا يفسدها أن يكون ثوبك جلبابا أو بذلة إفرنجية .. المهم طهارة الثوب .. وطهارة مكان الوضوء والصلاة .. لا شئ آخر يهم .. فالتشعب في التفاصيل يفسد الفتوى .. الفتوى فقط في الأساسيات الشرعية .. ومثال ثالث : ذكر الله .. ذكر الله حلال .. ولا يهم بعد ذلك أن تذكر الله سراً أو جهرا .. قائما أو نائما .. مسافرا أو مقيما .. ليلا أو نهاراً .. ما جوهره حلال لا يفسده شئ آخر .. التفاصيل ممارسات شأنها شأن أي شئ آخر.. مثال رابع : اللبس .. اللبس حلال طالما يستر العورة .. لا يهم نوع القماش .. أو لونه . . لا يهم تفصيل الثوب .. أو مكان صناعته .. الشرع أن يستر الثوب العورة .. وما عدا ذلك نوع من ضياع الوقت وإهداره .. مثال خامس : شرب الماء .. شرب الماء حلال .. لا يهم أن أشرب بيدى أو من زجاجة .. لا يهم أن أشرب من الحنفية أو من النيل مباشرة .. ولو كان الماء خمرا .. فهو حرام .. ولا يحله أي شئ مهما كان .. لكن هذه الأشياء البسيطة ربما كانت لا تحتاج إلى من يعقدها .. أما العقدة فهي في الأشياء التي لم تكن شائعة في عصور الإسلام الأولى .. مثل حلاوة المولد .. إن هناك مع الأسف من يحرمها .. ومثل التورتة .. والبيتزا .. وما في حكمها .. في هذه الحالة علينا أن ندخل مثل هذه الأشياء معمل التحاليل الشرعية .. إنه معمل مثل معامل تحليل الدم .. نأخذ حلاوة المولد ونحلل مكوناتها الأساسية.. سنجدها تتكون من سكر ودقيق وحمص وفول سوداني .. مثلا .. نأخذ كل مكون على حدة ونحدد شرعيته .. السكر حلال .. الدقيق حلال .. الحمص حلال .. إذن حلاوة المولد حلال .. لو كان هناك مكون واحد حراما فهي حرام .. هذه هي القاعدة الشرعية .. وكل ما عداها هو نوع من فتاوي المقاهي لا يعتد بها

ولا حول ولا قوة إلا بالله