حقوق الإنسان تبدأ قبل إنجابه

صوت الأمة العدد 127
5/5/2003

الحرية هى سفر خارج التاريخ .. خارج حدود الأشياء .. خارج أنفسنا . الحرية هى دخولنا منطقة إنعدام الوزن التى تخلصنا من جاذبية الأرض. ومن ضغط الأشياء علينا .. بالحرية وحدها نفتح ثقبا فى جدار العزلة .. ونكسر باب المعتقل الذى لا يسمح لنا أن نفكر أو نحزن أو نصرخ أو نكتب مشاعرنا على ورقة صغيرة ناعمة.
بالحرية وحدها نقول ما نريد .. لمن نريد .. بالحرية وحدها نصير أكثر إقترابا من الله .. وتصبح السماء أكثر زرقة .. والأرض أكثر خصوبة .. والبشر أكثر إنسانية .. وقد أفزعنى ما سمعت وما رأيت على شاشة التليفزيون من قهر تعرض له الناس فى العراق على يد زبانية النظام السابق للرئيس الضائع صدام حسين .. سمعت ورأيت وتألمت وغضبت ثم تساءلت: هل يرضى الله عن ذلك؟
لقد تحدث الاسلام عن تكريم الإنسان.. لم يقل تكريم المسلم .. يقول سبحانه وتعالى: [ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍِ مِّـمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ] (70 الإسراء) ..
 إنه تكريم للإنسان مهما كان لونه وجنسه وعلمه وعقيدته .. الانسان الذى إختار منه الله رسله وأنبياءه وأولياءه .. ميزه بالعقل والحواس وتنفيذ رسالته على الأرض .. كل من يؤمن بالله سبحانه وتعالى على إختلاف درجات الايمان ومهما كانت العقيدة عليه أن يحترم إرادة الله .. ويطيعه فى ذلك .. ومن ثم فان الاعتداء على حق من حقوق الانسان مهما صغـرت هو تجـاوز لشرع الله وإرادتـه .. وبما أن الله كرم الانسان وفضله على كثير من خلقه بما فيهم الملائكة فلابد أن يكون المؤمن مطيعا لأوامر الله .. مكرما لما كرم .. مفضلا لما فضل .. ولو لم يكن من باب الايمان فمن باب الانحياز إلى الجنس والنوع الذى ينتمى إليه.
وقد إهتم الاسلام بالإنسان قبل ولادته .. فمن حق الطفل قبل ان يولد على أبيه توفير مكان للنوم وطعام لسد الجوع وفرصة للحياة .. بل من حقوق الطفل على ابيه أن يختار الأم المناسبة له .. أن يحسن إختيار أمه .. وأن يكون هذا الطفل من نكاح لا من سفاح حتى يمكن تمييز الأنساب ومعرفة الفروع المنتمية إلى الأصول.
وبعد أن يولد الطفل يكون من حقه على أبيه إختيار إسم مناسب له .. إنها جريمة فى حق الطفل أن تسميه إسما يثير سخرية أقرانه ويفقده اندماجه مع من حوله .. وجريمة أكبر أن نأتى بطفل آخر قبل ان نضمن للطفل الأول كل فرص الرعاية والحياة الكريمة .. إن تنظيم الأسرة من حقوق الإنسان .. فالحياة المؤكدة التى يمثلها الطفل القادم الذى يكون فى عالم الغيب . من حق الطفل أن يتربى جيدا .. من حقه أن ترضعه امه .. فإن تخلت عن هذا الواجب قامت به غيرها . وبعد أن يكبر الطفل .على ابيه أن يعلمه طاعة الله سبحانه وتعالى .. فإن لم يستطيع بذاته فليعهد به إلى من يستطيع .. وورد فى الأثر فى تربية الأبناء لاعبه سبعا وأدبه سبعة وصاحبه سبعا ثم اترك حبله على غاربه. ولو تعلم الطفل شرع الله فإنه سيحترم كل من حوله .. سيبدأ باحترام جيرانه.. لا فرق هنا بين جار مسلم وجار غير مسلم .. يقول ^ في الحديث الشريف كما ورد في صحيح البخاري – الجزء (4)،ص (94):
6014 – حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني أبو بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها:  عن النبي ^ قال :( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُورّثَه) .. إن الجار غير المسلم له حق الانسانية.. والجار المسلم له حق الانسانية والاسلام .. .. والجار المسلم ومن الاقارب له حق الانسانية والاسلام والقرابة .. على أن الاسلام بصورة واضحة وحاسمة ودقيقة حرم علينا كل ما لدى غير المسلمين .. فلم يبح سرقة أموالهم ولا الكذب عليهم ولا سرقتهم ولا هتك أعراضهم.. فمثل هذه الكبائر هى حرام إرتكابها دون تفرقة.
وورد فى صحيح البخارى الجزء(2) ،ص(409):
3166-حدثنا قيس بن حفص حدثنا عبد الواحد حدثنا الحسن بن عمرو حدثنا مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ^ قال :
 ( من قتل معاهدا لم يرِحْ رائحة الجنة وإن رِيحَها تُوجَدُ من مسيرة أربعين عاما )
وورد فى المعجم الكبير للطبرانى الجزء(22) ص(57) :
135-حدثنا أحمد بن النضر العسكري ثنا مصعب بن سعد ثنا محمد بن محصن عن الأوزاعي عن مكحول عن واثلة قال : قال رسول الله ^ : ( من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار فقلت لمكحول ما أشد ما يقال ؟ قال : يقال له يا ابن الكافر) .
يقول سبحانه وتعالى: [ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ] (11 الحجرات) .. وقوم يعنى أى جماعة من الناس .. ونساء أى نساء .. ولو لم ينفذ المسلم ذلك الأمر السماوى فإنه يخرج من دائرة الإيمان إلى دائرة الفسق .. وربما ما هو أكبر وأصعب وأشد. وحرصا على حقوق الآخرين فإن الاسلام شدد فى العقوبة فى كثير من الأحيان أكثر مما شددت القوانين الوضعية .. فالسارق تقطع يده ولا يسجن .. وهو إحترام لحقوق المجنى عليه .. فصيانة حقوق الانسان النظيف الملتزم أولى من صيانة حقوق المعتدى .. وربما نفهم هنا قول رسول الله ^ في الحديث الشريف
الذي ورد في سنن الترمذي – الجزء(4)،ص (453) :
 2255- حدثنا محمد بن حاتم المُكَتِّبُ حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حُميْدُ الطَويلُ عن أنس عن النبي ^ قال :( أنصر أخاك ظالما أو مظلوما قلنا: يا رسول الله نَصَرْتُهُ مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال: تكفه عن الظلم فذاك نَصْرُكَ إيْاهُ ) .
 .. أى نصرته على نفسه. ومن حقوق الانسان فى الاسلام أن يعيش حياته وله علاقة منفردة بربه .. أى بينه وبين الله .. أسرار هذه العلاقة لا يطلع عليها أحد غير الله .. ومن حقه أن يطمع فى عفو الله .. من حقه أن تكون له أسراره الايمانية و أن تكون هذه الأسرار مصانة عن البشر .. تماما كما هو من حقه أن تكون عوراته مستورة عن البشر وزلاته بينه وبين ربه .. ولايجب أن يتتبع أحد عورة أحد ..
وكما ورد في سنن الترمذي – الجزء (4)،ص (331-332) :
2032 – حدثنا يحيى بن أكْثَمَ و الجارُودُ بن معاذ قالا حدثنا الفضل بن موسى حدثنا الحسين بن وَاقدٍ عن أَوْفَى بن دَلْهَمٍ عن نافع عن ابن عمر قال : صعد رسول الله ^ المنبر فنادى بِصَوتٍ رَفيعٍ فقال: يا مَعْشَرَ من قَدْ أَسْلَمَ بلِسانِهِ ولم يُفْضِ الإيمانُ إلى قلبه، لا تُؤذُوا المسلمين ولا تُعَيِّرُوهُمْ ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ ولو في جوف رَحْلِهِ قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حُرْمَتَكِ والمؤمنُ أعظم حرمة عند الله منك .
ولعل ما قلناه عن حقوق الإنسان فى الاسلام هى قطرة من فيض فى بحر لا حدود له ولا سواحل تحده

ولا حول ولا قوة إلا بالله