النخلة العذراء
مجلة التصوف الإسلامى
أكتوبر2007
[ وَهُزِّىٓ إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِـيّاً ]
(25 مريم)
بفرحة العذراء بالفصيح المسمى بالسيد المسيح والبشارات التي توالت مبتدأها القول ألا تحزني أو تقولي بعدها ياليتنى .
التقيت بسماحة الإمام وكان سعيداً بالصيام عائداً لتوه من صلاة العشاء والقيام والأحباب يومئذ كثيرون يسألون سماحته ويتساءلون ويستمعون ويعجبون نعم أقول يعجبون حيث لم يكن مستطاعاً أن أوجه إلى سماحة السيد أي سؤال خاص بالحوار أو المقال فاكتفيت بالتقاط العجائب من كلامه واقتناص الغرائب في مقامه ومن أعجب وأغرب ما سمعته في تلك الجلسة الممدودة كالعادات المعهودة أن رجلاً من الحاضرين ألقى على مسامع مولانا سؤالاً عجباً حيث قال الرجل : يا مولانا أفسح صدرك لي فإن عندي سؤالاً أراه غريباً قال الشيخ : هات .
قال : ما هي العلاقة بين مريم عليها السلام وجذع النخلة ؟
ولماذا النخلة المعرفة بالألف واللام مرتان وما وجه التشابه بينهما ؟
فقال الحاضرون: إنا نرى هذا السؤال غريباً.
قال السيد : إنكم ترونه غريباً وأراه مصيباً فاستمعوا بقلوبكم وأنصتوا بآذانكم لعلكم ترحمون ثم قال الشيخ : أولاً أنظر إلى سرعة تسلسل الأحداث في هذه الواقعة ولا أقول القصة لأن القصة تقبل الإضافة والحذف إلا أحسن القصص أما هذه فواقعه والواقعة حقيقية إذا وقعت فليس لوقعتها كاذبة خافضه لمن كذبها رافعه للمصدقين بها . . انتبهوا . . اسمعوا . . يقول الله تعالى:[ فَحَمَلَتْهُ ]. . [فَانتَبَذَتْ ] (22 مريم) . . [فَأَجَآءَهَا ] (23 مريم) . . [قَالَتْ]. . [فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ ] (24 مريم) أي المولود فالفاء تفيد السرعة والتعاقب مما يقلل من الفواصل المكانية والزمانيه .
أما عندما قالت العذراء : [يَا لَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً] (23 مريم) بعدها مباشرة استخدمت الفاء دلاله على السرعة الزمانيه [فَنَادَاهَا] الفصيح المسيح من تحتها يأمرها وينصحها قال : لا تحزني فإني مصدر تأييد وتزكيه لك ولست مصدر إيلام واتهام [قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً] (24 مريم) يسرى عنك أي جاءك بالمسرة وليس بالمضرة ثم قال لها : أنظري إلى النخلة التي تعرفينها وليست عليك بغريبة هذه النخلة أنت تعرفينها جيداً وهذا واضح في قوله تعالى : [بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ] ولم يقل جذع نخله مما يدل على أنها النخلة المعروفة لدى مريم . . ثم ماذا قال لها أنظري . . اليها إنها جذع أي فارغة من البلح ناهيك عن الرطب فلم يقربها أحد. . ولم يمسسها بشر بالتلقيح أي أنها عذراء لم تمس مساس الإخصاب هذا أولاً ، أما ثانياً : ليس هذا الوقت وقت طرح النخيل لذلك لا يوجد في الجو آثار من طلع الذكورة وأنت يا مريم من عبيد الله فإذا أردت من النخلة المعروفه لديك وهى فارغة الان إذا أردت منها رطباً جنياً بدون تذكير أو تلقيح لأنوثتها كما هو معتاد فإنها تساقط عليك رطباً جنياً وقوله تساقط خلاف تُسقطِ لأن معناها إنك تبسطين يدك فتساقط النخلة رطبه واحده تأكلينها ثم تبسطين يدك مره أخرى فتسقط الرطبة الثانية في يدك وليس على الأرض وكأنها تعطيك في يدك ما تريدين عندما تريدين بالقدر الذي تريدين وأنت يا مريم مثل هذه النخلة التي أعطت رطباً جنياً في غير أوانه وبغير منطقياته فما رأيك يا مريم إذا أراد الله لك أن يكون لك ولد بغير تلقيح أو مساس ذكوري فأنا ولدك كما أن الرطب ولد النخلة ثم إن العلاقة بين مريم والنخلة هي مقام العمة لمريم فالعمة أخت الأب والنخلة بقية طينة آدم أبى البشر بما فيهم مريم(1) لذلك فهي نبت خُلق من طين ومريم نبت خُلق من طين [وَاللهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيـُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً] (17،18 نوح) ولذلك فلا تستغربي يا مريم شيئاً أجراه الله على يدك وقد قمت بفعل شيء مثله بيدك [ وَهُزِّىٓ إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِـيّاً ](25 مريم) أي كامل الأطوار غير ناقص في خلق ولا في خُلق ويتكلم
وينهى ويطمئن ولذلك فقد ولد سيدنا عيسى عليه السلام رسولاً نبياً دون انتظار للسن التي يكون فيها النبوة غالباً وهى سن الأربعين ففي لحظة ولادته قال : [ إِنِّى عَبْدُ اللهِ ءَاتَانِىَ الْكِتَابَ ( أي رسول ) وَجَعَلَنِى نَبِيّاً] (30 مريم). وذلك بعد أن عملت أمه بنصيحته ولم تكلم إنسياً وأما الحكمة في قوله تعالى : [فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ] (29 مريم) فهي أن السيدة مريم عليها السلام نذرت ألا تكلم إنسياً فى يومها ولو أنها عندما لامها قومها نطقت بكلمه واحده موجهه كلامها إلى سيدنا عيسى كأن تقول له أخبرهم يا ولدى مثلاً كان معنى ذلك أن هذا الذي تحمله ليس إنسياً ولكنها أرادت أن تؤكد لهم إنسيته الخالصة وبشريته الكاملة فأشارت اليه كما تشير إلى أي إنسي .
ثم أنتبه الشيخ وقال بروحه السمحة المعروفة: هل فهم أحد شيئاً ؟ فقال الحاضرون جميعاً: نعم فنظر سماحته إلى وقال: حتى أنت فهمت ؟ قلت : الله أعلم .
فقال السيد : إذا قرأت الموضوع أكثر من مره فلعلك تفهم .
قلت: يا مولانا أنا في متعة الشارب المتذوق الذي لا يستطيع التعبير ولا حرمنا الله منكم .
والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من حديث حلية الأولياءجزء(6)-ص(123)عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران فأطعموا نساءكم الولَّد الرطب فان لم يكن رطبا فتمر
(1) من حديث مسند أبى يعلى الجزء (1)-(353)رقم الحديث-455 – عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم وليس من الشجر يلقح غيرها
وقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : أطعموا نساءكم الولَّد الرطب فإن لم يكن رطب فالتمر وليس من الشجر أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران
في تصنيف : حوار مع صاحب السماحة في أكتوبر 1st, 2007