لو فوجئت بشارون فى الجنة؟

صوت الأمة العدد 112
20/1/2003

يبدو ان كرم الله وحلمه أغرى بعض العلماء الأفاضل بالإعتراض على الشفاعة .. وهذا أمر مثير للدهشة كأنهم يعلمون الله أصول الدين.
علامة المؤمن العارف العابد الزاهد الواصل السابح فى ملكوت الله ان يكون فارغا من الدنيا والأخرة عليه أن يضرب الدنيا فى وجه عشاقها. ويسلم الآخرة إلى أربابها .. عليه ألا ينتظر على ما يفعل دخول الجنة أو الفرار من النار .. عليه أن يحرم قلبه من كل حب إلا حب مولاه .. ولو نظر إلى نفسه لشعر بالافتقار. ولو نظر إلى ربه لشعر بالافتخار لا اعتراض على مشيئة الله مهما بدت مؤلمة ومباغتة وغير متوقعه حتى لو دخل أشد الناس كفرا ومعصية الجنة بشفاعة او غير شفاعة .. ابو لهب .. مثلا ..لا مجال لكلمة ظلم مع الله .. فكلمة ظلم لا يستعملها إلا من له حق .. فإذا انتفى الحق إنتفى الظلم .. ولأن لا حقوق لنا على الله .. ولا يظلم ربك أحدا فأساسا ليس هناك مجال لحق حتى يترتب عليه ظلم .. وعلى ذلك لو دخل العصاة الجنة فإن المطيعين لا يظلمون.
[ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ] (35 النور) ويقول سبحانه وتعالى أيضا: [ إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْىِ أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِى بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ] (26 البقرة) .. والأمثال وجدت لتقريب المعانى .. فلو أن ثلاثة جاءوا إلى رجل غنى يسألونه صدقة فأعطى الأول مبلغا كبيرا وأعطى الثانى مبلغا أقل ورفض إعطاء الثالث شيئا .. هل ظلم الثانى بالقلة وظلم الثالث بالحرمان؟ .. لم يظلم الثانى ولا الثالث لأنهما ليس لهما حق أصلا .. وقد يكون الأول الذى أخذ الكثير أكثر تطاولا على الرجل الغنى وأقل الثلاثة تقوى والرجل الغنى يعرف ذلك كله ورغم ذلك ليس لنا ان نحاسبه على ما منح.
يقول الله لعباده: [ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ] (40 الشورى).. ومن عفا. هو من تخلق بأخلاق الله .. العفو .. الصفح .. المغفرة .. والرحمة .
فهل من المعقول أن يأمر الله عباده بخُلُق ليس فيه .. ولا يرضاه؟ .. هل معقول أن يأمرنا بالعفو والصلح ولا يكون ذلك من خصاله؟ .. إن التجاوز عن أخطاء البشر شأن إلهى .. والله سبحانه وتعالى هو الصبور .. أى الذى لا يستفزه عصيان خلقه فيمنع عنهم عطاءه .. فكم من أمة كفرت بالله وأنعم عليهم .. وكم من قوم جعلوا مع الله أندادا وأمهلهم بحلمه وعلمه وقدرته المطلقة فرصا أخرى .. وكم جماعة تطاولوا على عزته وجلاله ولكنه سبحانه وتعالى لم يخسف بهم الأرض .. على أن هناك أمماً وجماعات أخرى خسف بها الأرض .. هذا شأنه .. لكنه .. على المؤمن أن يتخلق بأخلاق الله .. ولا يلتفت إلى القيل والقال .. ويفتح قلبه للتسامح والرحمة وينقى ضميره من الغل والانتقام .. وإن القسوة التى يحملها الإنسان فى داخله فهى أشواك تُدميه قبل أن تُدمى من سيلقى بها عليه .. لكن أغلب الناس لا يعلمون .. أغلب الناس يركبون عنادهم وجهلهم ولا يفيقون إلا بعد أن يسقطوا على الأرض وتنكسر رقابهم.
والقيل والقال نوع من الأسلحة الفاسدة التى تنفجر فى وجه من يطلقها .. فالكلمة السيئة تعود إليه بكتيبة من كلمات السوء .. لكنها طبيعة البشر .. فلو صاحب إنسان جبريل ما سلم من القال والقيل .. بل إن الله سبحانه وتعالى لم يَسلم من تلك الخصلة البشرية .. قيل إن له إبنا وصاحبه .. زورا عليه وبهتانا وتضليل .. فإذا كان هذا قولهم فى الله .. خالقهم .. فماذا لو قيل عنا بعض ما قيل فيه سبحانه وتعالى؟
إن الواجب أن يتأدب المؤمن مع الله ولا يتدخل فى الشئون الإلهية وان يخلى بين الله وعباده.. فيرفع الله من يشاء ويخفض من يشاء .. ويعز من يشاء ويذل من يشاء .. ويرحم من يشاء ويجعل من يشاء يشفع لمن يشاء .. ويقبل شفاعة من يشاء.. ويرفض شفاعة من يشاء .. في من يشاء .. إنه على كل شئ قدير.
إن الانسان وهو مخلوق ضعيف وهش ومحدود القدرة والطاقة والإرادة لا يقبل أن يتدخل أحد فى شئونه الخاصة ولو كانت بينه وبين خادمه او بينه وبين ابنه فكيف يتجرأ أن يتدخل بين الله وعباده ويعترض مستغلا أن الله حليم .. والحلم يغرى الجاهلين .. او مستغلا أن الله كريم .. والكرم يغرى بالتجاوز.
ويبدو أن كرم الله وحلمه أغرى بعض العلماء الأفاضل بالاعتراض على الشفاعة وهو أمر مثير للدهشة بدوا فيه وكأنهم يعلمون الله أصول الدين.. إن الله لم يتخرج فى كلية أصول الدين..لكنه سبحانه وتعالى يقول: [ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ ] (16 الحجرات). بل إن الشفاعة لا تنفع فى الآخرة فقط وإنما فى الدنيا أيضا .. فصلة الرحم تشفع فى إطالة العمر .. والصدقة تشفع فى تداوى المريض والزكاة تشفع فى تحصين المال والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه .. هذه كذلك شفاعة . وفي الحديث الشريف
كما ورد في صحيح مسلم – الجزء (4) ، ص (2074):
 38 – 2699 : حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء الهمداني – واللفظ ليحيى – ( قال يحيى أخبرنا وقال الآخران حدثنا ) أبو معاوية)عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ^ : (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)…
. وربما تشفَّع لنا من سبق وتشفَّعنا له .. فقد تشفَّع سيدنا موسى لسيدنا هارون ليكون رسولا ثم إستشفع به فى قوله تعالى: [ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِى * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِى * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِّسَانِى * يَفْقَهُواْ قَوْلِى * وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِى * هَارُونَ أَخِى * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِى ] (25-32 طه).. واستجاب الله لسيدنا موسى فى قوله تعالى [ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَـا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ] (35 القصص).
وقدره الله على العفو كقدرته على العقاب .. بل قدرة الله على العفو دليل قدرة أشد .. فالعفو عند المقدرة النسبية البشرية فضيلة فما بالنا بالعفو عند المقدرة الإلهية .. المقدرة النسبية فرق بين قوتين .. والمقدر المطلقة فرق بين منتهى القوة واللاقوة .. فرق بين اللانهاية والصفر.
ولنا أن نتساءل: هل هناك إلزام على الله بالاستجابة للشافعين؟ .. هل نتكل على ان الأنبياء والأولياء والصالحين والأطفال الذين ماتوا قبل البلوغ سيشفعون لنا؟ .. ما حدود ذلك؟ .. بدون إطالة: حدود ذلك وغير ذلك إذن الله .. وإذنه سبحانه وتعالى شأن من شئونه الخاصة .. تحكمه فيه مطلق وغيب .. لذلك فإن الجانب الاكثر أمنا للمؤمن فى قوله تعالى: [ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ] (36 الأحزاب) ..وأمر الشفاعة مما يقضيه الله بإرادته.
ولنا أن نتساءل أيضا: هل الأمل فى الشفاعة يعيب المؤمن؟.. هل هو نقص فى الإيمان؟..
والإجابة إنه من تمام الايمان .. الإيمان أن يكون أمل المؤمن فى رحمة الله وليس فى عمله .. يقول سبحانه وتعالى: [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ] (60غافر) .. والاستجابة هنا مطلقة .. لكن .. لا يجب أن يتوقف عمل المؤمن عند حدود وفى الوقت نفسه لا يستكثر على الله شئ .. فإن دعوناه فكما أمر وأن استجاب فكما وعد غير ملزم بذلك .. فقد جاز فى حقه سبحانه وتعالى أن يعذب من أطاعه وأن يثيب من عصاه ذلك لأنه لا يسأل عما يفعل ونحن نسأل فالمؤمنون المتوكلون هم الذين يتخذون الأسباب ويطلبون الشفاعة ثم يتقبلون النتائج مهما كانت .. يقول سبحانه وتعالى: [ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ] (17النساء).فعلى من تطاول وتعدى حدوده وأنكر نعمة أنعم الله عليه بها عليه أن يتوب وألا يكون من الذين يصرون على الاثم وهم يعلمون

ولا حول ولا قوة إلا بالله