نظرة يا أم هاشم..مدد يا سيدنا الحسين

صوت الأمة العدد 106
9/12/2002

حياتنا مهما شاخت وعمرت ليست أطول من فيلم سينمائي مثير ما أن ترى اللقطة الأولى حتى تجد نفسك بالقرب من اللقطة الأخيرة فلا تهمل لياقتك الروحية قبل أن تفاجئك كلمة (النهاية) قبل أن تجد نفسك مسافرا مترهلا ثـقيلا بلا ثواب إلى خيمة الحساب ..لا تفكر في الخلود على طريقة متاحف الشمع فلا خالد إلا الله .. وكل الملوك والنجوم الأباطرة والحكام صاروا غبارا .. وبقي أولياء الله .. وأصفياء الله .. وأهل الله .. بقي الذين مشوا في طريق الله. والطريق كلمة مشتقة من فعل “طرق” .. طرق.. يطرق فهو طارق يطرق الباب معناه أن يصر ويلح أما الطريقة فهي الدعوة إلى الله لإحياء السنة ونبذ البدعة بالحكمة والموعظة الحسنة .
وكل طريقة لها شيخ ومريد وأوراد هذه هي مكوناتها والشيخ عالما بكتاب الله وسنة رسوله والمريد لابد أن يكون راغبا في إتباع الشيخ ثم يعرض عليه الصحبة على أن يبصره الشيخ بعواقب الأمر تاركا له حرية القبول أو الرفض ولو أصر المريد على الصحبة وقبله الشيخ وجبت على المريد طاعة الشيخ.. فطاعة المصلي للإمام طاعة مطلقة فهي طاعة من لا يعلم لمن يعلم وهي في حقيقتها طاعة لله تُحسِّن العبادات وتزينها وتضاعف أجرها وتزيد من فرص قبولها عند الله.
وورد فى سنن أبى داود الجزء (1) ص(198) :
517 – حدثنا أحمد بن حنبل ثنا محمد بن فضيل ثنا الأعمش عن رجل عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ^ : ( الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين ).
أما الأوراد ومفردها ورد فهي كل قول أو فعل (من عادة أو عبادة) يتكرر بانتظام فلو شربت كل صباح فنجان قهوة فهذا ورد ولو غسلت أسنانك قبل النوم كل ليلة فهذا ورد ولو قرأت الفاتحة بمجرد أن تفتح عينيك فهذا ورد وعلى ذلك فصلاة الصبح ورد والظهر والعصر والمغرب والعشاء أيضا وصوم رمضان كل عام ورد ولو قمت بدعاء معين عقب ختم المصحف فهو ورد.. كل قول أو فعل منتظم متكرر في موعد ثابت فهو ورد فلماذا لا يستسيغ الناس الكلمة وهم يؤدونها؟.. لماذا لا يستسيغون الاسم مع أنهم يقومون بالفعل؟.. والورد بالنسبة للطريقة هو أدعية يرى الشيخ أنها لازمة للمريد يفوز بفوائدها لو كررها بانتظام مع مراعاة صحة ألفاظها وترتيبها ومواقيتها وأعدادها وهي في هذه الحالة تشبه الدواء الذي يعالج به الطبيب قرص واحد بعد العشاء مثلا وليس من حق المريض الاعتراض على الدواء أو الجرعة أو التوقيت فالطاعة هنا لصالحه وطاعة المريض لشيخه هي أيضا لصالح المريد وليست لصالح الشيخ طاعة المريد تحقق له الحصول على أكبر نفع فالله يكافئه على أوراده وأذكاره ويكافئ الشيخ لأنه دل المريد (وهو عبد من عباده) إلى الطريق أو الطريقة لكن لو كان كل أمر في الدين لابد أن يعود في أصله إلى رسول ^ فلماذا تتشعب الطرق وتتعدد ؟.. إن مشايخ الطرق هم أهل النظرة استمدوها من الرسول الكريم ويقول سبحانه وتعالى: [ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ] (28 الكهف) .. [لَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ].. هذه هي النظرة التي يأخذها المشايخ من النبي ليأخذها المريدون منهم وبعد النظرة يكون المدد وكل مريد ليس له شيخ ولا يتبع طريقة لا يسمى مريدا وكل الطرق مستمدة من أصل واحد هو رسول الله ^.. هو مدد الطرق كلها.. فلماذا تتشعب الطرق؟.. لو أن مجرى نهر النيل ضحل فلا يمكن أن تشق منه ترع وقنوات ورياحات ومصارف..النهر الضحل لا يقدر على تغذية ذلك كله لا يقدر على إمدادها بالمياه كلما زادت غزارة النهر تشعبت الترع وزادت القنوات وسمنت الرياحات إن كثرة الترع تدل على وفرة الأصل وكثرة الأبواب تدل على سعة المكان وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى وكذلك تشعب الطرق يدل على كثرة المدد الإلهي على المدد المحمدي الذي يكفي بإذن الله جميع الطرق ولو تشعبت إلى مئات المئات لو كان المدد كبير فلا خوف..”وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر- مباشرة – أو رشفا من الديم” فلا ينكر عاقل أن الماء في النيل نفس الماء الذي في الترعة وهو نفس الماء الذي في الحنفية والصهريج وفي الطرق المتشعبة نسمع كلمة نظرة ونسمع كلمة مدد والنظرة تسبق المدد فالنظرة تذوق.. والمدد طمع في مزيد من التذوق: “نظرة يا أم هاشم” مدد يا سيدنا الحسين” فهل يجوز للإنسان أن يطلب من إنسان ذلك حيا كان أو ميتا إن استقر في العقيدة أن الفعال هو الله فإن كل ما يجري على اللسان يحمل على المجاز العقلي الله ينظر إلى القلب قبل أن يسمع اللفظ فبأي لغة يمكن أن ندعو الله ليس شرطا أن تكون لغة عربية يمكن أن يدعوه باللاتينية أو الصينية أو الهندوسية ولا يؤاخذ الله من دعاه في خطأ في التشكيل أو الأعراب ولو أجاز الله ذلك يجوز له أن يتجاوز عن اللفظ غير المقبول وغير المنطقي كيف يدعو الأخرس ربه وهو لا ينطق صوابا ولا خطأ ؟
وورد في البخاري و في صحيح مسلم – الجزء (4) ، ص (2104-2105) :
7 – ( 2747 ) حدثنا محمد بن الصّبَّاح وزهير بن حرب قالا حدثنا عمر بن يونس حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا إسحاق بن عبد الله بن طلحة حدثنا أنس بن مالك وهو عمه قال: قال رسول الله ^ : (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) .
ذلك الرجل أذهبت الفرحة قدرته على التحكم في اللغة والمعنى أن فرحة الله بتوبة عبد من عباده تفوق فرحة الرجل الذي أخطأ في النطق فالله يحاسب على ما في القلوب. ويقول سبحانه وتعالى: [ يَوْمَ يَقُولُ الْـمُنَافِقُونَ وَالْـمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَالْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَـتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَـرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَآءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَ لَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْـمَصِيرُ ] (13-15 الحديد) يوم القيامة يقول المنافقون للذين آمنوا أنظرونا أي نظرة يقتبسون فيها من نورهم .. لكن طلب النظرة تأخر فات موعدة لم يطلبوا في الوقت المناسب (في الدنيا) عندما ركبهم الغرور وسخروا من الذين آمنوا كما في قوله سبحانه وتعالى: [ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُواْ إِنَّ هَؤُلَآءِ لَضَآلُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ] (29-36 المطففين) هذه هي النظرة سلعة عرفنا أهميتها باحتياج المنافقين إليها يوم القيامة وهو يوم جزاء بلا عمل فمن أراد شيئا ينفعه في الآخرة فليأخذه من الدنيا تماما مثل المعطف الذي نتذكره في الدفء ونحمله معنا لنواجه به البرد فماذا يحدث لو توجه كل مؤمن أو مسلم إلى الأولياء وقال لهم: [ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ] في الدنيا في الوقت المناسب قبل [ يَوْمَ يَفِرُّ الْـمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ] (34-36عبس) .. إن من طلب النظرة قد اتقى وأعد العدة لذلك اليوم العصيب من طلبها يجد أثرها نور يشعر به القلب فإذا وجد القلب للنور حلاوة من أثر النظرة فإنه يطلب المزيد يطلب نظرة بعد أخرى وهذا هو المدد فيتغير الحال من فرار المرء من أخيه وأمه وأبيه إلى قوله تعالى: [الْأَخِلَّآءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْـمُتَّقِينَ ] (67 الزخرف). لذلك يجب أن نصحح للناس الذين يقولون: مدد نقول النظرة أولا إذا وجدتم لها في القلب حلاوة وفي النفس طمأنينة وفي الغيب أملأ في رحمة الله عندئذ يحق أن نطلب المزيد والمزيد أي المدد لنكون من الذين يدعون ربهم خوفا (هذه هي النظرة) وطمعا (هذا هو المدد) ومما رزقناهم ينفقون

ولا حول ولا قوة إلا بالله