هل الصوفية فريضة أم شعوذة؟
صوت الأمة العدد 101
4/11/2002
من يحاسب الصحراء إذا توحمت على خيط رفيع من الماء؟ من يحاسب الفقراء إذا تمنوا الجلوس على عرش الحياة ولو خمس دقائق؟.. من يحاسب الأولياء والأصفياء والأتقياء إذا ما أصروا على عدم التوقف عن ذكر الله؟
وفى سنن الترمذى الجزء(5) ص(428) :
3376 – حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله ^ سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات قلت يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله ؟ قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل منه درجة .
نحن نواجه الألعاب البهلوانية والأقنعة الورقية والطبول الوثنية بذكر الله .. وإذا ما فعلنا ذلك فنحن في هذه الحالة نكون صوفيين .. نسافر في شرايين الإيمان .. ننزع عن قلوبنا الأحزان ونعطرها بنوع نادر من الزعفران. لقد اختلط الأمر علينا فتصورنا الصوفية نوع من البهدلة والتقاعد الذهني والانسحاب من الحياة تصورناها جذبا بعيدا عن الجدية وتحمل المسئولية وخصاما مع الحرية فإذا ما وجدنا مؤمنا صوفيا أنيقا نشطا يفكر ويبدع ويبتكر أنكرنا عليه صوفيته فهو خارج برواز الصورة الذهنية الشائعة إن هذه الصورة الخاطئة ترسم شخصا رث الثياب مهملا للحياة لا يستحم لا يعمل لا يستوعب ما يجري حوله إنها قد تكون حالة عقلية لا حالة صوفية . كالعادة سعيت لمعرفة ما نختلف عليه سعيت لمعرفة ما يثير جدلا بيننا “لو تعارفنا لتآلفنا ” فما هي الصوفية؟ هل هي مذهب ديني؟ هل لها أساس في العقيدة ؟ هل هي فكرة طائشة يتشبث بها البسطاء؟. هناك من يقول إن كلمة “صوفي” ترجع إلى كلمة ” صوفيا ” اليونانية وهي تعني الحكمة و اقتنع الناس بهذا التعريف لكن لماذا نلجأ إلى اليونانية ونحن أمة عربية؟ وهناك من يقول إن الصوفية من الصوف دلالة على الخشونة..لكن لو صح هذا التعريف لكانت الأغنام أكثر خلق الله تصوفا فهي لا تستورد الصوف ولا تشتريه وإنما ينبع منها هي مصدر الصوف وهناك من يقول إن الصوفية من أهل الصفة (بضم الصاد وتشديد الفاء) وكانوا حفظة القرآن ولا يعملون ويحصلون على رزقهم من الصدقات..لكننا في زمن غير زمانهم ويصعب نسب الصوفية إليهم. أظن وظني أقرب إلى المنطق أن كلمة صوفي ليست اسما وإنما فعل ماض مبني للمجهول كأن نقول: “عوفي المريض”.. “نودي الرجل” .. “ووري الميت” .. ويمكن أن نقول أيضا: صوفي الرجل .. فأصل الكلمة من الصفاء والمصافاة صفا. صاف . صوفي .. لكن كيف يصاف الإنسان؟ يقول سبحانه وتعالى: [ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَالَمِينَ ] (42 آل عمران) هذه التصفية هي أول مراحل الوصول إلى الصفاء الذي ينم عن المصافاة والمصافاة مكاشفة أخرج ما في بطنك ..كن مكشوفا.. بح بسرك لقد اصطفى الله مريم ثم طهرها ثم اصطفاها مرة أخرى أي كاشفها فالمصافاة هي المكاشفة والصوفية أيضا,,, على أن الأهم من التعريف ما وراءه الجوهر. . بماذا يسمى رجل شهد الشهادتين وأدى الصلاة ووفي الزكاة وصام رمضان وحج بيت الله الحرام؟ سمه ما شئت لكن التسمية لن تخرج عن كونه مسلما فالمفروض أن يقرأ المؤمن كتاب الله ولو مرة واحدة ثم ينفذ ما جاء فيه من تعليمات طوال حياته كل مرة يصلي فيها كأنه قرأ قول الله تعالى: [ وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ ] (43البقرة،83البقرة،110البقرة) وهذا أفضل من أن يقرأ قوله تعالى [ وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ ] ألف مرة ولا يصلي وأفضل له أن يصوم رمضان من أن يقرأ ألف مرة قوله تعالى: [ فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ] (185البقرة) ولا يصوم فالإسلام دين عمل يقول سبحانه وتعالى: [ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْـمُؤْمِنُونَ ] (105التوبة). وهذا هو إيمان العوام هو إيمان تنفيذ الأمر الإلهي دونما نظر إلى الفائدة التي تعود عليه من تنفيذها زادت أو نقصت فإذا سألت شخصا عاديا لما تصوم ؟ يقول: لأن الله كتب علينا الصيام فهو لا يعبأ بما يقوله الأطباء والفلاسفة من كون الصيام يهذب الطبع ويصلح الدورة الدموية الشخص العادي لا يلتفت إلى ذلك فهو ينفذ الأمر الإلهي دون أن يعرف ما سيجني من ورائه؟ وإذا كان المؤمنون مأمورين بتنفيذ الفروض فإن هناك عبادة فارقة بين طائفتين يختلفان عليها هي ذكر الله.. قال البعض: إن كل العبادات التي نؤديها فيها ذكر الله وقال الصوفية: إن هذا القول صحيح ولكن هناك عبادة أمرنا بها وهي منفصلة وقائمة بذاتها وهى الذكر..
وكما ورد في المستدرك على الصحيحين الجزء (1) ص(673) :
1825 – أخبرنا بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو ثنا عبد الصمد بن الفضل البلخي ثنا مكي بن إبراهيم ثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش و أبي بحرية عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال النبي ^ ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم و أرفعها في درجاتكم و خير لكم من إعطاء الذهب و الورق و أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم ؟ قالوا : و ما ذاك يا رسول الله ؟ قال : ذكر الله عز و جل ) و قال معاذ بن جبل : ( ما عمل آدمي من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز و جل ) .
المضيعون يعتقدون أن العبادات العادية تتضمن الذكر والمدققون المحققون لأنهم لا يتركون أمر لله أو لرسوله إلا ونفذوه فهم لا يعتقدون بوجود تكرار جاء دون مغزى لا يعترفون بالمترادفات. الذكر في الرأي الأول عبادة موجودة ضمنا في كل العبادات وهو قول صحيح مثل الماء الموجود في كل طعام وشراب لكن الله سبحانه وتعالى يقول: [ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ ] (24الحاقة،43المرسلات) .. فلماذا يدعونا للشرب إذا كان الماء الذي في الأطعمة يكفي لابد أن للماء وظيفة مستقلة كماء بمفرده والله سبحانه وتعالى يأمرنا بالصلاة والصوم والزكاة والحج وإفشاء السلام ورحمة اليتيم وذكر الله فلا تغنى واحدة عن الأخرى كل الأوامر الإلهية يجب أن تنفذ هذه نقطة الخلاف ذكر الله. لكن من الغريب أن المضيعين لهذا الأمر الإلهي يتهمون المصرين على تأديته بالخروج على الدين وليس العكس ليقلل من عزمه في الأداء كأنه يريد أن يقول: قصروا كما نقصر ضيعوا كما نضيع وكان المفروض أن يقول الآخر: أكملوا كما نكمل ووفوا كما نوفي على أن الصوفية درجوا على ألا يتدخلوا بين الله وعباده فإذا رأوا مقصرا نصحوه بالحكمة والموعظة الحسنة فإن استجاب فبها ونعمت وإن أبي يقولون الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من خلقه. والغريب كذلك أن الناس تعارفوا على أن الصوفي هو رجل رث الثياب كسول قليل العلم متسول يفترش الأرض ويلتحف السماء في الموالد والطرقات.
واستقر هذا المعنى عند البعض حتى أنهم إذا ما رأوا رجلا نظيف الثياب يحافظ على هندامه ونظافته ويقول إنه صوفي ينتقدون هذا أيضا ويواجهونه بالقول: ما هكذا ينبغي أن يكون الصوفي المعنى الخطأ استقر عندهم فأصبح قاعدة قعدوا عليها ويريدون أن يقعدوا الآخرين مثلهم. كان سيدنا أبو الحسن الشاذلي مشهورا بأنه يركب أعلى الجياد ويلبس أنظف الثياب وقد التقى ذات يوم برجل يلبس الخيش الخشن ..لم يكن الرجل يعرفه وقد فوجئ به فقال له: إن ما أراك عليه من نظافة الثياب وحسن المنظر لا يدل على الصوفية أي ليس فيك من الصوفية شيء واستطرد: “لو كنت صوفيا للبست مثلما ألبس ولزهدت في متع الحياة” فقال له الشاذلي: ” يا هذا إن الزهد ليس كما تعلم الزهد أن تملك فتعف.. ألا تملك ما في يدك.. يا هذا كم ملكت من جناح البعوضة (البعوضة إشارة إلى الدنيا) حتى تزهد فيه فالدنيا كلها إن ملكتها لا تساوي جناح بعوضة ولو كانت تساوي جناح بعوضة لما سقى الله الكافر منها شربة ماء.. يا هذا إن منظر العبد يدل على غنى سيده. وهيئتي هذه تدل على أن ربى غنى كثير الفضل …”والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده” أما ثوبك هذا فإنه يتهم الله سيدك بالفقر وكأن من خلقك لا يستطيع كسوتك يا هذا عرفت معنى الزهد فيما لم تملك. ما هو أهم من المظهر أن الصوفية قائمة على ذكر الله تعالى والصلاة على رسول الله ^ .
وفى كتاب شعب الإيمان الجزء (2) ، ص(212) :
1563 – أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الشافعي ثنا محمد بن مسلمة الواسطي ثنا يعقوب بن محمد ثنا أبو القاسم بن أبي الزناد عن موسى بن يعقوب عن عبد الله بن كيسان عن سعيد بن أبي سعيد عن عتبة عن ابن مسعود قال :
قال رسول الله ^ : ( إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة )
وحب آل البيت رضوان الله عليهم الذي هو من أشد (شدة على الدال) الفروض كقول الإمام الشافعي رضي الله عنه:” يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله” وفي بيت أخر يضيف: ” يكفيكم من عظيم الفخر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له” هذه صوفية الشافعي الذي يرد على من يتهمون الصوفية بالبدعة في بيت ثالث: ” لو كان حبي آل أحمد بدعة.. فإني بتلك البدعة العمر مكتف “. وقد كرر شيخ الرفاعية سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه ما قاله الشافعي عندما اتهم بأنه من الفرق الضالة أو فرق الرافضة قال الرفاعي: “إذا كان رافضا حب آل محمد فليعلم الثقلان أنى رافضا “.
وكما ورد فى سنن ابن ماجه فى الجزء (1) ص(50) :
140 – حدثنا محمد بن طريف . ثنا محمد بن فضيل . ثنا الأعمش عن أبي سَبْرَةَ النَّخَعِيِّ عن محمد بن كعب القُرظي عن العباس بن عبد المطلب قال : ( كنا نلقى النفر من قريش وهم يتحدثون . فيقطعون حديثهم . فذكرنا ذلك لرسول الله ^ فقال : ( ما بال أقوام يتحدثون . فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم . والله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم لله ولقرابتهم منى ) .
. إن حب آل بيت رسول الله يربط المؤمنين بقواعد الدين ولا يخرجهم فأمة لا يربط بينها الحب لا شك أن ما سيربط بينها هو الكره أو البغض وستظل متنافرة متناثرة متناحرة متباعدة. إذن الصوفية تقوم على ذكر الله والصلاة على رسوله وحب آل البيت وكل منها فريضة وكلها فروض مكلف بها أي مؤمن حتى وإن لم يسم نفسه صوفيا الصوفية محبة والمحبة إتباع والمحب لمن يحب مطيع.. والإتباع ليس عبادة والمحبة ليست عبادة لكنها الأساس الذي يبني عليه الإيمان لقوله تعالى: [مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ] (54المائدة). ولا جدال أن الجهل أو الخطأ في الفهم والتعريف هما سر الصراع والخلاف بين الصوفيين وغيرهم ممن يرفضونهم ويرمون ما يفعلون بالبدعة .. أما تعدد الطرق الصوفية فهو تعدد في وجهات النظر.. تعدد في وسائل التعبير وهو أمر لصالح الصوفية وليس عليها. وبسبب الصورة الشائعة الخاطئة عن الصوفيين والتي نراها في الموالد والمساجد فإن الناس تفاجأ عندما تعرف أن عالما مبتكرا أو سياسيا بارعا أو طبيبا رحيما أو فنانا مبدعا يمكن أن يكون صوفيا إن النسبة الغالبة للصوفيين في مصر من حملة الشهادات العليا أصحاب التميز في مجالاتهم لكن لا أحد ينكر أن هناك مشعوذين ودجالين ومتسولين ينسبون أنفسهم أو ننسبهم إلى الصوفية لكن السؤال: هل هذه هي الصوفية؟. إن وجود صفة ليست حميدة في مسلم ليس أنها صفة في الإسلام فاللصوص والمرتشون والمختلسون قد يكونون مسلمين لكن هل هذا هو الإسلام؟ إن النبي ^ لم ينكر أن في الأمة من يغش..فقد تجول في السوق ووضع يده في طعام معروض للبيع فأصابت يده الشريفة بللا .
وكما ورد في الحديث الشريف في صحيح مسلم – الجزء الأول ، ص (99)
164- (101):حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب ( وهو ابن الرحمن القاري ) ح وحدثنا أبو الأحوص محمد بن حيان حدثنا ابن أبي حازم كلاهما عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة : أن رسول الله ^ قال(من حمل علينا السلاح فليس منا و من غشنا فليس منا).
ففينا الغشاش ولكنه ساعة أن يغشنا لا يكون منا إن وجود من يفعل الخطأ في طائفة لا يسمح لنا أن نصفها بجريرة واحد منها. إن الصوفية كتاب ضخم.. لم نقرأ منه سوى السطر الأول..ولم نمش إليه إلا الخطوة الأولى..ولم نستنشق منه إلا قطرات الندى في فجر الحب والإيمان والبقية تأتى بأذن الله وبمدد منه
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في يوليو 14th, 2010