هل هؤلاء هم الذين يقول الله سبحانه وتعالي عنهم في كتابه الكريم: ((إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون))؟
يستر الله علي عباده الذين يرتكبون الكبائر والفواحش.. لكنهم من باب التفاخر يفضحون أنفسهم بأنفسهم.
لا.. الذين يحبون الفاحشة هم الذين يفترون علي المشاهير ورجال الله والسادة المحترمين وينسبون إليهم ما ليس فيهم وبلا ضمير من تدمير سمعتهم نجد أن الناس تقلدهم.. فهم قدوة في الخير والشر لو أشعت أن رجلاً صالحاً تزوج سراً فإنك دون أن تدري تجعل الناس يقلدونه ويتزوجون سراً.. هذا نشر الفاحشة وليس طعناً في برئ منها.. ولو قلت أن رجلاً فاضلاً يدخن الحشيش ويتعاطي المخدرات بحجة أنك تريد أن يكرهه الناس فإذا بالناس التي تحترمه وتري فيه نموزجاً تقلده وتدخن الحشيش وتتعاطي المخدارات.. إن ذلك هو نشر الفاحشة ممن يحبونها.. وهم الذين وعدهم الله بعذاب أليم في الدنيا والآخره.
 ذات يوم سمعت من شاب قصة إدمانه المخدرات.. فقد أراد جارهم في العمارة أن يطعن في أبيه فأدعي أنه يتعاطي معه المخدارت .. وفضل الجار أن يسئ إلي سمعته حتي يلصق التهمة بأبى الشاب الذي اعتبر أن المخدرات ميزة طالما أن أبيه الذي يحبه ويحترمه يتعاطها.. فمشي في طريقها.. ولم يكتشف الحقيقة إلا بعد فوات الأوان.. إن ذلك الجار واحد من الذين يحبون الفاحشة ويروجون لها بهدف أخر.
 وفى قرية من الصعيد أشاعوا عن شيخ الجامع أنه يشجع على الزاوج السرى فلم يفاتحه بعض أهالى القرية فى ذلك وإنما لأنهم يحبونه قلدوه فانتشرت تلك الظاهرة المؤسفة فى القرية.
 والعذاب فى الدنيا والآخرة أليم فإشاعة الفاحشة تعبر فى الوقت نفسه عن البغضاء.. والبغض عندما يفيض عن الصدور يخرج إلى اللسان.. يقول سبحانه وتعالى: ((قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر)) (118) آل عمران.
 ولا يقتل البغضاء إلا التسامح وهو ما يجب أن يدعو إليه علماء الدين دون أن ينسوا أنفسهم.. عليهم أن يتمتعوا ببعض صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لقد تعرض لأذى لم يتعرض له غيره.. ورغم ذلك فى يوم فتح مكة سأل أهلها الذين أخرجوه منها ((ما تظنون أنى فاعل بكم؟)) قالوا: (( خيراً أخ كريم وأبن أخ كريم)).. فقال: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)).
 إن العلماء هم ورثة الأنبياء وواجب عليهم أن يأخذوا منهم الرحمة والمعرفة والعفو والتسامح وسعة الصدر وحسن الظن لا أن يعنفوا الناس ويبلغوا عنهم النيابة ويدفعوا بهم إلى المحاكم متمنين حبسهم.. يكفيهم قول الله سبحانه وتعالى: ((إن الله يدافع عن الذين آمنوا)) (38) سورة الحج.
 سوء الظن ينتج الضعف والكبر.. ((ولا يدخل الجنة من كان يملك مثقال حبة من الكبر أو سوء الظن)).. يقول سبحانه وتعال: ((يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم)) (12) سورة الحجرات.  
 ويقول سبحانه وتعالى: ((لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة)) (21) سورة الأحزاب.. ويفسر غالبية العلماء كلمة أسوة بالقدوة.. لكن أهل الله من الصوفية لا يقولون ذلك ويفرقون بين العبادة والإتباع والإقتداء والتأسى.
العبادة : هى طاعة المعبود طاعة مطلقه ابتغاء مرضاته وطمعا فيما عنده.. وهذا لا ينبغى إلا لله.. نطيعه طاعة عمياء.. مطلقه.
والإتباع : هو طاعة مطلقه للمتبوع ابتغاء مرضاة الله وطمعاً فيما عند المتبوع وما عند الله.. إننا نتبع النبى ونطيعه طاعة مطلقة ابتغاء مرضاة الله.. ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)) (31) آل عمران.. وما عند النبى كثير.. الرحمة.. الحلم.. والشفاعة.. وباقى الأشياء الجميلة التى أعطاها الله له وأمرنا أن نأخذها عنه.. يقول سبحانه وتعالى: ((ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) (7) سورة الحشر.
والقدوة : هى طاعة المقتدى ابتغاء رضاء الله والرسول وطمعاً فيما عند المتبوع وماعنده من الله ورسوله.. نحن نطيع الإمام ليس ابتغاء مرضاته وإنما طمعاً فيما عند الله ورسوله.. مثل أجر الصلاة.. ويجوز الإستدراك مع القدوة.. فمثلاً يمكن أن نذكر الإمام فى السهو.. أو نكمل له لو نسى.. ونصحح له لو أخطأ.. والتعديل له لو تجاوز.. ومفارقته لو أصر.
أما التأسى : فهو أمر مختلف تماماً عن الاقتداء لأن المقتدى يفعل مثل ما يفعل القدوة.. فلو تبرع القدوة بمليون جنيه تبرع المقتدى بالمبلغ نفسه.. أما المتأسى فيتبرع بجزء ولو ضئيل من القدوة.
 إن النبى كان يصلى حتى تتورم قدماه لكننا لا نقدر على ذلك.. لا نقدر على الاقتداء به.. يكفى التأسى.. والنبى لا يورث.. ولو اقتدينا به لا نورث.. ونحن نورث أولادنا.. وهناك أمثله أخرى.
 عندما قتل حمزة عم النبى فقال:((لأقتلن فيه عشرة)).. فقال سبحانه وتعالى: ((وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)) (126) سورة النحل.. فقال النبى : ((إذن نقتل واحداً)).. فقال سبحانه وتعالى: ((ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)) (126) سورة النحل.. فقال النبى: ((صبرت)) واحتسب عمه عند الله.
 كان النبى يواصل الصيام ولا يفطر.. مغرب بعد مغرب.. بلا إفطار.. فلو كان قدوة لنا لوجب أن نفعل ذلك.. لكن يكفينا التأسى.. وعندما حاول بعض الصحابة تقليده قال لهم: بل صوموا وأفطروا إنى لست كهيئتكم إنما يطعمنى ربى ويسقينى.
 كان النبى يقبل زوجاته وهو صائم فإذا بعض العلماء يجيز تقبيل الرجل لزوجته فى الصيام ونسوا ذلك حرام.
 إن النبى كان إماماً فى الصلاة وقائداً فى المعارك وقاضياً فى جميع أمور المسلمين وزوجاته كثيرات يعدل بينهن فمن يقدر منا على ذلك؟.. لا أحد..