الفجر العدد 165
11/8/2008

ما معنى غير الله ؟ وهل هناك فرق بين (غير الله ودون الله و سوى الله ) ؟ .. وهل يفـوض الله غـيره في بعض الأمـور ؟. يقـول سبحانه وتعالى : [ ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْـمُؤْمِنُونَ كُـلٌّ ءَامَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ] (285 البقرة) .. نقرأ هذه الآية .. نتأملها .. ثم نتساءل : هل نؤمن بالله وحده أم نؤمن به هو وملائكته وكتبه ورسله ؟ .. إن الملائكة والرسل والكتب غير الله فكيف نؤمن بغير الله ؟. قبل أن نقترب من البعيد علينا أن نستوعب القريب .. أنفسنا .. إن أى شخص ليس أنه يكون غيرى .. هذه هى الغيرية .. لكنها غيرية ليست مطلقة .. بمعنى هو ليس أنا فيما يتعلق بذاتى .. هو غيرى فيما يتعلق بالذات .. لكن.. يمكن أن يكون أنا في بعض أمورى بالتوكيل أو التفويض..  محام يدافع عن متهم .. صراف يودع أموال صاحب شركة .. أب يزوج أبنته .. مثلاً .
إذاً أنت غيري فيما يتعلق بذاتي .. غيري إذا لم آذن لك .. فإذا أذنت لك فأنت أنا في حدود ما أذنت .. دفاع في قضيه .. بيع سيارة .. شراء عمارة .. أنت هنا تتصرف كما لو كنت أنا المتصرف .. ولك كل الصلاحيات في ذلك .
لكن .. التوكيل الذى أذنت لك به في التصرف لا يلغى صفتى .. فأنا من حقى البيع والشراء والدفاع عن نفسي لو شئت .
على المستوى الأرقى والأعلى يمكن أن يفوض الله من يشاء من خلقه .. يقول سبحانه وتعالى : [ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ] (80 النساء) .. فهل يعنى أن الرسول هو الله ؟ .. بالطبع لا .. فالتفويض من الله هنا للرسول في الرسالة .. في الوكالة المخصصة لنشر الدعوة .
ولو عدنا للبشر وقلنا إنك و وكيلك تحملان نفس الصفة في التصرف فإن واو العطف هنا لا تختلف عن واو العطف في [ وَالْـمُؤْمِنُونَ كُـلٌّ ءَامَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ] ( 285 البقرة) .. هؤلاء مفوضون من الله و وكلاء له لكنهم لا يلغون ذاته .. خاصة في العبادة .. فلا تفويض ولا توكيل في العبادة .. وهى ما تسمى بالغيرة المطلقة .. فكل ما عدا الله يعتبر غير الله فيما يتعلق بالعبادة والذات الإلهية.
لا وكلاء عن الله في العبادة لا مفوضين عنه فيها .. هذه هى الغيرية المطلقة .. وهى تختلف عن الغيرية الحكمية .. هى غيرية تزيل الغيرية المطلقة في حدود يسمح بها الله .. مثلما يفوض عيسى عليه السلام في شفاء الأعمى والأبرص .. مثلاً .
الغيرية الحكمية لا تعتبر غيرية مطلقة بل هى كل ما أُضيف إلى الله على سبيل الاستحسان .. فرسول الله غير عدو الله .. إذا ًليس غيرى كل من عطفته على أو أضفته إلى .. ليس غيري وفي الوقت نفسه ليس عيني .. لو كان غيري فهو ليس عيني .. فالوكيل لا يلغى الموكل .
من هنا نجد كلمة غير الله .
ونعود من جديد للبشر .. الرجل الذى توكله ابنته لتزويجها بعقد قران .. الوكيل ليس غير الموكل .. لو كان غيره لفسد العقد .. لكنه غيره في ذاته .. الوكيل ليس غير ولكن ليس عين .
يقول سبحانه وتعالى : [ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ ] ( 10 الفتح) .. الرسول هنا ليس غير الله ولكنه ليس عينه .. مازال عبده ورسوله.
الرسول هنا وكيل الله لكن التوكيل يخلو من بند العبادة .. فلا يصح عبادة غير الله.. لأن كل ما عداه غيره .. على أننا نتساءل : لماذا لا نستعين بغير الله ؟ .. إن ظل غير الله على غيريته دون أن يُعطف على الله أو يُضاف إليه استحساناً فنحن لا نعيره اهتماماً .. أما إذا أُضيف إليه استحساناً أو عُطف عليه [ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ] لا يعتبر غير الله فيما فُوض فيه وكُلف به وإن يظل غير الله في باقى الأمور .
هو ليس غير الله فيما أُذن به فالمأذون فعال في حدود ذلك .. مثلاً .. سيدنا عيسى أذنه أن يخلق من الطين كهيئة الطير .. نفخ فيه فكان طيراً .. فهو فعال فيما أُذن به وبسلطان من أذن .. وفي حدود ما أذن به .
نكرر ونقول إن الغيرية المطلقة تتعلق بالذات الإلهية والعبادة .. والغيرية الحكمية يرخصها الله بالإذن أو بالعطف أو بالإضافة على سبيل الاستحسان .
على أن هناك نوعاً خلقه الله لم يأذن له بشئ .. إبليس .. هو يعمل ضد الأوامر الإلهية .. يأمرنا الله بالصلاة وهو ينهانا عنها .. يأمرنا الله بالصوم وهو ينهانا عنه .. هو يعمل ضد التعليمات السماوية على طول الخط .. وغيريته هنا تسمى غيرية من دون الله .
غير الله موجب .. ودون الله سالب .. وكل من هم دون الله لا يقتربون من الغيرية .. يخرجون من التوكيل الإلهي والتفويض الإلهي .. هؤلاء يقول سبحانه وتعالى عنهم : [ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ] (6 الشورى) .. ويقول : [وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ ] (55الفرقان).
إن كلمة من دون الله كما جاءت في القرآن يقصد بها إبليس و ذريته .. فقد خالف الأوامر الإلهية .. ومن ثم فلا يمكن توكيله في شئ .. الذين أطاعوا الأوامر الإلهية هم الذين يمكن أن تتغير غيريتهم بالإضافة أو العطف .. والذين عصوا الأوامر الإلهية مثل إبليس وذريته وهم دون الله لا يُعطفون ولا يُضافون وغير وارد رفع الغيرية عنهم .
وبعد غير الله .. ودون الله .. نجد عبارة سوى الله .. سوى الله هم من يعملون بالأوامر الإلهية ولكن غير مؤهلين للتوكيل أو للتفويض مثل الأطفال والنساء أحياناً .. فلم يأت الله بامرأة رسولاً أو نبياً .
لتوضيح عبارة سوى الله نعود للرجل الذى يزوج أبنته بالتوكيل .. إن أمها غيرها ولكن أمها لا تصلح للوكالة فلو كان الأب غير فإن الأم سوى .. وسوى مثل غير في الإيمان بالله ولكن غير مؤهل للتوكيل والتفويض أما دون الله فهو عدو الله ولا يحبه الله تماماً .
مثلاً لو صوُّت عضو في الحزب الوطني لحزبه فهو ليس غير الحزب الوطني .. وفي الوقت نفسه نجد أن حزب الوفد موجود وشرعي ولكن لا يجوز لأعضاء الحزب الوطني التصويت له فهو بالنسبة لهم سوى الحزب الوطني أما عدو مثل حزب الليكود الإسرائيلي فهو دون الحزب الوطني .
يقول سبحانه وتعالى : [ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ ] (57 الأنعام) .. ويقول : [ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِى حَكَماً] (114الأنعام) .. ويقول :
[ فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَآ ] (35النساء) .. ويقول : [ وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ] (58 النساء) .. فمن يحكم بإذن الله لا يعتبر غير الله .. ومن يفوض من الله لا يعتبر غير الله .. ومن يؤذن من الله لا يعتبر غير الله .. لكنهم في جميع الحالات لا يعتبرون الله .. هم ليس غير الله ولكنهم ليسوا عينه أو ذاته

ولا حول ولا قوة إلا بالله

في تصنيف : لحظة نور في أغسطس 11th, 2010