الله وغيره وسواه ودونه
الفجر العدد 16
12/9/2005
فى الزواج . . يضع والد العروس أو وكيلها يده فى يد العريس . . ويقول كلاماً على لسانها . . فى هذه الحاله لا يعتبر والد العروس غيرها . . ولكنه فى الوقت نفسه ليس عينها . . ليس ذاتها . . ليس هو هى . . فلو أعتبر غيرها بطل العقد . . ولو أعتبر ذاتها أوعينها تكون النتيجه مؤسفه . . يصبح الأب هو الزوجه نيابه عن أبنته
فى المحاكم . . تقوم بتوكيل محام لمتابعة قضيه ما . . وتمنحه حقوقاً هى لك فى التعامل معها . . فلو وقع صلح يكون الصلح حقيقه . . فهو ليس غيرك . . لكنه . . فى الوقت نفسه لن ينفذ حكماً بالسجن لو صدر ضدك لأنه ليس عينك . . ليس ذاتك
الأب ليس غير أبنته فى وكالة الزواج . . وفى الوقت نفسه ليس عينها . . والمحامى ليس غيرك فى وكالة القضاء . . وفى الوقت نفسه ليس عينك . . فدائماً الغير خلاف العين . . الغيريه خلاف العينيه . . وفى هذه القضيه نجد أن هناك من الغيريات ما تنتفى غيريته بالأذن إذا ما أذن . . حالة الأب عند تزويج إبنته . . وهناك من الغيريات ما لا تنتفى غيريته مطلقاً . . لأنه لن يأتى عليه يوم يؤذن فيه . . مثل حالة الأم التى لن يتاح لها تزويج إبنتها . . أو حالة النجار الذى لن يتاح لها توكيله فى قضيه . . والحاله الأخيره التى تتغير و لا تؤذن تعرف بالسوى . . هو سواك . . إن الأب يعتبرغير البنت والأم تعتبر سواها.
هذا تمهيد للتبسيط لنعرف الفرق بين كلمة ” من غير الله “. . وكلمة ” من دون الله ” . . إن كل البشر أو كل المخلوقات ليست هى الله . . ولا واحد منها فلا يوجد مخلوق هو عين الخالق . . هذه حقيقه مسلّم بها . . ولكن . . إذا أذن ( من الإذن ) الخالق مخلوقاً أن يفعل فعله سبحانه كالإحياء والإماته وكشف الغيب وغيرها من الأشياء التى هى شأن الله . . طالما أذنه الله بفعل فعله لا يعتبر غير الله حالة أذنه مع اليقين بأنه ليس عينه . . ليس ذاته . . ليس هو سبحانه وتعالى.
إن كل ذات مختلفه عن غيرها . . كل الذوات مختلفه عن بعضها البعض . . ذاتك غير ذاتى . . ذات الشجره غير ذات البقره . . ذات الرسول غير ذات الله . . كل ذات سوى الأخرى . . كل ذات قائمه بذاتها . . ولا نستطيع أن ندعو ذاتاً بغير إسمها . . ويشير الأسم إلى الذات . . مثل محمد ( أسم ) رسول الله ( صفه ) .
وبالنسبه للصفه فهى أيضاً أمر متعلق بالذات . . ولكن يمكن الإذن به و التوكيل أو التفويض فيه للغير . . مثل توكيل الأب فى الزواج والمحامى أمام القضاء ولكن عندما يتم التفويض أوالتوكيل للغير لا يصبح غيراً حالة أذنه . . يقول سبحانه وتعالى: [ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ] (80 النساء) . . الطاعه لله والرسول ليس غير الله ولكنه ليس عينه . . ويقول سبحانه وتعالى : [ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ ] (10 الفتح) . . البيعه لله و الرسول ليس غيراً ولكن ليس عيناً . . ويقول سبحانه وتعالى : [يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ] (10 الفتح) . . اليد مملوكه لله . . والرسول ليس غير الله لكنه ليس عينه.
لابد من الأذن . . للتوكيل أو التفويض بالصفه . . لكن . . أحياناً لا يكون و لا يجوز هذا التفويض . . مثل عبادة الله . . يقول سبحانه وتعالى : [ قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّىٓ أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ] (64 الزمر) . . ويقول سبحانه وتعالى : [ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِياًّ ] (14 الأنعام).
وفى القرآن : [ فَاللهُ هُوَ الْوَلِىُّ ] (9 الشورى) . . [ هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ للهِ الْحَقِّ ] (44 الكهف) ولكنه أذن للولايه قوماً فلا يعتبر المأذون بالولايه غير الله ولكنه ليس عينه أوذاته . . وفى القرآن: [أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِى حَكَماً ] (114 الأنعام) هنا الحكم هو الله . . وفى المقابل [ فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَآ ] (35النساء) . . وهنا الحكمان لا يعتبران غيراً فى هذه الحاله فإذا ما إنتهت يعودان إلى الغيريه . . وفى القرآن : [ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ ] (57الأنعام،40يوسف) . . وفى المقابل . . [ وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ] (58 النساء) . . وهنا من يحكم بالعدل لا يعتبر غيراً لله . . لأنه لو أعتبر غيراً لتعددت الآلهه . . وفى القرآن : [ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُـحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ] (65 النساء) . . وهنا يحكم النبى مع أن الحكم لله ولذلك لا يعتبر النبى فى هذه الحاله غير الله وإن لم يكن عينه.
وفى القرآن : [ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِ اللهِ ] (49 آل عمران) . . إن الشافى هو سيدنا عيسى عليه السلام يعمل بإذن الله و لا يعتبر غيراً وإن لم يكن عينه . . ويقول سبحانه وتعالى : [ وَأُحْىِ الْـمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللهِ] (49 آل عمران) . . إن المحيى هو الله وسيدنا عيسى عليه السلام يحيى الموتى بإذن الله ولا يعتبر غيره وإن لا يعتبر أيضاً عينه.
ويقول سبحانه و تعالى : [ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِى فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرَا بِإِذْنِى] (110 المائدة) . . بإذن الله . . قل الخالق هو الله . . أن سيدنا عيسى يخلق بإذن الله فلا يعتبر غيره ولكن ليس عينه . . ذلك لأن المأذون فعال فى حدود ما أذن به وبسلطان من أذنه . . ولايعتبر غيراً . . فإذا زال الإذن أصبح غيراً . . والأمر هنا فى إتفاق الإراده.
أما السوى فهو إختلاف الذات مع إتفاق وإختلاف الإراده . . والسوى غير الدونيه. . يقول سبحانه وتعالى : [ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى مِن دُونىٓ أَوْلِـيَـآءَ ] (102 الكهف) . . أم أتخذوا من دونه أولياء من دون المؤمنين يعبدونهم من دون الله . . هنا يتضح إختلاف الذات وإختلاف الإراده وعدم الإذن . . وهو ما ينطبق على إبليس. ولو قلنا على نبى مأذون من الله يفعل فعله بإذنه إنه غيره لأصبح الخالق خالقين ( الله والنبى ) ولأصبح المحيى الذى يحيى إثنين ( الله وهو ) ولكن لو قلنا إنه ليس غيره فإن الخالق عندئذ لا يزال واحداً . . والمحيى لا يزال واحداً . . والشافى لا يزال واحداً . . والآخر يعمل بإذنه لا بقدرته الذاتيه . . وفى جميع الأحوال لا يعتبر هو الله . . فالرسول ^ عندما تكون يده هى يد الله أو يد الله هى يده فإن ذلك بإذنه سبحانه . . ولا يعتبر عندئذ غير الله وإن كان فى النهايه ليس هو الله. من هنا نعرف أن ” ليس غيره ” لا تعنى أنه عينه . . فإذا سأل سائل : هل محمد هو الله ؟ فنقول له : ليس غيره لأنه مأذون منه . . سبحانه وتعالى . . ولكنه ليس ذاته العليا . . إننا لم نسمع قرآناً من الله ذاته وإنما سمعناه من الرسول عليه الصلاة السلام , ولكن لا يعتبر كلامه غير كلام الله لأننا سمعناه من المأذون من الله . . فعندما ينزل جبريل عليه السلام من السماء بالوحى على رسول الله عندئذ يسمع كلام جبريل الذى هو كلام الله . . وبعد ذلك يسمع المسلمون رسول الله بالقرآن ولكنه كذلك كلام الله . . وهنا المفارقه بين القول والكلام . . فالقرآن كلام الله وقول رسول الله . . [ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ] (19التكوير،40الحاقة) . . فلا يعتبر من قال غير من تكلّم ولكن لا يعتبر عينه. هذه هى الغيريه . . إتفاق الإراده بين الله و رسله و أنبياؤه و أوليائه . . فالله يريد الهدايه وهؤلاء أيضاً . . بل ويسعون إليها . . إنهم يفعلون ما أمر الله به . . وهى غير الدونيه . . من دون الله . . الدونيه تقتضى قضاء الإرادات . . فالله يأمر بهداية البشر و إبليس يدفعهم إلى المعصيه . . الله يأمرهم بالطاعه و إبليس يدعوهم للعصيان . . إبليس و أتباعه هم المقصودون بكلمة ” من دون الله ” . . إبليس هو الذى يسمى ” من دون الله ” . . يقول سبحانه وتعالى: [ أَمِ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ] (9 الشورى) . . ويقول سبحانه وتعالى : [ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى مِن دُونىٓ أَوْلِـيَـآءَ ] (102 الكهف) . . [ أَئِفْكاً ءَالِـهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ ] (86 الصافات) . . من هنا نعرف أن دون الله يعنى إبليس وأعوانه . . وسوى الله يعنى كل الذوات المخالفه لذاته . . وغير الله هو ما لم يؤذن من الله بشىء ويصبح ليس غير الله حال إذنه.
ربما كانت التفرقه صعبه وتحتاج إلى جهد مضاعف فى فهمها . . ولكنها تحسم أموراً أكثر غموضاً . . وأكثر ضلالاً
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في أغسطس 11th, 2010