هل النبي هو أول خلق الله ؟
صوت الأمة العدد 199
20/9/2004
التفسير الخاطىء. . كالتشخيص الخاطىء . . كالدواء الخاطىء . . كارثه قاتله . . فرجل الدين لو أصاب فى فتواه مسح الجهل من العقول و القلوب . . و لو أخطأ فرض عليها الرطوبه و العتمه . . و المشكله أننا منحناه حصانه و إمامه و كفاءه دون أن يكون مهيأ لها أحيانا . . أو يستحقها أحيانا أخرى . . فكان ذنبا فى رقبته . . سامحه الله.
إن النصوص الدينيه قويه . . و تحتاج لمن يقدر عليها . . بالصبر و العلم و شفافية النور التى تسيطر على القلب . . و تغذى الروح . . فالعقل وحده لا يكفى . . العقل مجرد مفتاح ندخل به . . ثم تنعدم قيمته . . لو كان العقل قادرا على إستيعاب كل شىء لكنا قد شاركنا الله فى قدراته . . فالله لا تدركه الأبصار . . و هو يدرك الأبصار . . لكن . . النبى ^ مستثنى من القصور البشرى.
لقد أدرك النبى الله ببصره . . [ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ] (17 النجم) . . و أدركه بعقله . . [أَفَتُمَـارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ] (12 النجم) . . و المراء هو نوع من الجدل . . و أدركه بقلبه . . [مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ] (11 النجم) . . و أدركه بروحه . . [ وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ] (13 النجم) .
إن العين هى أقل المدركات . . فلو توارى شخص كنت تراه فقدت العين خصائصها . . ليبدأ العقل فى تصور ما لا تراه العين . . و ما لا يدركه العقل يدركه القلب . . مثل معجزات الأنبياء . . لا يستوعبها العقل . . فيتدخل القلب ليستوعبها . . و بعد القلب هناك أمور ترسم علاقة راقيه و رفيعه بين الأنسان و ربه لا يدركها القلب . . و هنا تأتى بصيرة الروح.
تمتع النبى بكل هذه المدركات التى لم يتمتع بها غيره . . لقد قال الله لموسى : [ لَن تَرَانِى وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ] (143 الأعراف) . . لكن النبى رأى الله ورؤية الله للنبى ليست الإستثناء الوحيد . . لقد أستثنى إيضا من الترتيب الزمنى للأنبياء . . إن ترتيب الأنبياء كما هو معروف: نوح . . إبراهيم . . موسى . . عيسى. . والنبى. . ولكن الله سبحانه وتعالى قال: [وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ] (7 الأحزاب) . . لقد سبقت كلمة منك العائده على النبى ذكر الأنبياء الذين جرى ترتيبهم زمنيا كما حدث . . منك سبقت نوح و إبراهيم و موسى و عيسى بن مريم.
و الأنبياء جميعا دينهم الإسلام . . بمعنى الإسلام لله . . التسليم له . . إسلام العقل و القلب و الروح لله . . كل شخص يتبع دين أسلم أمره إلى الله . . و يقول سبحانه و تعالى للنبى : [قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ ] (163،162 الأنعام) . . أول من أسلم لله . . أولهم فى الترتيب . . و يقول سبحانه و تعالى : [ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ] (81 الزخرف) . . و المقصود بالعابدين الأنبياء و المرسلين و الملائكه و كل من عبد الله . . فالنبى له الأسبقيه فى العباده . . فلا أحد يعبد الله إلا إذا كان موجودا . . فكيف يكون أول العابدين قبل الأنبياء و المرسلين إذا لم يكن قد سبقهم فى الخلق ؟ . . المؤكد أن النبى كان موجودا قبلهم و لكن بصوره غير حسيه.
وكما ورد فى سنن الترمذى الجزء (5) ص(546) :
3609 – حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع بن الوليد البغدادي حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قالوا : يا رسول الله متى وجبت لك النُّبُوَّةُ ؟ قال : ( وآدمُ بين الرُّوحِ والجسدِ ) .
و لا داعى هنا للبحث عن العقل . . فالعقل فى الدين ضيق . . و ضعيف . . فلو فهمنا ربنا بالعقل لكنا مثله . . لابد أن يأتى لنا بشىء نحتار فيه . . لنقول لا حول و لا قوة إلا بالله . . لو أدركنا ما يفعل الله لفعلنا مثله . . نحى و نميت و نرسل رسلا و نحاسب على الذنوب . . وهذا أمر فوق المستحيل . . إن الإيمان بالقرآن يحتاج إلى ما هو أوسع و أرحب و أرقى من العقل.
يقول القرآن : [ إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ ] (1 نوح) . . لم يقل إلى الناس جميعا . . كذلك أرسل الله موسى إلى [ قَوْمِهِ ] فقط . . و عيسى بن مريم . . أرسله رسولا إلى بنى إسرائيل . . [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ] (158 الأعراف) . . هكذا يقول القرآن للنبى . . بل تعدى الأمر ذلك إلى الجن . . ليكون ما نقول فوق العقل بالمره . . يقول سبحانه و تعالى للنبى : [ قُلْ أُوحِىَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَاناً عَجَباً * يَهْدِيٓ إِلَى الرُّشْدِ فَـئَامَنَّا بِهِ ] (2،1 الجن) . . و يقول سبحانه و تعالى : [ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّـا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنْصِتُواْ فَلَمَّـا قُضِىَ وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِمْ مُّنْذِرِينَ * قَالُواْ يَا قَوْمَنَـآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ ] (30،29 الأحقاف).
لقد كانت مشيئة الله حره فى الترتيب الزمنى . . تحترمه أو تلغيه . . و كذلك العقل . . يقدره أو يسلبه . . كما يحدث أحيانا مع بعض الناس إن العقل ليس الأداه التى تقاس بها الإلهيات . . و بالتالى فليس غريبا أن يكون النبى بنص القرآن أرسل إلى الناس جميعا . . إلى الناس كافه . . كما فى قوله تعالى: [ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً ] (79النساء) و الناس تشمل البشر من بدء الخليقه إلى نهايتها . . لم يرسل لقوم بعينهم . . أرسل للكافه . . يقول الله للنبى : [ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ ] . . و [ مَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَآفَّةً لِّلنَّاسِ ] (28 سبأ).
لقد أرسل النبى لكافة الناس . . لا يستثنى منهم الأنبياء . . و لا الرسل . . و لا السابقون . . و لا اللاحقون . . أما عن كيفية إرساله إليهم . . هى فى علم الله و قدراته . . و الله على كل شىء قدير . . قادر أن يبعثه ظاهرا و باطنا . . فى زمانه و فى غير زمانه. لقد قال سيدنا إبراهيم منذ آلاف السنين لأبنائه [ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ] (132البقرة) . . و قالت ملكة سبأ [ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ] (44 النمل) و قال سيدنا سليمان للجن : [ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ ] (38 النمل) . . و فى القرآن أيضا : [فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِىٓ إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ ءَامَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ] (52 آل عمران).
إن نبي الإسلام سيدنا محمد هو رسول الله للناس كافه . . رسول للأنبياء و المرسلين و رسول للبشر العاديين . . و من لا يستوعب ذلك فقد أخطأ فى التفسير . . تماما كالذى أخطأ فى تفسير حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذي ورد في صحيح البخارى – الجزء الأول ، ص (126) :
335 – حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا هُشَيمٌ ( ح ) . قال وحدثني سعيد بن النضر قال أخبرنا هشيم قال أخبرنا سيار قال حدثنا يزيد -هو ابن صهيب الفقير- قال أخبرنا جابر بن عبد الله: أن النبي ^ قال ( أُعْطِيتُ خُمْساً لم يُعْطَهُنَّ أحد قبلي نُصِرْتُ بالرعب مسيرَةَ شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ).
. . فقد خيل للبعض أن النبى كان يثير الرعب . . و الحقيقه أن الله سبحانه و تعالى هو الذى يلقى الرعب فى قلوب الذين كفروا . . يقول سبحانه و تعالى : [ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْـمَلَآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْ سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ ] (12 الأنفال) . . و لو قال النبى أنى نصرت بالرعب مسيرة شهر فإنه يقصد أن الله يلقى الرعب فى قلوب أعدائه و بينه و بينهم مسيرة شهر حتى إذا وصلهم يكون الرعب قد حطم روحهم المعنويه . . الرعب سلاح إلهى و ليس سلاحا محمديا . . و لو فسر الحديث على أن النبى كان مرعبا يكون التفسير قد أساء إليه.
و فى النهايه هذه أمثله بسيطه لِما نقع فيه إذا جعلنا ميزان العقل هو الميزان الأوحد المعتمد لدينا. و لم ننتبه إلى المدركات الأخرى كالقلب و الروح . . العقل هو مجرد مدخل , لا ينفعنا بشىء بعد الدخول . . و لو أن العقل راح يفلسف الفرائض التى فرضها الله علينا لأنكرها . . لو تفلسف فى كيفية الصلاه و الركوع و السجود أو الجوع و العطش فى الصيام أو السعى والطواف و تقبيل الحجر الأسود و رجم عمود من الخرسانه رمزا لأبليس لما قبلنا العبادات ولفسدت العقيده.
و بهذا المثال الذى يضع العقل فى حجمه ننتقل إلى قول الله تعالى للنبى : [ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ] . . لقد أرسل كل نبى إلى قومه . . و قوم النبى هم الذين أرسل إليهم . . أما أمته فهم المجموعه التى آمنت به من قومه . . و هو معنى مستقر لدينا . . و فى حالة النبى ” أرسل للناس جميعا ” يكون قوم النبى هم الناس جميعا و تكون أمة النبى هم كل من آمن به بمن فيهم الأنبياء و الملائكه و الجن . . هم جميعا أمة النبى التى قال الله عنها : [كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ] (110 آل عمران) . . إن أمة النبى هى الأمه الوسط . . [ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ (الذين أرسل اليهم النبى) وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ] (143 البقرة) . . ولم يذكر أسم الرسول لأنه الوحيد المعروف و الذى لا يحتاج إلى تعريف . . هذه الأمه الوسط جمعها الله من كل الأمم السابقه ثم يقول للنبى: [ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَآءِ شَهِيداً ] (41 النساء) .
و هذه الآيه تتحدث عن مسافه زمنيه شاسعه منذ بداية الخلق إلى نهايته . . لا تتحدث عن تلك الحقبه القصيره منذ أن نزل جبريل عليه ^ فى غار حراء . . و هم ما يعطى زخما و رونقا و طعما لكل رسالات الأنبياء السابقين فلا يترك مجالا للطعن فى أية رساله و لا يقبل بالتقليل من شأنها . . فكلهم أجزاء فى جسد واحد إذا أشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمى و السهر وفى صحيح مسلم الجزء(4) ص(1999) :
2586 – حدثنا محمد بن عبد الله بن نُمَيرٍ حدثنا أبي حدثنا زكرياء عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله ^ ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحمى ) .
يجب ألا نحمل العقل فوق طاقته لأن ذلك صعب . . بل مستحيل . . يجب أن نرحم عقولنا ونترفق بها و نرحمها
و لا حول و لا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في أغسطس 10th, 2010