صوم الأولياء فى رمضان

صوت الأمة العدد 203
18/10/2004

عندما يأتى شهر رمضان نتساءل عن الحكمه من الصوم . . البعض يقول : ” حتى يشعر الغنى بجوع الفقير ” . . فيكون السؤال : ” و لماذا يصوم الفقير و هو يشعر بالجوع دون صيام غالبية شهور العام ؟ ” . . و يكون الصمت هو التعليق الوحيد المناسب للخروج من هذا المأزق.
و على شاشة التليفزيون و صفحات الجرائد يخرج الأطباء طوال الشهر ليحدثونا عن فوائد الصوم بالنسبه للصحه العامه . . و يكون السؤال : لو لم تكن هناك فوائد طبيه للصوم هل كنا سنمتنع عنه ؟ . . مره أخري يكون الصمت هو التعليق الوحيد المناسب للخروج من هذا المأزق.
إن علينا أن نؤدى الفرائض سواء عرفنا العله من ورائها أو لم نعرف . . لكن . . الذين يوقفون معرفة الفريضه على معرفة العله لا يكمل إيمانهم على أعتبار أن معرفة العله ليست شرطا لأداء الواجب . . فهذا شرع بين عبد و رب و ليس إتفاقا بين عبد و عبد . . إن العقد بين عبد و عبد لابد أن تكون له شروط و بنود و أعتبارات . . لكن . . ذلك لا يجوز بين العبد و ربه.
إن أكثر المؤمنين شفافيه و صوفيه يدعون أن يكون إيمانهم كإيمان العوام . . الإيمان المبنى على تسليم بكل ما يأمرنا به الله . . دون البحث عن إجتهادات بشريه . . قد تصيب و قد تخطىء . . لقد كان الإمام أحمد بن حنبل و أستاذه و معلمه الإمام الشافعى يمشيان معا عندما قابلا راعى غنم فسألاه عن الزكاه التى يخرجها عن أغنامه . . إن تلك الزكاه هى أثنان ونصف فى المائه . . أى رأس غنم عن كل أربعين رأس . . لكن . . الرجل البسيط العامى قال لهما : العبد و ما ملكت يداه ملك لسيده.
هذا هو إيمان العوام . . التسليم بأن كل شىء لله . . كل شىء من عند الله . . كل شىء يجب أن يعود إلى الله . . أوامره تنفذ دون فلسفه . . فرائضه تؤدى دون بحث عن العله . . و أحيانا ما يلتقى إيمان العوام على هذا النحو بإيمان الخواص.
على أننا من جانب آخر فى شهر رمضان يمكن أن نفرق بين صوم العوام و صوم الخواص وصوم خواص الخواص . . إن صوم العوام هو الصوم الذى يعرفه غالبيتنا . . الإمساك عن الطعام و الشراب و النكاح من الفجر إلى المغرب . . و صوم الخواص هو الصوم عن كل شىء عدا ذكر الله . . و صوم خواص الخواص.. أو صوم الأولياء هو الصوم عن كل ما سوى الله . . إن كل من هو من أهل المشاهده الإلهيه يعتبر نفسه إذا غفل لحظه عن ذكر الله أفطر . . و إمساكه عن كل ما حرم الله هو ليس فى رمضان فقط و أنما طوال العام.
إن رمضان عند الصالحين غير رمضان عند المؤمنين العاديين . . الصالحون لا يشعرون به . . لانهم صائمون قبله و بعده . . لكن . . نحن – البشر العاديين – نشعر بمتاعبه و نتوتر بسببه ونحن لشهواتنا فى وقته. وهو أمر لا يعانى منه الصالحون . . فرمضان بالنسبه لهم لا يختلف عن أى شهر آخر . . و لو عرفت أمة سيدنا محمد (^) ما فى رمضان من خيرات لتمنت أن يكون العام كله رمضان . . لكن . . تلك أمنيه المؤمنين العاديين . . أما الصالحون فرمضان عندهم ليس شهرا و إنما عام فى العام.
إن الله فى رمضان لا يختلف عن الله فى غير رمضان . . نحن الذين نتغير . . و نختلف . . قربنا و بعدنا نحن مصدره . . نكون أكثر تقوى و شفافيه فى رمضان . . و المفروض أن نكون كذلك فى غيره . . و المفروض أن نؤدى ما علينا من عبادات  و معاملات دون أن ننتظر ما نجنيه و نحصل عليه . . لا أحد يقول بكم الصلاه ؟ .. بكم الزكاه ؟ . . بكم إطعام مسكين ؟ . . لو حدث ذلك لنقص إيماننا.
إن من الناس من يعبد الله و كأنه صاحب حق , ينسى ما عليه من دين و يطلب أجرا على كل عمل يؤديه . . و من الناس من لا يطلب أجرا على عمل يؤديه و يطمع فى كرم الله . . و هو أيضا نوع من النقص . . و من الناس من لا يهمه الأجر و لكن يهمه رضا سيده . . و هذا فيه قليل من النقص . . و الأعلى و الأسمى من كل ذلك هؤلاء الذين يعبدون الله سبحانه و تعالى آملين ألا يكون غاضبا عليهم . . و سيد هؤلاء جميعا سيدنا محمد ^. . لقد قال يوم الطائف  ( إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي ) .
ففي الحديث الشريف الذي ورد في مجمع الزوائد – الجزء (6) ، ص (37-38) :
9851 – عن عبد الله بن جعفر قال : لما توفي أبو طالب خرج النبي ^ إلى الطائف ماشيا على قدميه يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه فانصرف فأتى ظل شجرة فصلى ركعتين ثم قال : (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وهواني على الناس أرحم الراحمين أنت أرحم الراحمين إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي أعوذ بوجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك أو يحل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله).
إن الدين أمر غايه فى السهوله . . إنه خمسة أركان . . كل ركن يمثل الخمسه . . نقول الشهاده و نحصل على الخمسه الأولى دون مجهود . . و لو لم أستطع الحج أحصل على الخمسه الثانيه دون مجهود . . لا أستطيع أن أخرج الزكاه أحصل أيضا على الخمسه الثالثه دون مجهود . . و الصيام لا يفرض إلا على البالغ العاقل و هو شهر واحد فى العام . . و من ثم يسهل الحصول على الخمسه التى تأتى منه . . و لا يتبقى سوى الصلاه . . و هى عباره عن 17 ركعه . . لا تحتاج أكثر من نصف ساعه طوال اليوم
هل هناك سهوله أكثر من ذلك ؟ . . لا سهوله أكثر من ذلك سوى أن نقول

 لا حول و لا قوة إلا بالله