دعاة يتجرأون على الله و يتجاوزون حدوده

صوت الأمة العدد 205
1/11/2004

الدين . . علاقة نورانية بين العبد و ربه لا تقبل الوسطاء و التجار و السماسرة . . علاقة مدارها القلب . . لا تخضع لأحكام الطوارئ العرفية التي يفرضها بعض من ينسبون أنفسهم إلى الدعاة . . و يرتدون ثيابا أوسع منهم . . و يسبحون في مياه لا يقدرون عليها.
إنهم يسودون علينا عيشتنا . . و يجلسون على منصة القاضي مع أنهم يقفون مثلنا جميعا في قفص الاتهام في انتظار القاضي الأوحد و الأعظم . . سبحانه و تعالى . . في يوم الحشر العظيم . . إنهم يوزعون صكوك الكفر و الإيمان . . و بطاقات دخول الجنه و النار . . ويحكمون و يصولون و يجولون و يتجاوزون الأخلاق المحمدية و الإلهية . . و لا يتذكرون أن الله لا ينظر إلى صورنا و أجسادنا و إنما ينظر إلى قلوبنا و أعمالنا.
لقد كان النبي ^ لا يوجه لوما لمن يخطئ علنا أمام غيره من الناس . . كان لومه غير مباشر . . يصل إلى من يستحقه دون أن يجرحه وسط أهله و صحابته . . كانت كياسته و حكمته تنافسان رحمته.
في يوم أكل النبي مع بعض الصحابة لحم جمل . . و أحس بواحد ممن حوله في المجلس يخرج ريحا غير طيبه . . وكان عليهم القيام للصلاه . . فشعر الذى فعلها بالحرج . . و منعه حياؤه من الوضوء حتى لا ينكشف أمره . . فأراد النبى أن يعفيه مما فيه فقال ^ : ( من أكل لحم جذور ( الجمل ) فليتوضأ ). . فذهب الجميع للوضوء بما فيهم الشخص المقصود الذي خرج من المأزق المحرج بفضل كياسة الرسول.
و لا شك . . أن الأخلاق المحمدية مقتبسه من الخلاق الإلهية . . لقد تخلف ثلاثة من الصحابة عن إحدى الغزوات هم و نفر من الناس . . فما انتهت الغزوة و عاد النبي إلى المدينة نصب شبه محاكمه عسكريه للمتخلفين . . و اخذ كل واحد من أولئك يبرر سبب تخلفه . . و يقدم عذره . . و لم يكن النبي يناقشه فيما يقول . . بل كان يصدقه على الفور . . و يسامحه . . رغم أنه يعلم بأن بعضهم ليس على حق.
جاء الدور على الصحابة الثلاثة وعلى رأسهم كعب بن مالك . . سأله النبي عن سر تخلفه . . فقال : ” يا رسول الله و الذي بعثك بالحق . . ما كنت أحسن حالا و لا أصح بدنا و لا أهنأ عيشا من يوم خرجتم للقتال ” . . و أعلن مسئوليته عما فعل . . و كرر الاثنان الآخران الشيء نفسه . . فكان أن حكم عليهم الرسول صلى الله عليه و سلم بأن يقاطعهم الناس مقاطعه مدنيه كاملة . . لا كلام . . لا بيع . . لا شراء . . لا مجاملات . و نفذ الجميع الحكم . . بمن فيهم الثلاثة أنفسهم . . فهم أيضا طبقوا الحكم فيما بينهم . . فعلوا ذلك حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت . . بل و ضاقت عليهم أنفسهم . . و ظنوا أن رحمة الله لن تسعهم أيضا.
لكن . . سبحانه و تعالى يقول : [ لَّقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْـمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّآ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ] (117-118 التوبة) قال  [ خُلِّفُواْ ] . . و لم يقل” تخلفوا ” . . يعنى هم خلفهم الله . . ليجد سببا لنزول الآية الكريمة.
إن النبي لم يذنب و لا الذين آمنوا و لا المهاجرين و لا الأنصار . . الذين أذنبوا هم الثلاثة الذين تخلفوا. . لكن ذكر الله توبة من لم يذنب ( النبي و المهاجرين و الأنصار) سببه ألا يستوحشوا من أذنبوا . .  عبارة ” ربنا يتوب عليك ” . . ليس شرطا أن تقال دلاله على ذنب . . فالنبي لم يفعل شيئا كي يتوب عليه . . لكنها الأخلاق النبوية . . و الأخلاق الألهيه.
لا أحد يتدخل بين الله و عباده . . إن من حق الذين يدسون أنفسهم في الدعوة أن يتحدثوا عن شروط و جوب العبادة . . و يعددوها . . و يتحدثوا عن شروط صحة العبادة . . و يعددوها . . و كفى عليهم ذلك . . لا يحق لهم التدخل في شروط قبول العبادة . . فهذا شأن الله وحده . . لا يرقى إليه بشر مهما كان.
يمكن أن نتحدث عن شرط  وجوب الصلاة و الصيام و الحج و الزكاة . . و يمكن أن نتحدث عن شرط صحتها . . لكن  . . شروط قبولها هو شأن إلهي تماما . . فمن الجائز أن تؤدى شيئا صحيحا و لا يتقبله الله  . . و من الجائز أن ترتكب ذنبا و يسامحك عليه . . إن شروط القبول تتوقف على طلاقة القدرة الألهيه . . و لا تتوقف على تقديرات الدعاة . . فلا أحد يعرف هذه الشروط . . لكنهم مع الأسف يدخلون في تلك المنطقة الوعرة . . و لا يقفون عند حدودهم.
يقول سبحانه و تعالى : [ وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ] (121 طه) . . ثم يضيف : [ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ ] (122 طه) . . لم يقل أطاح به . . حتى يتوب عليه و يهديه . . فالله سبحانه وحده الذي يقبل و يرفض . . يتوب و يعاقب.
لو كانت هناك شروط قبول معلومة فكيف نفهم الحديث الشريف الذي ورد في                 
صحيح مسلم الجزء(4) ، ص(2023) :
137 – ( 2621 ) حدثنا سويد بن سعيد عن مُعْتَمِرِ بن سليمان عن أبيه حدثنا أبو عمران الْجَوْنِيُّ عن جُندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّث أن رجلا قال والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال من ذا الذي يَتَأَلَّى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك أو كما قال
لا يقولن أحدكم و الله لن يغفر الله لفلان فيقول الله تعالى من ذا الذي يتألى على لقد غفرت له و أحبطت عملك.
إن البعض يتأله على الله . . يتجرا على الله . . و هو يتصور أنه يدعو إلى الله . . و العبره في النهاية بحسن الخاتمة . . و حسن الخاتمة يتوقف على القدرة الألهيه  . . لا الدعوة البشرية . . و هو ما يسهل فهمه من حديث النبي الشريف الذي ورد فى مسند احمد ابن حنبــل الجزء(12)ص(449) :
7473- حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنا إسماعيل عن زياد المخزومي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا الا ان يتغمدني الله منه برحمة وفضل ووضع يده على رأسه.
من حق الداعية أن يتحدث في شروط الوجوب وشروط الصحة لكن ليس من حقه أن يقترب من شروط القبول و لا يفكر فيها . . ليس من عمله أن يحدد هل تقبل العبادة أو لا تقبل ؟ . . لا يشغل نفسه بمنصة الحكم و القضاء . . عليه أن يخلى بين الله و عباده . . إنها حدود الله فلا تقربوها . . و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.
لقد ظل شاب مريد يبحث عن ولى مرشد . . فسار على قدميه من أقصى بلاد المغرب . . وكان كلما التقى بشيخ لا يعجبه . . حتى وصل إلى جبل عرفات . . جبل الرحمه . . فوجد شيخا منقطعا للعباده فأستأذن أن يكون له تلميذ و مريد . . و عندما حان وقت الصلاة وجد الرجل يقول كما أعتاد : ” لبيك اللهم لبيك . . نويت أصلى ” . . و بدأ الصلاة . . لكن الشاب وجد وراء الشيخ أصوات صلصلة الملائكة حجبت الشمس و هي تقول له : ” لا لبيك و لا سعديك ” . . و كأنها ترفض عمله . . فلما أنهى الشيخ صلاته لم يعلق التلميذ . . لكن بينه و بين نفسه قرر أن يرحل بعيدا عنه . . خاصة أنه في الصلاة التالية تكرر الشيء نفسه.
أستأذن التلميذ من الشيخ في الرحيل و عندما سأله عن سبب رحيله تحجج بشيء لا يحرجه . . وفهم الشيخ و قال له : ” يا بنى إياك أن تكون قد غضبت من أولئك الملائكة . . إنني علي هذه الحالة من عشرين عاما ” . . فقال الشاب : ” و لماذا تواصل الصلاة ؟ ” . . أجاب الشيخ :” إذا كنت أصلى و لا أنال رضاء الله فما بالى لو كففت عن الصلاة . . يا بنى أنا عبد و هو سيدي . . لو لم أعجبه فعنده غيري لكنني لو تركته فلمن أذهب . . إنني أصمم على الصلاة حتى يرضى و لو كان رضاه رفضي . . ما يفعل هو رضاء . . طالما رفضني فهذا يرضيه وأنا يرضيني ما يرضيه ” .
جاءت صلاة الصبح . . الصلاة الأخيرة للشاب و راء الشيخ . . قال الشيخ : لبيك اللهم لبيك . . فقالت الملائكة هذه المرة : لبيك و سعديك و الخير كله بين يديك . . و شعر الشاب بالفرح . . لكن الشيخ قال له : أنني سعيد في المرتين . . أنا راض بما يرضيه . . فقال الشاب : وهل هذا الأمر يزيد يقينك . . قال الشيخ : يا بنى لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا . . يعنى لو ( شافه ) بعينيه ما زاد عنده شئ . . لو تحول إيمان الغيب إلى إيمان شهادة . . ما تغير شئ

و لا حول و لا قوة إلا بالله