الملتزم و المتزمت

صوت الأمة العدد 207
15/11/2004

السخرية و اللمز و التنابز بالألقاب علامات غلظه و كبر نهى الإسلام عنها و تخرج الإنسان من دائرة الإيمان إلى دائرة الفسوق
يبدو الشاب خفيفا . . مرحا . . منطلقا . . يقبل على الحياة . . يساعد من حوله . . و يبادر بنجدة المحتاج . . ثم فجأة يتحول إلى شخص كئيب . . لا يبتسم . . يستهزئ ممن حوله . . سريع الغضب . . يهمل في ثيابه . . و يقاطع أصحابه . . و لا يطيق نفسه
وكما ورد فى مسند الشهاب  الجزء(1) ص(108) :
129-أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر الصفار أبنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا علي بن بهرام ثنا عبد الملك بن أبي كريمة عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال قال رسول الله ^ : ( المؤمن ِإلْفٌ مَأْلُوفٌ ولا خير في َمنْ لا يَأْلَفُ وخير الناس أنفعهم للناس) .  
 . . و عندما تسأله عن الذي قلب حاله على هذا النحو . . ينظر إليك نظره غير مفهومه . . مفعمة بالقسوة و الاستغراب . . ليقول لك بعد أن ينفذ الصبر : لقد التزمت . . و الصحيح لقد تزمت !.
هل الالتزام يعنى الحدة و الغلظة و الفظاظة و التعالي على الناس بدعوى انه أصبح مختلفا عنهم ؟ . . هل مجرد أن يطلق لحيته و يرتدى سروالا باكستانيا أو أفغانيا و يغير من طريقة نطقه للكلمات يكون قد ألتزم فعلا ؟ .
بأي شئ التزم ؟ . . هل التزم بالقرآن . . كلام الله ؟ . . إنه سبحانه و تعالى يقول : [ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظاًّ غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ] (159 آل عمران) .
هل التزم بسنة النبي و طريقته في التصرف ؟ . . إنه ^ يبتسم .. معظم ضحكه التبسم . . ولا يمنع أن يضحك ضحكا عاديا و كان يقول ^ في الحديث الشريف الذي ورد في المعجم الكبير – الجزء (12) ، ص (391) :
13443 – حدثنا احمد بن المعلى الدمشقي ثنا هشام بن عمار ثنا عبد الله بن يزيد البكري ثنا سليمان بن ابي داود عن طفيل بن سنان عن عبيد بن عمير قال سمعت رجلا يقول لابن عمر : ألم تسمع رسول الله ^ يقول : ( إني لأمزح ولا أقول إلا حقا ) ؟ قال : نعم.
و كثيرا ما كان يتحدث بطريقة الفوازير كي يعمل الناس عقولهم و فكرهم . . و هذه مناسبة ذلك الحديث.
جاءت إليه عجوز شمطاء و قالت له : يا رسول الله أأدخل الجنه ؟ . . فقال لها : ( الجنه لا يدخلها عجوز ) . . فبكت المرأة بكاءً شديداً حتى أخبرها النبي بقوله : ( أنك عندما تدخلين الجنه لن تكوني عجوزا )  . . ثم قال (  إنى أمزح و لا أقول إلا حقا ) .
و عندما سألته السيدة فاطمة الزهراء : يا رسول الله من يدخل الجنه قبلي ؟ . . قال ^ : فلانه . . وهى ليست من كبريات الصحابة . . فلما احتارت السيدة فاطمة في السبب قال لها النبي : ” سوف تسحب ناقتك و تسبقك إلى الجنه ” .
و كان النبي يمازح عائشة رضى الله عنها . . و كان فارق السن بينهما 36 سنه . . مره يجرى فيسبقها في البيت و مره يتركها تسبقه . . وكما ورد سنن أبي داود – الجزء (3) ، ص (65-66) :
2578 – حدثنا أبو صالح الأنطاكي محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق يعني الفزاري عن هشام بن عروة عن أبيه وعن أبي سلمة عن عائشة  رضي الله عنها : أنها كانت مع النبي ^ في سفر [قالت] فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملتُ اللحم سابقته فسبقني فقال :     ( هذه بتلك السّبْقَة )  .
يقول لها ” هذه بتلك ” . . واحده بواحدة. وكان يقبل أحفاده . . وذات مره دخل عليه أعرابي  ( على شاكلة صاحبنا الذي يقول عن نفسه أنه ملتزم فيبدو أن للنبوه امتداد و لأعداء النبوه امتدادا أيضا ) . . وجده الأعرابي يقبل سيدنا الحسن و الحسين . . فقال الرجل يا رسول الله أتقبلون أولادكم ؟ . . قال النبي : نعم !. . قال الرجل : لي عشره من الأولاد ما قبلت واحدا منهم . . فقال النبي : و مالي و رجل نزع الله الرحمه من قلبه. و قد كان النبي على عظمته يحمل سيدنا الحسن و سيدنا الحسين على ظهره و هو على يديه و ركبتيه ففي الحديث الشريف في المعجم الكبير – الجزء (3) ، ص (46) :
2661 – حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج و جعفر بن محمد الفريابي قالا ثنا يزيد بن موهب الرملي حدثنا مسروح أبو شهاب عن سفيان الثوري عن أبي الزبير : عن جابر رضي الله عنه   قال : دخلت على النبي ^ وهو يمشي على أربعة وعلى ظهره الحسن و الحسين رضي الله عنهما وهو يقول : ( نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما ) .
. . هذا لا يرضى بالقطع صاحبنا الذي يتصور نفسه ملتزما . . لا يرضى ذي القول الغليظ . . و لا سخريته . . و هو يعتقد أنه أكثر من غيره تدينا . . يقول سبحانه و تعالى : [ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُواْ بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ] (11 الحجرات) .
فالسخرية و اللمز و التنابز بالألقاب علامات غلظه و كبر نهى الإسلام عنها و تخرج الإنسان من دائرة الإيمان إلى دائرة الفسوق . . عن ذلك ينطبق على صاحبنا الذي يستمع إلى الآخرين بسخرية و يرد عليهم بسخرية . . و هذا ليس أمرا إلهيا و لا أمرا نبويا . . محمديا.
لقد كان للأعراب دائما سلوك خشن . . و ذات مره وقف رجل منهم أمام النبي بعد أن نزل عن دابته و أمسكها بيده ثم رفع يده إلى السماء و قال و هو يكرر دعائه : اللهم ارحمني و محمدا و لا ترحم معنا أحدا . . لم يقل النبي شيئا و لا وجه لوما له بل ضحك حتى بدت نواجذه وقال :أجهل من دابته .كما ورد في الحديث الشريف في :
المستدرك على الصحيحين – الجزء (4) ، ص (276-277) :
7630 – أخبرني أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ، ثنا محمد بن مسلمة الواسطي ، ومحمد بن رمح السماك قالا : ثنا يزيد بن هارون ، أنبأ سعيد بن إياس الجريري عن أبي عبد الله الحيري ثنا جندب قال : جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها فصلى خلف رسول الله ^ فلما سلم رسول الله ^ أتى راحلته فأطلق عقالها ثم ركبها ثم نادى : اللهم ارحمني و محمدا و لا تشرك في رحمتنا أحداً فقال النبي ^ : ( أتقولون هو أضل أم بعيره ألم تسمعوا ما قال؟ قالوا : بلى قال : لقد حظر رحمه الله واسعة إن الله خلق مائة رحمة فأنزل رحمة يعاطف بها الخلائق جنها و إنسها و بهائمها و عنده تسع و تسعون رحمة ) .
و كان حلمه ^ لا حد له حتى مع الذين تطاولوا عليه و هو ما ورثه الصالحون عنه . .
يذكر أن رجلا من غير المسلمين كان له دين عند رسول الله ( و هو ما يعنى أن الرسول كان يقترض من غير المسلمين أيضا ) فلما تأخر قليلا في سداد دينه قابله الرجل ذات يوم وكان معه عمر بن الخطاب كما جاء في الحديث الشريف في : المستدرك على الصحيحين – الجزء (2) ، ص (37-38) :
2237 – أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن فراس الفقيه بمكة ثنا بكر بن سهل الدمياطي ثنا عبد الله بن يوسف التنيسي ثنا عبد الله بن سالم عن أبيه عن جده أن زيد بن سعنة كان من أحبار اليهود أتى النبي ^ يتقاضاه فجبذ ثوبه عن منكبه الأيمن ثم قال : إنكم يا بني عبد المطلب أصحاب مطل و إني بكم لعارف قال : فانتهره عمر فقال له رسول الله ^ : يا عمر أنا و هو كنا إلى غير هذا منك أحوج أن تأمرني بحسن القضاء و تأمره بحسن التقاضي انطلق يا عمر اوفه حقه أما أنه قد بقي من أجله ثلاث فزده ثلاثين صاعا لتزويرك عليه.
وفي الحديث الشريف في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد – الجزء(8)، ص (575-576) :
14193 – وعن أبي هريرة :أن أعرابيا جاء إلى رسول الله يستعينه في شيء قال عكرمة : أراه في دم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ثم قال : ( أحسنت إليك ؟ ) . قال الأعرابي : لا ولا أجملت . فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه . فأشار النبي ^ إليهم : أن كفوا . فلما قام النبي ^ وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت فقال له : ( إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت ). فزاده رسول الله ^ شيئا فقال : ( أحسنت إليك ؟ ) . فقال الأعرابي : نعم فجزاك الله من أهل وعشير خيرا . فقال له النبي ^ : ( إنك كنت جئتنا [ فسألتنا ] فأعطيناك فقلت ما قلت وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب عن صدورهم ) قال نعم . قال : فلما جاء الأعرابي قال رسول الله ^ : ( إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه فقال ما قال وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي أكذاك ؟ ) . قال الأعرابي : نعم فجزاك الله من أهل وعشير خيرا . قال أبو هريرة : فقال النبي ^ : ( إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا فقال صاحب الناقة : خلو بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأعلم بها فتوجه إليها صاحب الناقة فأخذ لها من قشام الأرض ودعاها حتى جاءت واستجابت وشد عليها رحلها واستوى عليها ولو أني أطعتكم حيث قال ما قال دخل النار ).
و كان النبي يحب دائما أن يكون في حاله من الصفاء . . فإذا أجتمع قوم يقولون في أخ لهم شيئا  (يأتون بسيرته)
كان يقول لهم كما ورد في الحديث الشريف في سنن أبي داود – الجزء (5) ، ص (183) :
4860 – حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا الفريابي عن إسرائيل عن الوليد قال أبو داود ونسبه لنا زهير بن حرب عن حسين بن محمد عن إسرائيل في هذا الحديث قال الوليد بن أبي هشام عن زيد بن زائد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ^: ( لايبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ) .
و بعد ذلك كله . . ترى من يقلد صاحبنا من ؟ . . من يلتزم بمن ؟ . . بكتاب الله أم بسنة رسوله و سيرته . . لا شك أنه ابتدع خلقا معينا لا أساس له في الدين و اعتبروه موجودا وتمسك به و اتخذه منهجا و جعل له أنصارا حتى أصبح الكل ملتزم به . . لكن مع احترامنا لكلمة ملتزم . . الملتزم يلتزم بالكتاب و ما أعظم الكتاب . . و يلتزم بالكتاب و بأقواله و ما أحلاها أقوالا . . و بأفعاله و ما أجملها أفعالا . . كان الأولى أن يلتزم بالنص . . أن يسمى الأشياء بمسمياتها . . فماذا نسمى صاحبنا هذا ؟ . . إنه في الحقيقة ليس صاحبنا . . وفى الحقيقة هو غير ملتزم . . في الحقيقة هو متزمت

ولا حول و لا قوة إلا بالله