الكعبة قبلة الصلاة و السماء قبلة الدعاء
صوت الأمة العدد 201
4/10/2004
أمام الروضه الشريفه . . حيث قبر رسول الله ^ . . يقف المسلمون و هم يرفعون أيديهم إلى السماء بالدعاء . . لكن . . الشرطه الدينيه هناك ترفض ذلك السلوك الإسلامى . . و تطالب بأن يرفع المسلمون إيديهم إلى السماء و هم ينظرون للقبله . . لا إلى المقام الشريف . . و هو تعسف و قصر نظر و عدم فهم لأصول الدين.
إن الإمام فى صلاة الجمعه يعتلى المنبر و يعطى ظهره للقبله و يتجه إلى جموع المصلين أمامه . . و رغم ذلك يرفع يديه إلى السماء بالدعاء . . و لا أحد يعتبر تصرفه خطأ . . فالأصل فى الدعاء هو أن نرفع أيدينا إلى السماء و نقول ” يا رب ” . . مهما كان إتجاهنا . . ومهما كان موقعنا . . المهم ألا نغير إتجاه اليدين . . ولا نتوجه بالدعاء لغير الله.
لقد تغيرت القبله من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام فى ليلة النصف من شعبان. . فهل غير الله مكانه لنغير إتجاهنا إليه ؟ . . إن ذلك ما سيقوله السفهاء منا . . يقول سبحانه و تعالى : [ سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للهِ الْـمَشْرِقُ وَالْـمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ] (142 البقرة) . . إن الله فى كل مكان. . و هو حر نتوجه إليه من الناحيه التى يريدها . . و من يعترض على التحويل و التعديل و التغيير يسمى سفيها . . و السفيه هو فاقد الأهليه.
و الدعاء يخفف من السيئات و يزيد الحسنات . . لكن . . هل يحدث ذلك فعلا . . و كل شىء مكتوب عند الله فى اللوح المحفوظ ؟ . . إن الله عنده اللوح المحفوظ . . مكتوب فيه ما سيحدث . . لكننا غير ملزمين به لأننا لا نعرفه . . لقد أثبت الله فيه علمه . . و العلم ليس أداة من أدوات القدره . . فالله أثبت كل شىء فى اللوح المحفوظ . . لكن . . قدرته تتجاوز ذلك . . فلو وقف الأمر عند ما فى اللوح المحفوظ ما كان للدعاء ما يبرره.
لقد كان مكتوبا فى اللوح المحفوظ أن الصلاه خمسون مره فى اليوم . . لكن الرسول فى المعراج طلب من الله التخفيف تسع مرات حتى وصلت الصلاه إلى خمس صلوات فى اليوم فقط .
وورد فى مسند ابن حنبل الجزء(19)ص(485-488) :
12505-حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله ^ قال : ( أُتِيتُ بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن قال جبريل أصبت الفطرة قال : ثم عُرجَ بنا إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل ومن أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد فقيل وقد أرسل إليه قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحَّب ودعا لي بخير ثم عُرِجَ بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل ومن أنت قال جبريل فقيل ومن معك قال محمد فقيل وقد أرسل إليه قال قد أرسل إليه قال ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى فرحَّبا ودعوا لي بخير ثم عُرِجَ بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل فقيل ومن معك قال محمد ^ فقيل وقد أرسل إليه قال وقد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلام فإذا هو قد أُعطيَ شطر الحُسنِ فرحب ودعا لي بخير ثم عُرِجَ بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد فقيل قد أرسل إليه قال قد أرسل إليه ففتح الباب فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير ثم قال يقول الله عز وجل { ورفعناه مكانا عليا } ثم عُرِجَ بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل فقيل ومن معك قال محمد فقيل قد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد فقيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى عليه السلام فرحب ودعا لي بخير ثم عُرِجَ بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم وإذا هو مستند إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذُهِبَ بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقِلالِ فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها قال فأوحي الله عز وجل إلى ما أوحي وفرض على في كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال ما فرض ربك على أمتك قال قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فان أمتك لا تطيق ذلك وأني قد بَلَوْتُ بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت أي ربِّ خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقال ما فعلت قلت حط عني خمسا قال ان أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لامتك قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى ويحط عني خمسا خمسا حتى قال يا محمد هي خمس صلوات في كل يوم وليلة بكل صلاة عشرة فتلك خمسون صلاة ومن هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبت حسنة فان عملها كتبت عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فان عملها كتبت سيئة واحدة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لامتك فان أمتك لا تطيق ذاك فقال رسول الله ^ لقد رجعت إلى ربي حتى لقد استحييت .
فهل شطبت الخمسون صلاه من اللوح المحفوظ و أصبحت خمس صلوات ؟ . . لا
. بقيت كما هى . . و جرى التخفيف فى الألواح التى تتدلى من اللوح المحفوظ و التى تسمى ألواح المحو و الإثبات . . إن اللوح المحفوظ لا يعدل . . لكن . . التعديل فى ألواح المحو والإثبات.
و يمكن أن يكتب شخص ما شقيا فى اللوح المحفوظ . . لكن الله يغيره فى ألواح المحو والإثبات . . بالدعاء . . كذلك يمكن تغيير عمر شخص آخر . . ليطول بصلة الرحم . . و كل ذلك إظهار لطلاقة القدره الإلهيه . . لأن الله لو أستطاع أن يكتب و لا يستطيع أن يمحو لكان عليه سلطان . . و الله مطلق القدره و الإراده . . لا سلطان عليه.
يقول سبحانه و تعالى : [ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ ] (29 ق) . . و لم يقل ( ما يبدل قولى ) المقصود بعدم تبديل القول لديه . . أن ما نقوله نحن فى الدنيا لا يتبدل عنده فى الآخره . . فلا يجرؤ أحد أن يطعن بالتزوير.
إن طلاقة القدره تعطى الله سبحانه و تعالى الحق فى أن يضيف و يمحو . . كما هو الحال بالنسبه للناسخ و المنسوخ من آيات القرآن . . و طالما وجدت ألواح المحو و الإثبات فإن الدعاء ضروره ملحه للتغيير.
اللهم إن كنت كتبتنى عندك فى أم الكتاب شقيا أو محروما أو مطرودا أو مقتر على فى الرزق فأمح اللهم بفضلك شقاوتى و حرمانى و إقتار رزقى و أكتبنى عندك فى أم الكتاب سعيدا مرزوقا موفقا للخيرات فإنك قلت و قولك الحق فى كتابك المنزل على نبيك المرسل [ يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ] (39 الرعد).
هذا الدعاء يراه البعض أنه باطل حيث إنه لم يرد به نص عن رسول الله و يراه البعض الآخر باطلا حيث أن كلماته غير معقوله . . مثل . .” أشطبنى ” و ” أكتبنى ” . . كما أنه يوحى بالتلاعب فى اللوح المحفوظ . . و الرد على هؤلاء ببساطه أنه ليس كل دعاء ورد عن رسول الله . . يقول سبحانه و تعالى [ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِىٓ ] (60 غافر) . . و لم ينزل نصا معينا بالدعاء . . أما كون ألفاظه غير معقوله ففى الإلهيات لا مجال للمعقول و المنقول . . فهو سبحانه و تعالى يغير و لا يتغير . . كل فعل عنده ممكن . . و تركه ممكن . . و ليس عليه مستحيل . . فأى طلب يطلبه الأنسان من ربه حتى و إن بدا غير معقول عند الناس هو طلب مقبول عند الله . . نحن نطلب المعقول و غير المعقول من الله وهو مطلق الأراده يعطينى أو لا يعطينى.
إن تقييد العلاقه بين الله و عبده لا معنى له . . و لو حدث ذلك فإننا جميعا نكون قدريين . . كل ما كتب علينا ينفذ و لا يتغير . . لو قبلنا ذلك فإننا لا نؤمن بقدرة الله على المحو و الإثبات . . و هو القادر على أن يأتى بخلق آخر غيرنا . . يقول سبحانه و تعالى : [ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ ] (20،19 إبراهيم)..
و يقول للنبى: [ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً ] (86الإسراء).
و لقد وصل الخلاف إلى رفع اليدين عند الدعاء فيقولون فى إتجاه القبله فقط . . و القبله هى الكعبه والكعبه هى قبلة الصلاه [ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ] (144 البقرة،150البقرة) . . أما قبلة الدعاء فهى السماء . . و السماء فى كل مكان . . ( أينما تولوا فثم وجه الله ) . . و ما أجمل أن يرفع الإنسان يديه إلى الله بالدعاء أمام قبر رسول الله . . يرفع يديه بالدعاء ووجهه إلى رسول الله . . فلو كان المقصود برفع اليدين بالدعاء أمام القبر الشريف هو رسول الله لتغير الحال و لما رفعت الأيدى إلى السماء بل أتخذت إتجاه القبر الشريف و هو ليس فى السماء . . إن الدعاء برفع اليدين إلى السماء يكون فى أى مكان . . و أمام أى إنسان سواء كان صالحا أم طالحا . . و الله موجود فى كل مكان و ليس فى السماء فقط . . لكننا وجدنا النبى يفعل ذلك و يرفع يديه عند الدعاء إلى السماء إجلالا و تعظيما و إشاره إلى السمو اللإلهى.
كان الإمام مالك يجلس ووجهه إلى قبر رسول الله فجاء الخليفه المنصور و أستحى أن ينتقده أو يطلب منه تغيير جلستة لتكون فى إتجاه القبله فسأله سؤالا يفهم منه ما يريد . . ( هل أستقبل القبله وأدعو أم أستقبل رسول الله و أدعو ؟ ) .
. فأجاب الإمام مالك رضى الله عنه : و لم تصرف وجهك عنه و هو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم من قبل ؟ . . هكذا أجاب واحد من الأئمه الأربعه .
وفي المستدرك على الصحيحين الجزء (2) ص(672)
4228 – حدثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل ثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق
بن إبراهيم الحنظلي ثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله : يا آدم و كيف عرفت محمدا و لم أخلقه ؟ قال : يا رب لأنك لما خلقتني بيدك و نفخت في من روحك و رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك و لولا محمد ما خلقتك.
وكما ورد فى مسند ابن حُمَيد الجزء (3) ص(65) :
1130 – أخبرنا جعفر بن عون قال أخبرنا موسى بن عبيدة عن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال قال جابر قال رسول الله ^ : (لا تجعلوني كقدح الراكب إن الراكب إذا علق معاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء فإن كان له حاجة في الوضوء توضأ وإن كان له حاجة في الشرب شرب وإلا أهراق ما فيه اجعلوني في أول الدعاء وفي وسط الدعاء وفي آخر الدعاء ) .
و لا حول و لا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في أغسطس 10th, 2010