الخطأ . . خطأ . . و لو دافع عنه كل علماء المسلمين
صوت الأمة العدد 190
19/7/2004
فى حالة الضروره يمكن أن نستخدم السكين الحاد ليكون مشرطآ للجراحه . . لكن . . هل يصبح السكين الحاد مشرطآ ؟ . . و يمكن أن تستخدم أسنانك فى فتح زجاجة مياه غازيه . . لكن . . هل تطلق على أسنانك فتاحة مياه غازيه ؟ . . و لو ركبت أتوبيسا لأول مره ووجدته مزدحما فهل تصبح الزحمه إحدى سمات الأتوبيس . . بحيث لو وجدت أتوبيس غير مزدحم . . لا تعتبره أتوبيسا ؟ .
الحقيقه أن ذلك حدث بالنسبه لكلمات لا حصر لها فى اللغه العربيه . . فقدت معانيها . . وأختلطت . . و إختلفت . . و بعدت عن حقيقتها . . ومن كثرة الإستعمال الخاطىء للكلمات إكتسبت المعانى البعيده الغربيه حجيتها بالأقدميه . . على طريقة الخطأ الشائع صواب . . والأمثله كثيره على ذلك .
عندما يقرا القارىء فى سرادق العزاء قوله تعالى: [ يَآ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْـمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِى * وَادْخُلِى جَنَّتِى] (27-30 الفجر) يسارع الناس بالترحم على الميت و هم يظنون أنه المقصود بهذه الآيه مع أنها لا علاقة لها به . . فالمقصود بالنفس المطمئنه إحدى الأنفس السبع التى إبتلى بها الإنسان من أثر الران الوارد فى قوله تعالى : [كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ] (14 المطففين) .
و من الأخطاء الشائعه أيضا .. أنه عندما نسمع قوله تعالى: [ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ] (26الرحمن) نظن أن كل من على الأرض إلى فناء و زوال . . إن الآيه غير مسبوقه بما يشير إلى الأرض . . بل يقول الله تعالى : [ وَلَهُ الْجَوَارِ الْـمُنشَئَاتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ] (24-26 الرحمن) . . فلا يوجد ذكر للأرض . . و لكن الخطأ شاع فحفر لنفسه أخدودا فى عقول العلماء .
وخطأ آخر..عندما نسمع أن سيدنا نوح عليه السلام ظل رسولا فى قومه ألف سنة إلا خمسين عاما نظن أن مدة دعوته 950 سنة..والحقيقة أن دعوته كانت ألف سنة منها خمسون عاما..والسبب هو أننا نجهل الفرق بين السنة والعام..فوضعنا معنى العام على كلمة السنة فأصبحت الألف 950 سنة.
فى الآية رقم (47) من ( سورة يوسف ) يقول سبحانه وتعالى : [ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِّـمَّـا تَأْكُلُونَ ].. وفى الآيه التالية : [ ثُمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِّـمَّـا تُحْصِنُونَ ].. وفى الآيه التالية : [ ثُمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ]..وواضح أن الله استخدم كلمة سنة وجمعها سنين للتدليل على السوء والقحط .. واستخدم كلمة عام للتدليل على الغوث والرخاء .. وكل من العام والسنة يسمى بالحول .. لكن السنة هو حول سيئ .. والعام حول حسن .. وهذا الفرق ليس رفاهية .
وكما ورد فى صحيح مسلم الجزء(3)ص(1525-1526) :
178-1926- حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ^ : ( إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في السَّنَةِ فأسرعوا عليها في السير وإذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطريق فإنها مأوى الهوام بالليل) .
{ شرح مسلم } : ( الخصب ) هو كثرة العشب والمرعى وهو ضد الجدب .
السنة : هي القحط ومنه قوله تعالى ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين أي بالقحوط.
ولكن لدقة تفسير القرآن..فعندما يقول الله سبحانه وتعالى : إن دعوته سيدنا نوح كانت ألف سنة إلا خمسين عاما فإن بعض مشايخنا الكبار طرحوا الخمسين عاما من الألف سنة وتوصلوا إلى أن دعوته سيدنا نوح كانت 950 سنة.. وهو تفسير متسرع لا يفرق بين كلمة سنة وكلمة عام.. ولو عرفنا الفرق لتوصلنا بسهولة إلى أن دعوة نوح هى ألف سنة كاملة.. منها خمسون عاما حسنة..والباقى سنوات سيئة.
من الأخطاء الشائعة أن أهل الكهف لبثوا فى كهفهم 309 سنة..ولكن لو كان هذا الأمر صحيحا ما أتبع الله قوله [ ثَلَاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُواْ تِسْعاً ] (25 الكهف) بقوله تعالى [ قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ (26 الكهف)..وهنا إشارة إلى أن المتقولين تحدثوا عن العدد الخاص بأهل الكهف أهم ثلاثة رابعهم كلبهم ، أم خمسة سادسهم كلبهم أم سبعة ثامنهم كلبهم..ولكن الله يقول قُل رَّبِّىٓ أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ] (22 الكهف) .. فهنا أجاز الله أن يعلم بعض الناس عددهم ..وقوله سبحانه وتعالى : ولبثوا (الواو واو العطف) على قوله تعالى [سَيَقُولُونَ] .. أى سيقولون أيضا أنهم لبثوا فى كهفهم 309 سنوات .. ولكن الله أغلق الباب فى وجه من يعلم كم لبثوا فقال: [قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ ]..ولكن ..هذا المعنى استقر فى الوجدان وحفر لنفسه مجرى يسير فيه من بداية القصة حتى اليوم .
كل هذه الأخطاء أيضا حفرت لنفسها عند الناس أخطاء سببها أن الكلمات حملت معانى ليست لها..فضعفت اللغة وضاعت روحانيات القرآن.. وفقد كثير من العلماء قدرتهم على صواب التفسير..واستمر التلبيس الذى حدث لأبليس عند خلق ابينا آدم من تراب ورأى ابليس من وجهه نظره أنه خير منه فقال : [ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ] (12 الأعراف،76ص)..التكبر الذى أصاب إبليس يوم خلق أبينا آدم أصيب به بعض الناس فى زماننا هذا فانكروا أن آدم أول البشر.. أول انسان خلق بلا اب او أم ،فمن العجيب أنهم ينكرون أن حواء خلقت بأب وبغير أم وبقى عليهم أن ينكروا أن سيدنا عيسى هو كلمة الله القاها إلى مريم البتول عليها السلام .. يريدون أن يطفئوا نور الله بافواههم..ليس بالنفخ فيه ولكن بالقول الذى ينال من الحقائق .. ولو استمرت الحقائق مقلوبة سنوات وسنوات ربما تحفر لنفسها هى الأخرى مجارى أو أخاديد تغيرها..وتنال من روحانية القرآن وإعجاز معانيه وقوة مبانيه.
ونضرب مثالا لكلمات مترادفة .. العمل والفعل .. فنحن نستخدم الكلمتين بمعنى واحد.. ولكن المسافة فى الحقيقة بينهم شاسعة.. فالعمل هو تنفيذ ما أمر الله به فى قوله تعالى : [ وَقُلِ اعْمَلُواْ] (105 التوبة) وقوله [ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ] (25البقرة،277البقرة،57آل عمران) وقوله : [اعْمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُدَ ] (13 سبأ) وقوله: [ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم ] (195 آل عمران).. هذا هو العمل.. لا يعتد به إلا إذا كان مسبوقا بنية مقيدة بحكم شرعى.. لقد قال الله اعملوا ولم يقل افعلوا.. لم يقل الذين آمنوا وفعلوا الصالحات ولم يقل افعلوا آل داود.. فالفعل أمر عادى لا يشترط فيه النيه ولا التقيد ..مثل الماكل والمشرب ولعب الرياضة والنوم والجرى والسفر.. فكلها افعال غير مسبوقة بنية وغير مقيدة بحكم شرعى .
هذا هو الفرق بين العمل والفعل ويبقى أن نعرف أن الصنعة..وهى الإتيان بحركة لتحويل خامة إلى سلعة أو منتج.. وقد ورد ذلك فى قوله تعالى : [ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ ] (38 هود) وعن سيدنا داود يقول سبحانه وتعالى [ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ] (10 سبأ) ويقول سبحانه وتعالى عنه أيضا [ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ ] (80 الأنبياء).
وهناك فروق فى المعانى واضحة وكبيرة بين كلمات نستخدمها مترادفات مثل الوثن والصنم والتمثال.. إن الوثن إله يعبد لذاته.. والصنم هو واسطة بين الإنسان والإله أما التمثال فهو منحوت لا قيمة له ولا معنى.. ولو استخدمنا الكلمات الثلاث بمعنى واحد يصبح الوثن صنما والصنم تمثالا ويصبح التمثال حراما.. ولو فرقنا بين معانى الكلمات بدقة لوجدنا أن الوثن والصنم حرام والتمثال ليس حراما.
لقد جعل الذين لا يعلمون المعانى تتشابه وتتشابك وتعتدى على بعضها البعض..بمعنى آخر أصح راح بعض العلماء يستخدمونها فى الاعتداء على نهج الحقيقة مستندين على مرجعية من الكتب الصفراء وكأنهم ينقبون فى حفريات وآثار.. وكل ما يفلحون فيه أنهم يقولون فلان قال وفلان عاد ويحولون البشر العاديين إلى بشر مقدسين لا يجوز المساس بهم حتى لو مسسنا جوهر الدين وحجيته وهو ما ولد الإرهاب وسطوة الجهل بين من يقولون على أنفسهم علماء.
يقول سبحانه وتعالى : [ إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ الْـمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ وَكُلَّ شَىْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ] (12 يس) ففهم البعض ذلك على أن هذه الآثار هى كتب السابقين وكأن هؤلاء السابقين معصومون .. وكأنه كلما اصفر الكتاب كلما زادت أهميته وحجيته .. إن ذلك يصلح مع الجبن الرومى .. لا مع العقل والدين .
إننا إذا ورثنا ثروة عن أهلنا نزودها وننميها ونضف إليها فلماذا لا يحدث ذلك مع كتب الأقدمين وأفكارهم؟.. لماذا لا نفعل ذلك مع العلم والاجتهاد والتفسير؟.. إن الجمود يعنى التخلف والتخلف يعنى الإرهاب والإرهاب يعنى ضياع البشر والموارد وكل ما هو حى..نحن نزيد فى الجهل ولا نريد العلم
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في أغسطس 10th, 2010