الذي يدعو إلى التغيير يبدأ بنفسه

صوت الأمة العدد 162
5/1/2004

ربما كان أشهر أمراضنا الاجتماعية. ربما كان أسوأ عادتنا الشخصية أن ننتقد غيرنا ونقتنع بأنفسنا. أن نستهلك وقتنا وجهدنا وأعصابنا في متابعة ما يجري للآخرين بينما نحن في حاجة إلى كل دقيقة نضيعها في ذلك إن بيوتنا من زجاج ورغم ذلك نصر على أن نلقى الناس بالحجارة. تجد شخصا بدينا مترهلا يكاد لا يلتقط أنفاسه ينصحك بفوائد الرشاقة وأهمية الرجيم تجد شخصا جاهلا سعيدا بظلام عدم المعرفة يفرط في شرح أهمية العلم وضرورة اللحاق بركبه.. تجد شخصا فاسدا كسولا لا يمل من الحديث عن النزاهة والشرف وقيمة العمل وفي كل هذه الأحوال وغيرها لا أنت ستسمع منه ولا هو سيفعل شيئا هنا تأتي قيمة الآية الكريمة [إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ] (11 الرعد) الذي يدعو إلى التغيير يبدأ بنفسه السمين يغير من عاداته الغذائية قبل أن يفرط في الحديث عن الرشاقة. الكذاب يغير من عاداته النفسية يكف عن الكذب قبل أن يحرض الناس على الصدق ..المصاب بالسكر يغير من نوعية طعامه قبل أن يتكلم عن أضرار السكر على تصلب الشرايين وأمراض القلب.. المصاب بالبلهارسيا يغير من طريقته في الاستحمام قبل أن ينصح الناس بالابتعاد عن الترع والبرك. لقد أعطانا الله الشيء وضده وهدانا النجدين (سبيل الخير وسبيل الشر) فإذا أصابنا من الشر شيئا فإن تغييره يكون بتغيير ما أدى إليه لا ننزل ترعة حتى لا نصاب بالبلهارسيا فالله لن يغير ما بنا من بلهارسيا حتى نغير ما بنا من عادة الاستحمام في الترع . التغيير هنا يكون بالوعي والثقافة نعرف خطورة البلهارسيا قبل أن ننزل الترع .. نعرف تأثير التدخين قبل أن نشعل سيجارة ..كل ما نعاني منه من أنفسنا .. يقول سبحانه وتعالى: [ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ] (79 النساء). إن النبي ^ عندما أراد أن نغير ما بالقوم من شرك وكفر في زمن لم يقتلهم ولم يدمرهم. وقد بعث ليجد الناس تعبد الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى ويعبدون الأوثان على إنها ألهة لكنه لم يكفر اصنامهم بل صبر عليهم وعلمهم التوحيد فلما دخل الإيمان قلوبهم خرج الشرك منها وأتبعه الكفر ايضاً …أبصروا بنفس العيون التي كانوا يبصرون بها سابق. وبنفس القلوب التي كانت في صدورهم من قبل. وبنفس العقول التي كانت في رؤسهم قبل ذلك. لقد أبصروا التماثيل التي كانوا يعبدونها من قبل فوجدوها بعد أن غيروا ما بأنفسهم مجرد حجارة لا تضر ولا تنفع ولا تصلح لشيء مما كانت تقدس به. لا تصلح أن تكون آلهة تعبد بذاتها أو لتقرب إلى الله ..هنا غير الله ما بهم من شرك وكفر لأنهم غيروا ما بأنفسهم من تصورات إيمانيه خاطئة وفعلوا ذلك إستعانة برسول الله ^ .. إن الرسول لم يقتلهم ولم يكسر أضلاعهم بل ساعدهم على نزع الشرك من قلوبهم فماتت الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها وهي منتصبة أمامهم ماتت واقفة .. ولا يتعلل أحد بما فعله سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما كسر الأصنام.. فهو عندما فعل ذلك زادت تجارة الأصنام وتحمس لها الناس وحسنوا في صنعها.. ولم يقض على الشرك والوثنية. يقول سبحانه وتعالى: [ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ] (17 فصلت) .. أي دللناهم على الهدى.. وهو يعني أنه ترك لهم الخيار لكنهم [فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى ] إختاروا الظلام.. السواد..العمى.. وهو ما يعني أن الله لم يرغم الناس على الهداية.. وكان سبحانه وتعالي قادرا على ذلك.. فلماذا يصر البعض على قتال غيره بدعوى الهداية.. لا هداية لمن لا يريد أن يغير ما بنفسه..وقد استخدم  الله كلمة “إستحبوا” .. وهي تعني أنه ترك لهم الخيار.. لم يرغمهم على شيء. كونك تجد شخصا يريد أن يهديك بالعافية.. أهو أعلم أم الله؟.. أهو أقدر أم الله؟ .. أهو صاحب الدين أم الله؟ .. إن الله هو الذي خلقنا ويعرفنا جيدا ومع ذلك خيرنا بين الخير والشر..بين الكفر والإيمان .. بين الشرك والعبادة .. إن ذلك يبدو واضحا مؤكدا في كلمة [ فَاسْتَحَبُّوا ] .. فاستحبوا معناها  “إختاروا” اختاروا بأنفسهم العمى على الهدى.. فإذا كان الله لم يرغم الناس على الهداية وكان يقدر على هدايتهم غصباً عنهم فلماذا يصر الناس على ذلك؟ .. لماذا يصرون على هداية غيرهم بالعنف والقسوة؟.. لقد ترك الله حرية العقيدة لعباده..وكان يستطيع أن يلوي أعناقهم.. إنها ديموقراطية السماء التي لم يتعلمها المتطرفون الذين تصوروا أنهم يمكن أن يصلوا إلى هداية الآخرين بالعافية.. وفي نفس الوقت بسط الله يده ليتوب كل من أذنب وليؤمن كل من كان على الشرك..فمن يملك قدرة الله حتى يستخدم العنف لهداية الناس؟..ولو استطاع هذا الشخص السيطرة على البدن بالحبس, والقوة, والجلد, والتعذيب ,والتخريب ,والتفجير, فهل يستطيع أن يفتح القلوب ويدخل فيها الإيمان؟.
إذن مبدأ الهداية بالقوة ليس إرادة إلهية ولا سلوكاً نبويا ولا تراثا تركه لنا السلف الصالح.. ولا طائل منه إلا إذا كان الأمر يتعلق بالتعلل خدمة لغرض ما.. غرض أخر.. يجعله يبالغ في العنف.. فمن يشرب سيجارة يكفرونه.. ومن يبتسم يقتلونه.. فالحرق عندهم أسهل من الإصلاح..يقول سبحانه وتعالى: [ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِاللهِ ] (88 هود).. لا نملك في الدعوة إلى الله إلا الحكمة والموعظة الحسنة والحوار بالتي هي أحسن.. وهي أدوات ثقافية عالية لا تتوافر إلا في عدد قليل من البشر.. أما التدمير والحرق والتخريب فلا يحتاج إلى هذه القدرات.. يحتاج فقط إلى سلوكيات همجية.. بربرية.. بلطجية

ولا حول ولا قوة إلا بالله