[وإن أحد من المشركين استجارك فأجره … ثم أبلغه مأمنه]

صوت الأمة العدد156
24/11/2003

رغم التفجيرات التي تحدث في أماكن مختلفة من خريطة الدنيا وتنسب إلى مسلمين متطرفين فإننا نصر على أن الإسلام لا يحرض على الإرهاب ولا يدعو إليه .. الإسلام يحرص على أرواح  المسلمين وأرواح غير المسلمين ..  فغير المسلمين هم مشروع مسلمين فيما بعد .. لا يجوز خسارتهم في أي وقت . ولو كان في الإسلام إرهاب فهو إرهاب لمنع الحرب والموت والخراب وليس إرهابا للقتل وسفك الدماء .. إن التهديد بالقوة في الإسلام أفضل من استخدامها .. وعلى الذين يفهمون غير ذلك أن يعيدوا حساباتهم .. وعلى الذين يفعلون خلاف ذلك أن  يراجعوا تصرفاتهم وتفسيراتهم .. فالخطأ فيهم وليس في الإسلام .. والضعف في عقولهم وليس في الإسلام . لقد رفض المشركون أن يدخل المسلمون مكة ونقضوا العهد معهم .. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم  المسلمون بأن يشعلوا نارا كثيفة ينبعث منها دخان ليرهب المشركين .. وكان من ضمن قواعد الاستطلاع أيامها أن كل عمود دخان يجلس حوله 10 أفراد .. فإذا أحصى الطرف الآخر عدد أعمدة الدخان عرف عدد المقاتلين .. استفاد الرسول ^ من هذه الحقيقة .. وأمر كل واحد من صحابته بإشعال من عشرة إلى عشرين عمود نار .. فنظر أهل مكة فقدروا أعداد المسلمين بأكثر من حقيقتهم .. قدروها بحساباتهم المعتادة .. وقالوا : إن محمدا ^ أتي بجيوش لا قبل لنا بها. فألقى الرعب في قلوبهم .. وقرروا أن يرسلوا من يتفاوض معه سلميا. هذا هو الإرهاب في الإسلام .. أن يشعر الطرف الآخر بالقوة الرهيبة حتى لا يضطر إلى التورط في القتال ..أرسل المشركون من يتفاوض مع المسلمين .. فقال الرسول ^ بعد أن تمكن منهم: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) . لم يثأر لنفسه ولا لطرده من بلده ولم يتذكر استيلاءهم على أموال المسلمين ولم يقتص منهم لقتل المسلمين في الغزوات السابقة. فكما ورد في سنن البيهقي الكبرى – الجزء (9) ، ص (200) :
18276 – أخبرناه أبو بكر بن المؤمل أنبأ أبو سعيد الرازي ثنا محمد بن أيوب أنبأ القاسم بن سلام : فذكره وفيما حكى الشافعي عن أبي يوسف في هذه القصة أنه قال لهم حين اجتمعوا في المسجد ما ترون أني صانع بكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء… بل قال لهم : ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ) .
فأين الإرهاب هنا ؟! لقد حدث إرهاب ولكنه إرهاب وقائي يمنع بدء المعركة. ويحقن الدماء ويظهر عفو رسول الله ^ عند قدرته على القصاص .. فإذا كان هذا الإرهاب يؤدي إلى الأمن فلتسمه إرهابا .. لكن .. الرسول عليه الصلاة والسلام لم يدخل مكة منتهكا لأعراض أهلها مستبيحا أموالهم .. وبعدها دخل الصحابة المسجد الحرام آمنين. يقول سبحانه وتعالى: [ لَّقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْـحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الـْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ] (27 الفتح) .. وكان أن أسلم عدد كبير من أهل مكة بعد الفتح .. لقد كان يمكن أن يقتل هؤلاء لو جرت معركة قبل الفتح بين المشركين والمسلمين .. ماذا لو كان هؤلاء الذين دخلوا الاسلام قد قتلوا ؟ .. كانوا سيكونون خصما من رصيد المسلمين وخسارة من منظور النبي ^.. قتل المشركين من منظور النبي ^ خسارة .. فهم مشروع مسلمين ولو كانوا مشركين. إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرسل لاستعباد البشر ولا أي نبي أرسل كي يستعبد الخلق .. قال تعالى : [ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّـبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِي ] (79 آل عمران) .. ولا يختلف نبي عن نبي ولا رسول عن رسول لأن كل الأنبياء أرسلوا من عند الله إلى خلق الله بمراد الله .. ولو كان مراد الله إفناء الخلق لما خلقهم أساسا .. ولكن ديمقراطية التشريع هي التي جعلت الرسل يعلمون الخلق الخطأ والصواب ويتركون لهم حرية الاختيار .. ثم ينبه الله إلى الثواب والعقاب .. وكذلك يفتح باب الشفاعة والاستغفار والتوبة .. يقول سبحانه وتعالى للنبي ^ : [وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْـمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ] (6 التوبة) إذن لا اعتداء على السياح ولا الأجانب حتى لو كانوا مشركين .. هذا مخالف للدعوة الإسلامية وسلوك النبي ^ و للأوامر الإلهية .. فهو إذا دخل بيتنا فهو آمن .. وواجبنا حمايته  نحميه حتى نبلغه مأمنه .. يقول سبحانه وتعالى:[ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللهُ ءَامِنِينَ ] (99 يوسف) ويقول سبحانه وتعالى عن البيت الحرام : [ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِناً ] (97 آل عمران) .. ومن ثم فإن التفجيرات التي تروع المسلمين في مكة .. وغير المسلمين في أماكن إسلامية أخرى حرام ..ولا أحد يقدر على أن يفتى بغير ذلك إلا إذا كان متعسفا قاسيا في تفسير كلام الله وسنة رسوله

ولا حول ولا قوة إلا بالله