هل كان العالم يحتاج النبي محمد؟

صوت الأمة العدد 157
1/12/2003

 كما تحتاج الأرض البور إلى يد تنقذها من قسوة مصيرها ، كان العالم يحتاج إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم  ليعيد إليه أمنه وسلامه واستقراره ، يرفع عن ظهره خشونة الظالمين ويستبدلها برحمة الله التي وسعت كل شيئ ، يمزق صفحة سفك الدماء والاعتداء على الأعراض ويضع مكانها صفحة الوصول بالناس إلى بر الهداية بالحكمة والموعظة الحسنة .. لا يحرم أحدا من حق الحياة مهما كانت عقيدته وأفكاره ، فقد حمل الرسول ^ رسالته على جناح الأمل ، فكل كافر يقابله هو مشروع مؤمن غدا .. ولو حكم بقتله فإنه يحرم الإسلام من مؤمن يمكن أن يضاف إلى قائمة المؤمنين غدا. لم يكن غريبا بعد ذلك أن يقدر الرسول الحياة ويحترمها إلى درجة تتنافي تماما مع كل ما يلصق المشروعية بالقتل والتفجير والإرهاب والتكفير  بالإسلام .. فالرسول جاء بالحياة وليس بالموت .. بالسلام وليس بالإرهاب .. بالتفكير وليس بالتكفير .. بالبناء وليس بالتفجير .. ولو كان هناك مسلم قاتل فليس كل المسلمين قتلة .. ولو كان هناك مسلم إرهابي فليس كل المسلمين إرهابيين .. إن في كل الديانات والجنسيات قتلة ولصوص وإرهابيين .. لكن ليس معنى ذلك أن هذه الأديان تحمل بين تعاليمها ما يجيز القتل أو اللصوصية أو الإرهاب. وعندما يمسك البعض بدعوة الإسلام إلى التسلح بالقوة ويرفعها في وجوهنا دليلا على أن الاسلام دين عنف ، فإن المنطق يفرض علينا أن نقول : إن القوة في الإسلام جعلت فقط لحماية المستضعفين كي يأخذوا الفرصة لينطقوا الشهادتين علنا دون خوف .. يقول سبحانه وتعالى : [ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ] (60 الأنفال) ولو قال ترهبون بها ” أي القوة ” .. فيكون قصده من ذلك الأرهاب بالقوة لكنه قال ترهبون به ” أي رباط الخيل ” .. فما هو رباط الخيل ؟. الرباط هو الاستعداد الكامل التام الذي يجعل المستعد مختالا بقوته فلو اشترى المسلمون مدافع وطائرات ودبابات وصواريخ ووضعوها في المخازن فهذه قوة معطلة ، لكن التدريب عليها واظهارها واستعمالها وصيانتها وتطويرها بالشكل الذي يرهب العدو بحيث يتجنب الدخول في معركة فهذا هو رباط الخيل ، فالمسلمون يجب أن يظهروا القوة حتى يعمل العالم لهم حسابا.. وهذا دليل شجاعة وليس ضعف .. فإظهار القوة فلسفة إسلامية مهمة للغاية ، أن نرهب عدو الله فنخيفه ونضعفه إلى الحد الذي نحقن فيه الدماء .. وهذه فلسفة الأقوياء لا فلسفة الضعفاء. لا عجب بعد ذلك عندما نقول : إن ” ترهبون ” في الآية مقصود بها منع القتال ولذلك ليس من حق أي من اتباع الرسول ^ أن يقول : أنا مدمر أو أنا مخرب .. فالنبي ^ جاء لينشر الإسلام على الأرض ، ولم يأت لينشر الخراب ويحل القتل والإرهاب والتدمير. إن الرسول ^ ومنذ أن كانت دعوته سرية في مكة كان ينبذ العنف ويرفض الإرهاب ويدين البلطجة .. حتى عندما كان الرسول يتعرض للأذى لم يفكر في رد بأذى أكبر منه .. لقد أذاه المشركون في الطائف وسلطوا عليه سفهاءهم وألقوا عليه الحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين ، فاكتفي رغم ذلك كله بالتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بدعاءه ففي الحديث الشريف في مجمع الزوائد (طبعة دار الفكر) – الجزء (6) ، ص (37-38) :
9851 – عن عبد الله بن جعفر قال : لما توفي أبو طالب خرج النبي ^ إلى الطائف ماشيا على قدميه يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه فانصرف فأتى ظل شجرة فصلى ركعتين ثم قال : (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وهواني على الناس ، أرحم الراحمين أنت أرحم الراحمين إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي أعوذ بوجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك أو يحل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله).
استجابت السماء لكلمات الرسول ^ الواهنة فنزل إليه ملك الجبال ملبيا كما جاء في الحديث الشريف الذي ورد  صحيح البخاري – الجزء (2) ، ص (428-429) :
3231 – حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : حدثني عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي ^ حدثته : أنها قالت للنبي ^ : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال: ( لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يالَيْلِ بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ] جبلان كبيران كان كفار الطائف بينهما ]؟ فقال النبي ^ بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) .
قرن الثعالب : هو ميقات أهل نجد علي يوم وليلة من مكة
لم يستغل الفرصة التي منحته السماء إياها … بل قال عليه الصلاة والسلام: ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) .
ظل الرسول ^ حريصا على الكفار ، إذن فلم يدع عليهم بالهلاك لأنه كان يرى في أصلابهم من سيدخل الإسلام ، وإذا قلت : إن سيدنا نوح عليه السلام دعا على قومه بالهلاك .. فإنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن تأكد أنه ليس في أصلابهم من سيتبعه ويؤمن به وبدين الله. فهذا شأن الأنبياء جميعا. ولذلك فمن حقنا ورغم التفجيرات التي تحدث في أماكن مختلفة من خريطة الدنيا وتنسب إلى مسلمين متطرفين أن نصر على أن الاسلام لا يحرض على الإرهاب ولا يدعو إليه ، فالاسلام يحرص على أرواح المسلمين و أرواح غير المسلمين .. فهم مشروعات مسلمين فيما بعد ولا تجوز خسارتهم في أي وقت ، ولو كان في الإسلام إرهاب فهو إرهاب لمنع الحرب والموت والخراب وليس إرهابا للقتل وسفك الدماء ، فالتهديد بالقوة في الإسلام أفضل من استخدامها ، وعلى من يفهم غير ذلك أن يعيد حساباته ، ومن يفعل خلاف ذلك فليراجع تصرفاته وتفسيراته فالخطأ فيه وليس في الإسلام ، والضعف في عقله وليس في الإسلام. لقد جاء الرسول ^ إلى العالم كي يحيي الناس لا ليستعبدهم ولو كان مراد الله من إرسال نبيه أن يفنى الخلق لما خلقهم  من الأساس ، فديمقراطية التشريع جعلت الرسول يعلم الناس الخطأ والصواب ويترك لهم حرية الاختيار، ثم ينبه الله إلى الثواب والعقاب وكذلك يفتح الله باب الشفاعة والاستغفار والتوبة

ولا حول ولا قوة إلا بالله