هذا هو الإرهاب على الطريقة الاسلامية
صوت الأمة العدد 150
13/10/2003
يكشف الجواب ما فيه من عنوانه .. لكن.. الاسم يمكن ألا يكون على مسمى .. بل يمكن أن يكون عكس المسمى .. ف” قمر” يمكن أن تكون متواضعة الجمال .. و” ست الناس” يمكن أن تكون عاملة بسيطة .. و”عنتر” يمكن أن يكون أشد الناس جبنا .. [إِنْ هِيَ إِلَّآ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ] (23 النجم) . ولو تصورنا أننا أطلقنا اسم فندق ” الهيلتون” على سجن ” أبي زعبل” .. هل سيصبح سجنا خمس نجوم؟ .. ولو تصورنا أن أحد أعضاء تنظيم القاعدة اسمه “بوش” أو “تشيني” أو “باول” فهل نتهم الإدارة الأمريكية بالإرهاب ؟ .. إن الأسماء لا تقول شيئا .. الأسماء لا تصبح صفات.. وبهذا القانون الذى لا طعن فيه لا يجوز أن نصف كل ما هو إسلامي بأنه إرهابي .. فالاسلام شيئ .. والارهاب شيئ آخر .. الارهاب عمل فردي مهما كانت دوافعه ومبرراته .. والاسلام دين سماوي جاء لهداية البشرية لا لنسفها وحرقها . إن الربط بين الاسلام والارهاب خطأ شائع وأحيانا متعمد .. وهو يحمل درجة عالية من الاستسهال بنفس الدرجة التي إستسهل بها الناس تصورهم للملائكة و إدعاءهم أنهم إناث .. يقول سبحانه وتعالى : [ وَجَعَلُواْ الْـمَلَآئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُـهُمْ وَيُسْئَلُونَ ] (19 الزخرف) .. أي سيحاسبون .. وفي الحساب زجر .. والزجر هو التعريف بحدود الله .. وفي الحساب والزجر لغة تبدو شديدة التهديد .. لغة فيها ترهيب .. لكنه ترهيب فيه مصلحة للمخطئين .. فالله لا يتركهم على ما هم .. لايتركهم على أخطائهم ليحاسبهم بعد ذلك يوم القيامة .. لولا الترهيب هنا ما انتبه المخطئون ولبقوا على ما هم فيه ليفاجأوا بالحساب يوم القيامة . لكن .. ذلك أسلوب الضعفاء .. الذين لا يستطيعون المواجهة .. ويؤجلونها إلى اللحظة المناسبة .. على أن الله سبحانه وتعالى هو القوي الجبار الذي عليه أن ينذر قبل أن يحاسب .. ويعاقب .. وهنا نجد فرقا بين مكر الله ومكر الناس .. أو نجد فرقا بين المكر الحسن والمكر السيئ .. يقول سبحانه وتعالى : [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْـمـَاكِرِينَ ] (30 الانفال ) .. الناس ضعفاء .. يخبئون حجتهم ليستخدموها وقت اللزوم .. في الوقت المناسب بصورة مفاجئة .. مباغتة.. مذهلة .. وقاتلة .. لكن .. مكر الله يظهر ما عنده سبحانه وتعالى من قوة .. يخبر عن القوة التي عنده .. القوة التي أعدها لمن يرتكب خطأ .. فأخبر سبحانه وتعالى أنه قادر على العقاب .. ليفتح بذلك باب الرجوع عن الخطأ .. أخبرنا عما خبأه من عذاب حتى لا نستمر فيما نحن عليه .. لو قرأت في القرآن الكريم أن لدى الله أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما هل ستستمر في معصية الله ؟ .. هو يقول ذلك حتى ينفذ الناس ما أمر به وينتهوا عما نهي عنه .. فلا يحرقهم يوم القيامة .. وهو أشبه بإعلان القدرة و القوة .. الذي يؤدي إلى الردع .. وإعادة الأمور إلى نصابها دون إراقة نقطة واحدة من الدماء. إن العبرة ليست بالكلام .. العبرة بما ينفع الناس .. لقد جاء الهدهد بخبر بلقيس ملكة سبأ إلى سيدنا سليمان .. فأرسل إليها رسالة لتأتيه مسلمة .. فجمعت حاشيتها ووزراءها لتشاورهم في طلب سيدنا سليمان .. يقول سبحانه وتعالى : [ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَؤُاْ إِنِّي أُلْقِى إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَآ أَيُّهَا المَلَؤُاْ أَفْتُونِى فِي أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىَ تَشْهَدُونِ * قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ وَأُوْلُواْ بَأْسٍ شَدِيدٍ ] (29-33 النمل) .. ردت عليهم : [ إِنَّ الْـمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْـمُرْسَلُونَ ] (35،34 النمل) .. وعندما وصلت الهدية إلى سيدنا سليمان أن قال [ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ ءَاتَانِ اللهُ خَيْرٌ مِّـمّـَا ءَاتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا ] (37،36 النمل) .. هنا بدأ التلويح بالقوة .. مجرد التلويح بها .. فاستجابت إلى طلبه .. وسافرت إليه .. ولكن .. قبل أن تصل قال سليمان [ قَالَ يَآ أَيُّهَا المَلَؤُاْ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ] (38-40 النمل) .. قبل أن يغمض عينه.. وهو ما حدث .. الذي عنده علم من الكتاب هو وزير سليمان واسمه آصف بن بارخيا . وجاء العرش .. نوعا من استعراض القوة وباستغلال الميزة النسبية ..علم من الكتاب .. والميزة النسبية بلغة عصرنا .. هي كل ما يمنحنا تميزا عن الآخرين ويضاعف من قوتنا .. البترول وقناة السويس .. مثلا .. لقد أظهر سليمان قوته .. ولوح بها .. لم يباغت بلقيس بجنوده .. بل أنذرها لم يتركها على عماها .. وهو نوع من الرحمة .. والثقة .. وهذا هو مكر القوي .. أن يحدد لك النتائج قبل أن ترتكب الجرائم .. لا يتركك ترتكبها لينقض هو ويعاقبك بسببها .. إن الله سبحانه وتعالى لوح لنا بعذاب النار حتى لا نرتكب ما يجعلنا من أهلها .. وفي الوقت نفسه بشرنا بجنات ونعيم ولكن للمتقين .. لو كان الغرض تعذيب الناس لتركهم على جهلهم .. وفاجأهم يوم القيامة بكل ما هو موجود من عذاب .. لكن .. إظهار ما عند الله هو نوع من الرحمة .. فهو لا يريدنا أن نرتكب الأخطاء .. ولا يريدنا أن ندخل النار ونتعذب .. إن ذلك يذكرنا بعبارة ( السرعة مراقبة بالرادار ) .. إنها تجعلنا لا نرتكب المخالفات. ومن ثم فإن ما يمسى إرهابا إسلاميا هو في الحقيقة نوع من الإرهاب الوقائي .. ولا مجال لإظهار القوة فيه سوى منع الوقوع في الأخطاء .. وسوف نضرب أكثر من مثال حي للتدليل على ذلك : يوم إسلام عمر بن الخطاب .. ويوم هجرته من مكة إلى المدينة .. ويوم فتح مكة قبل دخولها .. ويوم فتح مكة عند الطواف بالكعبة .. ويوم حنين .. كل هذه أمثلة ستؤكد المعنى .. ولكن علينا الانتظار إلى العدد القادم
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في يوليو 22nd, 2010