لماذا هاجر عمر جهرا وهاجر الرسول سرا ؟
صوت الأمة العدد 155
17/11/2003
هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة سرا ، بينما هاجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه علنا وجهرا وفي وضح النار .. لماذا كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في الخفاء وهو الأقوى والرمز والنموذج ؟. لقد هاجر النبي ^ سرا لأنه المسئول عن التشريع .. والمسئول عن التشريع يضع في حسبانه تصرفات وقدرات البشر العاديين .. لا الأنبياء المرسلين .. وقد أراد النبي ^ أن يقيم الحجة ويقطع الطريق أمام كل من يتقاعس عن الهجرة بحجة الخوف والبطش .. وأراد أن تكون في الهجرة رحمة ، ومن ثم فقد جعلها سرية . وكان يمكن للنبي ^ أن يستخدم البراق في الهجرة .. فقد كانت الهجرة بعد الإسراء والمعراج .. لكنه .. لم يستخدمه .. واستخدم دابة عادية ليكون نموذجا للمؤمنين العاديين بكل متاعبهم وضعفهم وقصورهم البشري .. بل أكثر من ذلك كان معه صاحب كبير في السن هو سيدنا أبو بكر الصديق .. ثم لجأ إلى الحيلة وهو في طريقه إلى المدينة .. فغار ثور الذي اختبأ فيه كان في جنوب مكة ، بينما هو يقصد شمالها .. واستخدم دليلا مشركا بالأجر هو عبد الله بن أريقط. لكن سيدنا عمر بن الخطاب عندما أراد الهجرة شهر سيفه أمام الجميع وقال كلمته الشهيرة : ( من أراد أن تثكله أمه وترمل زوجه وييتم ولده فليلقني وراء هذا الوادي فإني مهاجر ) .. لقد فعل سيدنا عمر ذلك حتى يرهب من أرهب المسلمين وجعلهم يهاجرون سرا .. وهو عندما يظهر قوته يمنع تعرض غيره له فيقتله سيدنا عمر فيخسر النبي ^ مشروع مؤمن به حتى لو كان كافرا وقت الهجرة .. لقد حافظ الإسلام على دماء المسلمين والمشركين .. حافظ على دماء المسلمين لأنها غالية .. وحافظ على دماء غير المسلمين لأنهم قد يكونون مسلمين فيما بعد. لم يكن سيدنا عمر ليعتدي على أحد ولا يأخذ مال أحد .. ولكنه أعلن هجرته علنا بهذه الجرأة والشجاعة ليترك لهم فرصة الحياة .. أما هجرة النبي ^ سرا فهي حتى يتبعه المسلمون دون تقاعس وحسب إمكاناتهم وقدراتهم .. فليسوا جميعا في قوة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ولو كان سيدنا عمر مشرعا لهاجر سرا حتى يتبعه المسلمون دون تقاعس وحسب إمكاناتهم وقدراتهم .. فليسوا جميعا في قوة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه. كان عليه أن يفعل ما فعل الرسول .. فالله سبحانه وتعالى يقول [ مَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ] (7 الحشر): ولم يقل ” وما أتاكم عمر فخذوه ” .. وسيدنا عمر بذلك لم يخالف رسول الله بأن هاجر جهرا لأن في استطاعته أن يهاجر جهرا .. لكن .. تبقى الحكمة من وراء هجرة عمر بن الخطاب بكل هذه الجرأة .. وبكل هذا التحدي .. إن إستعراضه للقوة .. وتهديده بها .. هو نوع من الإرهاب الذي يفضله الإسلام .. أن نرهب الآخرين بالقوة حتى لا يتورطوا في القتال .. فيخسروا .. ونخسر .. إنه إرهاب لحقن الدماء .. لا إرهاب يدعو للقتل والتفجير والتكفير كما يفهمه بعض الشاردين والمتشددين الذين مسحت عقولهم ودست فيها مفاهيم خاطئة .. مضللة . لا أحد تجرأ على أن يلقى عمر بن الخطاب وراء التل .. خشوه .. وخشوا قوته .. فنجو بأنفسهم .. ولم يفقد ابن أباه .. ولا ترملت زوجة .. ولا فقد مشرك حياته .. هذه هي غاية الإسلام .. الحفاظ على الحياة وصيانتها .. حياة الناس جميعا .. لا حياة المسلمين وحدهم .. فكل مشرك اليوم قد يكون مؤمنا غدا .. أو بعد غد .. ولو قتلناه اليوم لحرمنا من الدعوة فيما بعد .. وقصرنا عدد المسلمين في نطاق ضيق .. محدود.. وما كان الإسلام ساعتها هو دين العالمين .. سيكون فقط دين جماعة محدودة من المؤمنين يسمون أنفسهم المسلمين
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في يوليو 22nd, 2010