لا نبي يدعو إلى البلطجة

صوت الأمة العدد 152
27/10/2003

يدعو الإسلام إلى الرحمة لا إلى الخشونة .. يدعو إلى هداية الناس بالموعظة الحسنة لا بالبنادق الآلية والقنابل اليدوية .. يحافظ على حياة البشر مهما كانوا .. فكل كافر اليوم هو مشروع مؤمن غدا .. ولو قتلناه اليوم فكيف نضيفه إلى المؤمنين غدا ؟ .. ودين يقدر الحياة ويحترمها إلى هذا الحد لا يمكن أن يوافق على التفجير والتكفير والقتل على نحو ما ينسب إليه .. ولو كان هناك مسلم فاجر فليس كل المسلمين كذلك .. ولو كان هناك مسلم لص فليس كل المسلمين كذلك .. ولو كان هناك مسلم إرهابي .. فليس كل المسلمين كذلك .. إن في كل الديانات والجنسيات قتلة ولصوصا وإرهابيين فلا يجوز التعميم .. بل علينا التأني في التفسير وكشف ما هو غائب في بطون التاريخ لشرح حقيقة الإرهاب في الإسلام. لقد كانت كل حروب المسلمين حروبا دفاعية لا هجومية .. كانت ردا على إرهاب يحرمهم من حق الدعوة والعيش بسلام إن غزوة الأحزاب دليل على ذلك .. لقد اجتمعت الأحزاب ( أي الطوائف والملل وذوي الأغراض المشتركة والمتفرقة ضد المسلمين لا يجمعهم سوى بغض النبي عليه الصلاة والسلام ودينه وأصحابه) وقصدوا المدينة .. والمدينة كانت غالبية سكانها من المسلمين .. وقد كان يمكن أن يختبئ المسلمون في البيوت وعلى أسطح المنازل ليتركوا المشركين يدخلونها ثم ينقضوا عليهم .. لكن الرسول ^ أمر صحابته أن يحفروا خندقا حول المدينة .. وكان حفر هذا الخندق ليس خوفا من المشركين وإنما تجنبا للاشتباك معهم قد يخسر فيها بعضا من صحابته وبعضا من المشركين الذين جاء لهدايتهم. كان الخندق مانعا للاشتباك بين الطرفين حقنا للدماء .. ثم كانت المبارزة لإظهار القوة بين عمرو بن ود وسيدنا علي بن أبي طالب .. فبعد أن طال الإنتظار وصبر الرسول ^ والصحابة على سفاهة وتطاول عمرو بن ود ..
 قرر الرسول ^ حصر نطاق المعركة في أضيق نطاق .. رجل لرجل .. ولم يكن لدى سيدنا على سيف فأخذ الرسول جريدة من نخل وأعطاها لسيدنا على .. قائلا .. اخرج عليه يا على .. جريدة مقابل ما في يد فارس شرس لا يشق له غبار مدجج بالسلاح مثل عمرو بن ود .. فتناول سيدنا على الجريدة وبدأ في النزال .. وقد يبدو الطرفان غير متكافئين ولكن تأييد الرسول ^ لسيدنا على ضاعف من قوة إيمانه فاشتدت المعركة بينهما وضربه سيدنا على بقوة فإذا بالجريدة أشد من أمضى سيف فقطع رجل عمرو بن ود .. وتناول سيدنا على الرجل المقطوعة وألقاها على خيام المشركين فأوقعت أكثر من 10 خيام محدثة الرعب بين المشركين .. ولأن الله يعلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد إراقة الدماء أرسل رياحا اقتلعت خيام المشركين فولوا هاربين .. وكفي الله المؤمنين القتال .. وكان الله قويا عزيزا .. إذن لا يحرض الإسلام على القتال .. فالاسلام لم يأت للقضاء على الكفار وإنما للقضاء على الكفر في الناس .. ومن ثم كان يدعو للحفاظ على حياة الناس مهما كانوا .. هذه هي مهمة الرسول الكريم .. تماما مثل مهمة الطبيب الذي عليه القضاء على  المرض لا القضاء على المرضى. فيصبحون أسوياء. يقول سبحانه وتعالى [ مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ ]- ^ – [ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ] (29 الفتح) “. لقد فصلنا هنا بين محمد رسول الله ^ وبين الذين معه .. فكلمة رسول الله ^ تعني الرحمة المطلقة .. أما الذين معه فهم الأشداء على الكفار والرحماء فيما بينهم .. إن سيدنا محمد هو رسول الله ^ .. لا تنتظروا أن يكون مثلكم .. ما وجد في قلبه من رحمة يجعله رحيما ولو بالكفار .. كان جاره اليهودي يلقي عليه القاذورات كل يوم فلما انقطع عن هذه العادة ذات يوم ذهب الرسول إليه وطرق بابه ليسأل عنه .. فعلم أنه مريض .. فقال له الرجل : أتسأل عني ؟ .. فقال الرسول : ( انقطعت عادتك ثلاثة أيام ) .. وكان أن دخل الرجل في الإسلام. لقد جعلت قوة المسلمين فقط  لحماية المستضعفين كي يأخذوا الفرصة لينطقوا الشهادتين علنا دون خوف .. يقول سبحانه وتعالى : [ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ] (60 الأنفال) .. لو قال ترهبون بهما أو بها يكون قد قصد الإرهاب بالقوة .. لكنه قال ترهبون به .. وبه هنا تعود على رباط الخيل .. فما هو رباط الخيل ؟. الرباط هو الاستعداد .. لقوله تعالى : [ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ ] (200 آل عمران) .. ولقول الرسول الكريم عن أهل مصر في كتاب فتوح مصر و أخبارها لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله  بن الحكم بن أعين القرشي المصري في خطبة عمرو بن العاص : (248-250) :
حدثنا سعيد بن ميسرة , عن إسحاق بن الفرات , عن ابن لهيعة عن الأسود بن ملك الحميري , عن بَحير بن ذاخر المعافري عن عمرو بن العاص أنه قال في خطبته : وحدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله ^  يقول : ( إذا فتح الله عليكم مصر ، فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً , فذلك الجند خير أجناد الأرض ) فقال له أبو بكر و لِمَ يا رسول الله؟  قال : ( لأنهم و أزواجهم في رباط إلي يوم القيامة ).
إذن الرباط هذا هو الاستعداد .. فما المقصود بالخيل؟ .. الخيل قد تكون بالمعنى المعروف .. ولكن أن  تضاف إليها كلمة الرباط فلابد أن هناك معنى آخر .. فقد تكون الخيل من الخيلاء .. والخيلاء هي الاعتزاز بالنفس والاعتزاز بالمبدأ والدين والقضية التي نقاتل من أجلها والثقة الكاملة . في أن ما يفعله الإنسان صحيح. إذن رباط الخيل هو الاستعداد الكامل التام الذي يجعل المستعد مختالا بقوته .. كما في قصة إسلام سيدنا عمر وهجرته علنا .. والإحساس بالخيلاء  نراه بوضوح قبل مباريات المصارعة والملاكمة .. حيث يسعى كل طرف لاستعراض عضلاته ليضعف من همة الطرف الآخر في الحلبة .. كل طرف يوحي بتدمير الطرف الآخر .. في نوع معروف من الحرب النفسية .. ويدخل في ذلك أيضا الاستعراضات العسكرية والمناورات والتهديد بالضرب. هنا رباط الخيل .. فلو إشتريت مدافع وطائرات ودبابات وصواريخ ووضعتها في المخازن فهذه قوة معطلة .. لكن التدريب عليها وإظهارها واستعماله وصيانتها وتطويرها بالشكل الذي يرهب العدو بحيث يتجنب الدخول في معركة فهذا هو رباط الخيل .. تظهر القوة ليعملوا حسابنا .. وهذا دليل شجاعة وليس دليل ضعف .. وإظهار القوة فلسفة إسلامية مهمة جدا .. أن نرهب عدو الله .. فنرهبه بمعنى نضعفه ونخيفه إلى الحد الذي نحقن فيه الدماء .. وهذه فلسفة الأقوياء لا فلسفة الضعفاء التي قال عنها الشاعر : ” وضعيفة فإذا أتتها فرصة قتلت ” .. وتلك علامة الضعفاء. إن الإرهاب المقصود به هنا هو منع القتال .. فكل من آمن بنبي يقلده ويحقق الهدف الذي من أجله بعث النبي .. فلم يرسل نبي واحد ليكون مخربا في الأرض .. ومن ثم فاتباع الأنبياء يجب ألا يكونوا مخربين أو مدمرين أو قراصنة أو بلطجية .. وعلى كل من يفعل ذلك ألا يقول إنه من أتباع نبي من الأنبياء .. وكما قالوا : ” المجد لله فى الأعالي وبالناس المسرة وعلى الأرض السلام ” .. لا أحد من أتباع نبي من الأنبياء له الحق في أن يقول أنا مدمر أو أنا مخرب .. فكل الأنبياء أرسلوا لنشر السلام على الأرض

ولا حول ولا قوة إلا بالله