النبيذ والعنب .. الإسلام والإرهاب

صوت الأمة العدد 154
10/11/2003

يقول الله سبحانه وتعالى : [ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْـمُؤْمِنِينَ رَّءُوفٌ رَحِيمٌ ] (128 التوبة) .. هنا لا يخاطب الله المؤمنين  فقط .. وإنما يخاطب المشركين أيضا .. فالاسلام أنزل من أجل الكل .. وهو حريص على الكل .. إن حياة المشرك مهمة في الإسلام مثل حياة المؤمن .. فالمشرك هو مشروع مؤمن لم يكتمل بعد .. ولو قتل .. فإن هذا المشروع ينتهي قبل أن يكتمل بعد …. لذلك فإن الذين يتحدثون عن الإرهاب الإسلامي الذي يقتل الضحايا والأبرياء بطريقة عشوائية لا يفهمون شيئا من الإسلام . إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أذاه المشركون في الطائف وسلطوا عليه سفهاءهم وألقوا عليه الحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين .. لكنه .. اكتفى رغم ذلك كله بأن يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى .
وورد في المعجم الكبير الجزء (13) ص (73)
181 – حدثنا ابو صالح القاسم بن اليثي الراسبي (الرسغني) قال حدثنا محمد بن ابي صفوان الثقفي ، قال :حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا ابي ،عن محمد بن اسحاق، عن هشام بن عروة ، عن ابيه عن عغبد الله بن جعفر قال: لما توفي أبو طالب خرج النبي ^ إلى الطائف ماشيا على قدميه فدعاهم إلى الإسلام، فلم يجيبوه فانصرف، فأتى ظل شجرة فصلى ركعتين ثم قال : (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين، إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي، أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور بوجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تنزل بي غضبك أو تحل عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ،لا قوة إلا بك ).
يومها نزل ملك الجبال وقال : ( يا رسول الله لو أمرتني أن أطبق عليهم الأخشبين (جبلان كبيران كان الكفار بينهما) ) فلم يثأر النبي ^ لنفسه .. ولم يستغل كونه صاحب دعوة مستجابة .. ولم يطلب القضاء على الكفار .. ولم يستغل الفرصة  التي أتيحت له.
كما جاء في الحديث الشريف في صحيح البخاري – الجزء (2) ، ص (428-429) :
3231 – حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : حدثني عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي ^ حدثته : أنها قالت للنبي ^ : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال: ( لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين [ جبلان كبيران كان كفار الطائف بينهما ] ؟ فقال النبي ^ بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) .
إذن الرسول عليه الصلاة والسلام حريص على الكفار مثل حرصه على المسلمين .. إنه لم يدع على قومه بالهلاك كما فعل سيدنا نوح لآن سيدنا محمد ^ كان يرى في أصلابهم من سيدخل الإسلام .. بينما سيدنا نوح لم يدع على قومه إلا بعد أن تأكد أنه ليس في أصلابهم من سيتبعه ويؤمن به وبدين الله .. وهذا شأن الأنبياء جميعا. إن معنى اتباع جميع الأنبياء هو عدم إلصاق تهمة الإرهاب والترويع بهم وبأتباعهم .. ومن يرد أن يروع ويخرب ويدمر ويفجر ويرهب غيره فلينسب ذلك لنفسه لا إلى دينه ولا إلى نبيه .. إن المسيحي الذي فجر مبنى أوكلاهوما سيتي قام بعمل فردي .. من بنات أفكاره .. وليس من تعاليم الديانة المسيحية .. وكذلك المسلم الذي قام بذبح السياح في الأقصر .. نفذ ما تصوره هو شخصيا .. لا ما يقوله الإسلام .. إن كون الخمر عنبا .. إن الزبيب يصنع من العنب والنبيذ يصنع من العنب .. فالشئ الواحد قد يخرج منه الخير والشر .. وليست المشكلة في الشئ .. وإنما فيمن يستعمله لتنفيذ ما يريد .. إن الذين حولوا العنب إلى خمر أساءوا استعماله ونسبوه إلى العنب .. فنسينا من فعل بالعنب ذلك .. ووجهنا اللوم إلى العنب .. وكذلك الإسلام .. فسروه على هواهم ( النبيذ من العنب) .. وأفسدوا ما فيه من تسامح ورحمة بتفسيراتهم المتعسفة ( العنف والإرهاب) ثم إدعوا أن هذا هو الإسلام ( كمن لعن العنب لأن الخمر تصنع منه ). لا أحد يشبه الإسلام بالإرهاب ..
 لا أحد يشبه العنب بالخمر .. الأديان كلها بريئة من العنف والقسوة .. وأتباعهم المخلصون أيضا .. لكن .. أغلب الناس لا يعلمون

ولا حول ولا قوة إلا بالله