أول أسنة رماح رفعت عليها المصاحف

صوت الأمة العدد 158
8/12/2003

سأل رجل سنى رجلا أخر شيعيا: يعني إيه شيعي؟ .. فقال الشيعي: الشيعة هم الذين تشيعوا للأمام على بن أبي طالب.. فسأله: ومن هو الإمام على بن أبي طالب؟.. فقال له: هو زوج فاطمة بنت رسول الله؟.. فقال: زوج بنت رسول الله؟.. إذن أنا شيعي. والمقصود: أنه إذا نسبنا كل شيء إلى رسول الله ^ .. فكل شيء وكل خلافات المسلمين ستحل.. وكل اختلافاتهم ستزول .. وكل فتاواهم ستوحد.. فجذور الفرق والمذاهب كلها سياسية وليست دينية. إن الإسلام منذ بدايته دعوة دينية وحركة إجتماعية ورؤية سياسية.. فقد كان النبي إلى جانب تأكيده على وحدانية الله وتطبيق شريعته يدعو إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتخفيف الفوارق الطبقية.. وخرج برنامجه الأساسي في حركة ثورية تقضي على مظاهر الجاهلية وتناصر المستضعفين في الأرض جميعا يقول سبحانه وتعالى: [ وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ] (5 القصص) 00 لقد وضع الإسلام الأمة بدلا من العصبية القبلية والارستقراطية التجارية التي كانت تنفرد بها قريش التي رأت – بعد طول قتال – أنها لا تستطيع أن تقف أمام هذا المد القوي والجارف لذلك دخل سادتها في الإسلام بعد فتح مكة واختفى الصراع فيها تماما عندما قال رسول الله ^ :( من دخل المسجد فهو آمن )  .. ( ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ) وكما ورد في سنن البيهقي الكبرى – الجزء (9) ، ص (200-201) :
18278 – أخبرنا أبو علي الروذباري ، أنبأ محمد بن بكر ، ثنا أبو داود ثنا محمد بن عمرو الرازي، ثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق، عن العباس بن عبد الله بن معبد ،عن بعض أهله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزل رسول الله ^ بمر الظهران قال العباس: قلت والله لئن دخل رسول الله ^ مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش فجلست على بغلة رسول الله ^ فقلت لعلي: أجد ذا حاجة يأتي أهل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله ^ ليخرجوا إليه فيستأمنوه وإني لأسير سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء ، فقلت يا أبا حنظلة فعرف صوتي قال : أبو الفضل قلت :نعم قال: ما لك فداك أبي وأمي قلت : هذا رسول الله ^ والناس قال: فما الحيلة قال :فركب خلفي ورجع صاحبه فلما أصبح غدوت به على رسول الله ^ فأسلم قلت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئا قال: ( نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ) قال: فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
لكن.. بعد وفاة النبي بدأ الصراع السياسي الذي راح يتغير ويتطور ليصبح صراعا دينيا. كانت هناك فئة من الصحابة ترى أن النبي أوصى بالخلافة لصهره وأبن عمه على بن أبي طالب الذي كان مقربا له ولكن فئة أخرى رأت أن النبي ترك الأمر مفتوحا دون تحديد وهو ما فجر الصراع السياسي الذي لا يزال حتى الآن. والحقيقة أن الصراع السياسي الذي فجر مبكرا قبل وفاة الرسول كان صراعا بين الخلافة والإمامة إن الخليفة هو نائب النبي الذي يخلفه في قيادة الأمة ويضمن استمرار وظائفها ويحافظ عليها. أما الإمام فهو نائب النبي وخليفته يقود الأمة من بعده بوصية منه.. وهو بهذا قائد ديني وقد كسبت الخلافة منذ البداية وتراجعت الإمامة وتقبل على أبن أبي طالب خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب .. لكنها .. كانت خاصة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية .. وما إن قتل عثمان بن عفان وتولى على بن أبي طالب الخلافة حتى أشتد الصراع من جديد وأدت الفتنة إلى أول حرب أهلية في الإسلام معركة “صفين” بين أنصار على بن أبي طالب وانصار معاوية بن أبي سفيان وكان واليا على الشام وفي هذه المعركة التي انتصر فيها على بن أبي طالب رفعت لأول مرة المصاحف على أسنة الرماح وبعد أن إستشهد الإمام على بن أبي طالب وهو يصلي في مسجد الكوفة على يد أبن ملجم المرادي إستغل معاوية بن أبي سفيان الفرصة ونقل الخلافة من الكوفة إلى الشام وأعلن نفسه خليفة على المسلمين ثم جعل الخلافة ملكا وراثيا.. وبذلك أبعد أهل البيت عن الإمامة 00ومنذ ذلك التاريخ تحولت الخلافة الإسلامية إلى دولة دنيوية وملك متوارث وأنتهت بذلك مرحلة خلافة الراشدين وبدأت مرحلة جديدة من التاريخ الإسلامي. منذ ذلك التاريخ تشكلت أول قطيعة بين الدين والسياسة وبين المجتمع والدولة وضاعف من هذه القطيعة القسوة التي تصرفت بها الدولة الأموية والتي قامت على مبايعة الفرد بطاعته الكاملة للنظام وليس لدين الله.. وكان رفض البيعة يعني شكلا من أشكال الخروج على الإرادة الإلهية .. وهكذا كما يقول إبراهيم الحيدري في كتابه “تراجيديا كربلاء” اتبع الحق القوة وخضع لها أو بمعنى أخر كان معاوية يسوغ ممارساته السياسية بكونه  نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا” وبهذه السياسة أيضا سوغ معاوية لنفسه الاستعانة بشكل مضاد للإمام على وأنصاره ويحرض على قتله وقتلهم وكان هناك مرتزقة يسبون عليا بن أبي طالب على منابر الكوفة والبصرة ومنهم المغير بن شعبة والى المدينتين وهو ما فعل. لكن كان هناك متصدي إلى معاوية وعلى رأسهم أبو ذر الغفاري بدأ أول عملية إصلاح اجتماعي لتغيير ما استجد على الإسلام من طبقية وقبلية فوقف ضد اكتناز الثروة وعوز الفقراء وقد شجع ذلك الكثير من المسلمين على أن يتبعوه ويتبعوا أنصار على بن أبي طالب وأهل البيت وتشكلت هذه المعارضة في الكوفة مدينة على بن أبي طالب التي نمت فيها هذه المعارضة الصريحة للدولة الأموية التي شهدت بعد فترة قليلة من الزمن أكبر جريمة في التاريخ الإسلامي جريمة قتل الإمام الحسين في 10محرم 61 هجرية الموافق 10أكتوبر 680 ميلادية .. سقط الإمام الحسين مضرجا بدماء الشهادة على أرض كربلاء ليصبح رمزا للشجاعة والتضحية ولكن ليتأكد بعده الانقسام بين المسلمين: شيعة وسنة .. وهو  إنقسام لا يزال يفرض نفسه علينا حتى الآن

ولا حول ولا قوة إلا بالله