لماذا لم يكسر الصحابة التماثيل فى مصر؟

صوت الأمة العدد 133
16/6/2003

كان رسول الله يصلى فى البيت الحرام والأصنام من حوله ثم هاجر إلى المدينة وتركها كما هى….. بدأ الرسول بإدخال التوحيد فى القلوب حتى طرد الشرك منها كما يطرد النور الظلمة.
عندما دخل عمرو بن العاص مصر إستراح فى مكان ما بالقرب من العريش .. وعندما سأله الصاحبة المرافقون له: لماذا إسترحت يا عمرو ولم تواصل التقدم؟ .. قال:( إن المساء عيد ).. وهو سر تسمية ( المساعيد ) .
وعندما سيطر المسلمون على مصر: شمالها وجنوبها .. شرقها وغربها .. وجدوا فيها الآثار الفرعونية والقبطية والرومانية على جميع الأشكال بشر وحيوانات ونباتات وحشرات .. لكنهم لم يقربوها .. لم يحطموها .. وبقيت على ما هى عليه حتى اليوم.. فلماذا لم يكسرها المسلمون من صحابة رسول الله الذين فتحوا مصر؟
هناك عدة إحتمالات:
(1) أن هذه الآثار يومها كانت مخبأة فى سراديب وأنفاق تحت الأرض.
(2) أن هذه الآثار كانت صعبة الكسر فلم يستطيعوا تحطيمها وأبقوا عليها مرغمين.
(3) أن يكون الصحابة يوم أن دخلوا مصر مستضعفين فيها لا حول لهم ولا قوة.
(4) أن يكونوا على علم من رسول الله ^ بالفرق بين التمثال والوثن والصنم.
الاحتمال الأول مرفوض لأن الآثار لم تكن فى سراديب ولا أنفاق وكانت معابد وتماثيل شامخة فى الهواء الطلق .. والاحتمال الثانى مرفوض لأن الآثار كان من الممكن كسرها .. والاحتمال الثالث مرفوض لأن المسلمين كانوا حكاما ولم يكونوا محكوميـن.. وكانت لهم اليد العليـا .. ولا يبقى سوى الاحتمـال الرابـع .. وهو أنهم كانوا يعرفون الفرق بين التمثال والوثن والصنم .. و أنهم تعلموا معنى التوحيد على يد رسول الله الذى لم يقلد أباه سيدنا ابراهيم فى التعامل مع التماثيل.. لقد قام سيدنا إبراهيم بتكسيرها كلها وترك رمزا منها دون تكسيره .. وقد أدى بما فعل إلى رواج صناعة التماثيل .. كما أن هذه الصناعة حسنت واستخدمت فيها خامات صلبة يصعب كسرها … وكانت هذه التماثيل تسمى الآلهة. أما سيدنا رسول الله ^ فلم يقرب تمثالا بأذى وكان يصلى فى البيت الحرام عند الكعبة وحولها ما حولها من تماثيل .. وليس هذا إقرارا منه بها .. وانما له معها شأن يختلف عن التكسير المادى.. والتحطيم المادى .. فقد بدأ بإدخال التوحيد فى القلوب حتى طرد الشرك منها كما يطرد النور الظلمة .. فتعلم الناس من رسول الله أن لا إله إلا الله فبطلت كل الآلهة.
كان رسول الله يصلى فى البيت الحرام والأصنام من حوله ثم أسرى به وعرج وفرضت عليه الصلاة ولم يفرض عليه تكسير الأصنام يومها ثم هاجر إلى المدينة والأصنام حول الكعبة ثم تحولت القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام .. وكانت الأصنام يومئذ لا تزال فى مكانها حول الكعبة .. إلى ان فتح الله عليه مكة .. وكان معه رجال كانوا قبل ذلك يعبدون هذه التماثيل .. فكانوا هم (لا هو) الذين أسقطوها بأنفسهم . وكما ورد في الحديث الشريف في صحيح البخاري – الجزء (2) صفحة (201) :
2478 – حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال (دخل النبي ^ مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود في يده وجعل يقول ” جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ “الاية .
كان الرسول عليه الصلاة وسلام يشير إلى الصنم بقضيب صغير فى يده (لا بمعول ولا فأس) ويقول : [ وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ] (81الإسراء) فإذا انكفأ صنم على رأسه لم يجد من يعدله.. وإذا انكفأ على قفاه لم يجد من يغيثه .. وكان الصحابة يدحرجون الآلهة المزعومة بأرجلهم بعد أن كانوا يعبدونها من قبل .. لقد نزع النبى ^ هذه الأشياء من قلوبهم فماتت واقفة. لقد إستوعب الصحابة الذين فتحوا مصر هذا الدرس .. كانوا يعلمون هذه الحقيقة .. كانوا يعلمون من النبى ^ متى يكون التمثال تمثالا .. ومتى يسمى التمثال صنما؟ .. ومتى يصبح وثنا ؟ .. إن التمثال فى حد ذاته لا شئ فيه .. وكان سيدنا سليمان عليه السلام يصنع له الجن ما يشاء من محاريب وتماثيل .. وهذا لا يطعن فى نبوته .. فقد كان عليه السلام نبيا ورسولا وخليفة وملكا .. وصناعة التماثيل لم تطعن فى واحدة من ذلك. التمثال لا شئ فيه .. لكن .. إن عبدته طائفة ليقربهم إلى الله زلفى فهو عندئذ صنم بالنسبة إليهم فقط .. وإذا قامت طائفة أخرى بعبادة التمثال لا ليقربهم إلى الله بل باعتباره هو إله يصبح التمثال وثنا بالنسبة إليهم فقط وليس فى ذاته. فلما كان الصحابة فاتحين لمصر مقيمين لشرع الله ولم يجدوا أحدا من أهلها (وكانوا من أهل الكتاب قبل دخول الإسلام) يسجد لتمثال ليتقرب إلى الله فيكون صنما ولا ليسجد لتمثال ليعبده لذاته فيكون وثنا عندئذ لم يجدوا مبررا لكسرها .. بل حرسوها وحافظوا عليها حتى وصلت إلينا سالمة .. وما سمعنا صحابيا كسر شيئا منها .. هذا هو الدين الصحيح .. لسنا أعلم من الصحابة .. ولا ينبغى أن نزايد عليهم

ولا حول ولا قوة إلا بالله