قلبه حجر..منتهى الإهانة للحجر

صوت الأمة العدد 132
9/6/2003

اللغة العربية ليست خادمة فلبينية تأكل وتشرب وتقبض مرتبها وتنفذ ما يطلبه منها سيدها وهي تدعو له بطول البقاء .. ليست قطة منزلية أليفة فقدت شهية الدفاع عن نفسها وأضاعت أنيابها .. ليست فصيلة من فصائل الدواجن ترقد على بطنها شهوراً .. ثم تكتشف أن بيضها فارغ .. وحملها كاذب. إن الذين يسخرون من اللغة العربية ويصفونها بالتكرار والإستطراد وعدم الدقة في تحديد معاني الكلمات بصورة دقيقة وقاطعة هم في الحقيقة الذين يستحقون السخرية.. ويجب عليهم أن يلقوا ما بين أيديهم من أوراق وأقلام ويعودوا ليجلسوا في صفوف الدرس من جديد . إنهم على سبيل المثال يخلطون بين كلمات مثل الجسم .. البدن .. والجسد .. يستخدمون الكلمات الثلاثة بمعنى واحد .. وهو خطأ شائع .. وخلط لا يمكن التسامح فيه .. فكل كلمة لها معنى .. وكل معنى له وظيفة .. وكل وظيفة لها تفسير .. الجسم : هو أي كتلة تشغل حيزا في الفراغ سواء كانت كتلة إنسان أو حيوان أو جماد .. والجسد: هو جسد الإنسان وهو حي ..
ففي الحديث الشريف كما ورد في صحيح البخاري – الجزء الأول ، ص (34)
52- حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء عن عامر قال سمعت النعمان بن بشير يقول : سمعت رسول الله ^ يقول ( الحلال بَيِّنٌ والحرام بَيِّنٌ وبينهما مُشَبَّهَاتٌ لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعِرْضِه ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يُواقِعَهُ ألا وإِنَّ لكُلِّ ملكٍ حمى ألا إنَّ حِمى اللهِ في أرضِهِ محارمُهُ ألا وإن في الجسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كُلًُّهُ وإذا فسدت فسد الجسد كله أَلا وهي القلب).
 .. والقلب هو دليل .. وجسم الإنسان الحي يسمى جسدا .. أما إذا مات الإنسان فيسمى جسمه في هذه الحالة بدنا .. لقوله تعالى لفرعون عندما أدركه الغرق : [ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً ] (92 يونس) .. لقد غرق كل الذين كانوا مع فرعون .. لكن الله جعله يطفو فوق سطح الماء وهو ميت حتى لا يظن الناس أنه لم يمت .. فقد كان يقول لهم : [ أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ] (24 النازعات) ..[ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ] (54 الزخرف) .. فلو لم يطف بدنه لتصوروا أنه ربهم الأعلى الذي لا يموت .. أو أنه كما قال لهم : [ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِى ] (38 القصص). ولتحديد الفرق بين الجسد والجسم نقرأ قوله تعالى في حق المنافقين : [ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ * سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ] (4-6 المنافقون).. لقد كره المنافقون المجئ إلى رسول الله ^ .. والاستغفار عنده لتتحقق توبة الله عليهم .. لكن .. لأنهم كرهوا ذلك فقد قال عنهم القرآن إنهم أجسام .. فهم بلا قلوب حية .. ولو كان لهم قلوب حية لجذبتهم إلى رسول الله ^ طواعية .. يقول الله سبحانه وتعالى : [ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ( مفروض أنهم أحياء) وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْـمَرْءِ وَقَلْبِهِ ] (24 الأنفال) .. والمعنى : أن المرء دون قلب جسم يحتاج للحياة حتى وإن كان يتنفس .. والمرء بقلب حي يستجيب للرسول ^ هو جسد فإن مات في الحالتين فهو بدن . إن من جاءته الإشارات والدلائل والآيات التي تخاطب القلب وانسلخ منها وتنكر لها وتعامى عنها يستغفله الشيطان ويتبعه ويكون من الغاوين لقوله تعالى : [ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث] (176،175 الأعراف) .. والكلب لا يزيد على كونه جسما لا جسدا. وإن كان هناك من الأجسام مافضله الله على بعض القلوب .. يقول سبحانه وتعالى: [ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمـَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَـمَـا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ] (74 البقرة). وربما كان الجماد أرق من قلوب بعض البشر .. لقد كانت هناك علاقة بين النبي ^ والجماد أحيانا تفوق العلاقة بينه وبين البشر من المنافقين .لقد كان النبى ^ يخطب على جذع نخلة فلما صنع المنبرله ارتقاه ليخطب عليه وكان بجوارالمنبرفسمع الصحابة أنين الجذع فى المسجد فنزل النبى ^ من على المنبر
وربت على الجذع وأحتضنها فسكنت.
وفي مسند الشافعي – طبعة دار البشائر – الجزء (1) ، ص (402) :
283 – أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كان النبي ^ إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد فلما صُنع له المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد حتى نزل رسول الله ^ فاعتنقها فسكنت.
البخاري الجزء(2) ص(525) صحيح فى وكما ورد 
 3585 – حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول
: كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت.
والحيوانات أيضا تعتبرأجساما إلا أن منها ما هو اكثر حساورفقا ورقة من بعض البشر
لقد ارتبط بعضها بعلاقة حب مع رسول اله  ^.. والأمثلة كثيرة .. غير أن أقربها قصة البعير الذي تمرد على صاحبه وأبي الانصياع له بل وهجم عليه ليقتله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم للقاء البعير وخشي الصحابة عليه من هياج البعير .. فتبعه عمر بن الخطاب قائلا: إن البعير في حالة هياج .. فقال النبي ^: ” أنا رسول الله ^ يا عمر ” .. وأبعد الصحابة عنه .. فأتي البعير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ووضع رأسه على كتفه الشريف .. ومرة أخرى خشي الصحابة على الرسول ^ فأشار إليهم أن اطمئنوا .. واحتضن الرسول رأس البعير وأخذ يمسح عليه بحنان النبوة حتى سكن البعير .. وقال رسول الله ^: أين صاحب البعير ؟ .. وجاء الرجل .. فإذا بالرسول يقول له : إن بعيرك يشكو قلة المؤن وكثرة العمل .. إن في جوف هذا البعير … قلب يحوله من جسم إلى جسد .. بحب رسول الله ^ . و كما ورد في مسند أحمد بن حنبل – الجزء(29)، ص (106-107) :
17565 – حدثنا عبد الرزّاق أخبرنا معمر عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن حفص عن يعلى بن مرة الثقفي قال : ثلاثة أشياء رأيتهن من رسول الله ^ بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه فلما رآه البعير جرجر ووضع جرانه فوقف عليه النبي ^ فقال: أين صاحب هذا البعير؟ فجاء فقال: بعنيه فقال لا بل أهبه لك فقال: لا بعنيه قال: لا بل نهبه لك وإنه لأهل بيت مالهم معيشة غيره قال: أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه شكا كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه.
 قال ثم سرنا فنزلنا منزلا فنام النبي ^ فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها فلما استيقظ ذكرت له فقال هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله ^ فأذن لها.
 قال ثم سرنا فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جنة فأخذ النبي ^ بمنخره فقال:
اخرج إني محمد رسول الله قال: ثم سرنا فلما رجعنا من سفرنا مررنا بذلك الماء فأتته المرأة بجزر ولبن فأمرها أن ترد الجزر وأمر أصحابه فشربوا من اللبن فسألها عن الصبي فقالت والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك .
وورد فى سنن الترمذى الجزء(5)ص(553) :
3626 – حدثنا عباد بن يعقوب الكوفي حدثنا الوليد بن أبي ثور عن السدي عن عباد بن أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال : كنت مع النبي ^ بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله.
وقد هاجر الرسول ^ على ناقته القصواء وعندما دخل المدينة تنازع أهلها من الأنصار للإمساك بزمامها والرسول فوقها .. كل يريد أن يستضيف النبي ^ عنده : فقال لهم الرسول ^ ” اتركوها فإنها مأمورة .. مأمورة ..” إن تلك الناقة حيوان عرف الله فوضع الله في صدره قلبا يمتلىء بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحولت من جسم إلى جسد . والنبات قد يحظى بهذه المرتبة أيضا .. روى أن رسول الله ^ كان ذات يوم واقفا في مكان وليس معه أحد من الصحابة فجاءه أحد المشركين ليقوله له : يا محمد  من يشهد لك الان أنك رسول الله .. فقال له النبي ^ : ( اذهب إلى تلك الشجرة واسألها أين رسول الله  ). فقال الرجل : أتهزأ بي؟ .. فقال الرسول ^ : ( إن شئت فعلت ) .. فذهب الرجل متندرا إلى الشجرة وسألها : أين رسول الله ^ ؟ .. فإذا بالشجرة تتمايل يمينا وشمالا وتسعى نحو النبي ^ وترتمي تحت قدميه الشريفتين .. وكان يمكن ان ينطقها الله .. ولكن المشرك لم يرزق أذنا تسمع ما تقول تلك الشجرة.
والطيور كذلك: يكفي اليمامة التي باضت على الغار لحظة أن اختبأ فيه النبي ^ هو وسيدنا أبو بكر رضي الله عنه وهما في طريقهما إلى المدينة .. والعنكبوت الذي فرش نسيجه على مدخل الغار .. والثعبان الذي كان في الغار .. غار ثور .. لقد أراد الرسول ^ وصاحبه أن يستريحا قليلا فوضع الرسول رأسه الشريف على فخذ سيدنا أبي بكر فوجد أبو بكر شقوقا في الغار فخشي على حياة النبي ^ فخلع جلبابه وأخذ يمزقه قطعا ويسد بها الشقوق حتى نفد   الجلباب وبقي شق واحد .. فوضع سيدنا أبو بكر عقبه على فوهة الشق فإذا به يحس بألما شديدا ولم يشأ أن يحرك رجله خشية أن يوقظ رسول الله ^ ، ولكن شدة الألم كانت أكبر من تحمله فسقطت دمعة من عينه على خد النبي ^ فأيقظته وسأله النبي ^ : ما يبكيك يا أبا بكر ؟ .. فقال أبو بكر : أحس ألما شديدا في قدمي .. فلما رفع عقبه من فوة الشق فإذا بثعبان عظيم هو الذي لدغه .. فخاطب النبي ^ الثعبان قائلا: ألا تعلم من أنا ؟ .. قال: يا رسول الله .. هذه هي المشكلة ؟ إنني أعلم من أنت ؟ وقد أردت أن أدخل الغار لأراك وأراد صاحبك ان يمنعني من رؤيتك .. وأنا لم ألدغه لدغة الموت لكن فعلت ما فعلت لأراك فمسح النبي ^ موضع لدغ الثعبان فبرئ سيدنا أبو بكر على الفور .. وسمعنا من أقوال بعض الصوفية بيتا من الشعر يقول : سلام على من قال للضب من أنا .. فقال رسول الله ^ أرسلت للأمم .. ولا ينبغي أن يقول البعض إن هذه حكاية غير منطقية.. فليست هذه بجديدة .. وما ناقة صالح ببعيدة .. وأيضا ذئب يوسف .. وهدهد سليمان

ولا حول ولا قوة إلا بالله