قبل ان ينصرنا الله لابد من قوة وقضية وروح قتالية عالية
صوت الأمة العدد 125
21/4/2003
عندما نهزم فإننا نقول : إننا نسينا الله فنسينا .. وعندما ننتصر فإننا نتصور ملائكة تحارب معنا.. ولآن لحظات الانتصار قليلة فإن جلد الذات بسياط التقصير فى حق الله سبحانه وتعالى لا حد ولا نهاية.. وإن ذلك ما فسرنا به ما جرى لنا فى هزيمة يونيو .. وتسليم بغداد .. وتفوق إسرائيل فى مجازرها الجماعية.
لقد قال الله سبحانه وتعالى: [ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الهِ: وَعَدُوَّكُمْ ] (60 الانفال).. تقول الآية الكريمة [ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ].. نحن الذين نرهب .. فلو شاء الله سبحان وتعالى لقال: “أرهب به عدوي وعدوكم” وطالبنا الله : (1) أن نعد لهم ما استطعنا من قوة .. أى الحد الأقصى من القوة.. (2) ومن رباط الخيل.. ثم أضافت الآية الكريمة “ترهبون به” .. ولم تقل “ترهبون بهما” .. ولأن الضمير يعود على الأقرب فإن ترهبون به تعود على رباط الخيل وليس على القوة .. وكلمة رباط تعنى استعداد ففي الحديث الشريف كما ورد في فتوح مصر و أخبارها لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم بن أعين القرشي المصري في خطبة عمرو بن العاص : (248-250) :
حدثنا سعيد بن ميسرة , عن إسحاق بن الفرات ,عن ابن لهيعة عن الأسود بن ملك الحميري، عن بحيري بن ذاخر المعافري عن عمرو بن العاص أنه قال في خطبته : وحدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله ^ يقول : ( إذا فتح الله عليكم مصر, فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً , فذلك الجند خير أجناد الأرض ) فقال له أبو بكر و لما يا رسول الله؟ قال : ( لأنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة )
وعزاه صاحب كتاب كنز العمال :علاء الدين عليّ المتقي بن حسام الدين الهندي إلي ابن عبد الحكم في فتوح مصر ، وابن عساكر ،وقال :وفيه ابن لهيعة عن الأسود بحر بن داخر (في الفتوح بحير بن ذاخر) ولم أر للأول ترجمة إلا أن ابن حبان ذكر في الثقات أنه يروي عن بحر بن داخر ووثق بحراً.
إذن كلمة رباط معناها الاستعداد .. وليس المقصود بالخيل أخت البغال والحمير.. [ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ] (8 النحل) معنى رباط الخيل هنا الاستعداد .. فالذى يرهب عدو الله وعدونا ليست القوة فى حد ذاتها و إنما الاستعداد .. فكثيرا ما كانت هناك أسلحة كثيرة ضاعت علينا لأننا لم نكن نضيف إليها الاستعداد .. وعندما نقول أعدوا لهم ما استطعتم من قوة فهذا يعنى السلاح الكثير والكثيف.. ولكن هذا السلاح يمكن أن يكون فى المخازن .. أما التدريب عليه وتطويره فهذا هو الاستعداد.
وكلمة الخيل هنا تأتى من الخيلاء. والخيلاء هى الإعتزاز بالنفس والايمان بالقضية التى نحارب من أجلها ..أو هى بالتعبير العسكرى الحديث: الروح القتالية .. أو الروح المعنوية .. لقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى رجلا فارسا مسلما شاهرا سيفه ممسكا بدرعه مؤمنا بقضيته ويسير فى خيلاء.. فقال: مشية ممقوتة إلا فى هذا الموضع .. موضع الذهاب إلى القتال .. هذا هو رباط الخيل.
إن رباط الخيل هو الذى جعل الرسول عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة يأمر المسلمين عند الطواف بالبيت الحرام بأن يكشفوا سواعدهم وان يرملوا (يجروا جريا خفيفا) ويقول لهم:” رحم الله إمرأ أراهم اليوم من نفسه قوة “.
رباط الخيل أن تعتز بقضيتك وتؤمن بها إلى درجة الخيلاء .. إن الخيلاء ممقوته إلا فى الروح القتالية المرتفعة .. لقد تصور المفسرون خطأ أن الخيل هنا هى الخيل التى نعرفها وقد راحوا يقيسون قوة المعدات الميكانيكية الحديثة بقوة الخيل.. هورس باور. ليعطوا للآية تفسيرا عصريا مناسباً .. وربما كان أكبر دليل على تفسيرنا هو ما جرى فى هزيمة يونيو وانتصار أكتوبر .. فى الحالة الأولى كنا قوة بلا رباط خيل .. وفى الحالة الثانية كنا قوة برباط خيل .. فى الحالة الثانية كان هناك سلاح وتدريب راق عليه. وحالة معنوية مرتفعة وقضية نؤمن بها. هى قضية تحرير سيناء من المحتل الاسرائيلى .. ويقول العسكريون تأكيدا لذلك: “عرق التدريب يوفر دماء كثيرة فى المعركة” أما الروح المعنوية فيقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا رسوله الكريم: [ يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْـمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً ] (65 الأنفال) .. فالروح المعنوية تجعل قوة الجندى بعشرة .. ولكن دون روح معنوية يقول الله سبحانة وتعالى: [الْأَنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ ] (66 الأنفال).. فالمؤمن فى ضعفه ضعف الكافر. وفى كامل قوته بعشرة.. وفى كل الأحوال لا يوجد مؤمن يساوى كافراً.. يقول سبحانه وتعالى: [كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ ] (249 البقرة) .. المؤمن إذا غلب عاش كريما وإذا بذل قصارى جهده ومات يكون شهيدا.
أما تفسير الآية الكريمة [ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ ] (126آل عمران،10الأنفال) فمعناها أنه بعد القوة ورباط الخيل والقضية العادلة التى نكون فيها على حق لا على باطل وهذا يعلمه الله يكون النصر من عنده فإن وجدنا سبحانه وتعالى فى قوه ورباط خيل وعلى غير حق فلن ينصرنا .. ولو وجدنا فى قوة ورباط خيل وعلى حق فسوف ينصرنا..” فالله لا يظلم أحد” .. وأحد هنا تعنى المسلم وغير المسلم.
وقد يهزم المؤمن إختيارا من الله سبحانه وتعالى ليبلوه. أيشكر أم يكفر .. وقد يهزم المؤمن قصاص.. وقد يهزم للتعلم . لتكون الهزيمة درسا ينتصر به ويفيده فى حياته.. كما حدث فى موقعه أحد .. عندما أمر النبى ^ الرماة بألا يغادروا أماكنهم مهما حدث فلما رأى الرماة أن المعركة ينقشع غبارها سال لعابهم على الغنائم فتركوا أماكنهم مخالفين بذلك ما أمر به الرسول وانصرفوا إلى الغنائم وهم لم يكلفوا بجمعها فالتفت سيدنا خالد بن الوليد وكان يومها لم يدخل الاسلام بعد وهاجم المسلمين وهزمهم.. ومعنى ذلك أن الاسلام إنتصر يوم أحد وهزم المسلمون .. حتى إنهم تدارسوا المعركة بعد انتهائها وقال قائلهم: ما سبب الهزيمة .. أجاب مجيبهم: إن سبب الهزيمة مخالفة أمر رسول الله وهو القائد .. وهذا معنى أن الاسلام إنتصر .. لأن المسلمين هزموا للتعلم .. وبضدها تتميز الأشياء .. بمعنى ماذا لو خالف المسلمون أمر القائد وهو النبى ^ ثم إنتصروا؟ .. لاشك أنها سوف تكون قاعدة: إن طاعة الرسول لا لزوم لها إنهم خالفوه وانتصروا.
وعلى ذلك فإن [ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ ]يسبقها [ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ] (60الأنفال).. وبعدها [ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ] (15،14 التوبة) .. ووضع الاسلام بعد ذلك قواعد القتال والأسرى وعقد معاهدات الصلح .. حتى لا تكون هناك فتنة
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في يوليو 15th, 2010