حقوق الآخرين فى الاسلام

صوت الأمة العدد 128
12/5/2003

لا يمكن حصر حقوق الإنسان التى تحمس ودافع عنها الإسلام .. لقد كان هدف الدين الحنيف تكريم الإنسان .. وحفظ كرامته .. وضمان رزقه..
يلقى خصوم حقوق الإنسان أكوام الحجارة على كل ما ينتمى لنا من حضارة .. والجريمة أنهم يعاملون البشر كالوليمة .. لتصبح كرامة الأمم والشعوب نعيا مخفيا تنشره جريدة قديمة .. وهو أمر لا يقره قانون ولا تسمح به شريعة .. كما أن الظلم مهما طال سيسقط عن آخره .. هذه هى حكمة الحياة العظيمة.ولا يمكن حصر حقوق الإنسان التى تحمس ودافع عنها الإسلام .. لقد كان هدف الدين الحنيف تكريم الإنسان .. وحفظ كرامته .. وضمان رزقه .. فتوفير الخبز والحرية فريضة؛ على كل أولى الأمر أن يوفروها للمسئولين عنهم .. ويجب أن ننتبه إلى أن هناك حكاما حاولوا التستر وراء الدين وادعوا أنهم من أصفياء الله .. لكن .. كل تصرفاتهم وسلوكياتهم لا علاقة لها بشرع الله.. فالله لم يأمرهم بضرب شعوبهم .. و إستنزاف مواردها .. وتحجيم مصائرها .. وسد الطرق أمام مستقبلها.
إن كل شئ جاء به الاسلام كان دقيقا محكما.. بداية من الوضوء ونهاية بأى أمر من الأمور الكبيرة .. العظيمة . فالإسلام مثلا عندما أمر بالوضوء قبل الصلاة فإنه يعطى الحق قبل الواجب .. فإذا كانت الصلاة واجبة فإن الوضوء حق .. حق الطهارة التى أمرانا الله بها .. وقيل إنه نصف الإيمان .. فاستخدام المطهرات للقضاء على الجراثيم والميكروبات لا يساوى استخدام الماء للوضوء.. فالوضوء طهارة .. يطهر البدن ولا ينظفه فقط .. وقد شمل الوضوء كل أجزاء الجسم المكشوفة والمعرضة للتلوث .. ثم هناك الطهارة من الحدث الأكبر (الجنابة) .. وكذلك الطهارة من الحيض .. الطهارة هنا ضرورة صحية و إيمانية .. فالجسم فى هذه الحالات يكون معبأ بالميكروبات والجراثيم. يقول الرسول الكريم ^ وإن لبدنك عليك حقا
 وكما ورد في الحديث الشريف في مجمع الزوائد و منبع الفوائد – الجزء (7)،ص(482) :
12047 – وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عبد الله بن عمرو ذات يوم وكانت امرأة تلطف برسول الله ^ فقال : ( كيف أنت يا أم عبد الله ؟ ) قالت : بخير بأبي أنت يا رسول الله وأمي فكيف أنت ؟ قال : ( بخير ) قالت : عبد الله رجل قد تخلى من الدنيا قال : ( وكيف ؟ ) قالت : حرم النوم فلا ينام ولا يفطر ولا يطعم اللحم ولا يؤدي إلى أهله حقهم قال : ( فأين هو ؟ ) قالت : خرج ويوشك قال : ( فإذا رجع فاحبسيه ) قالت : فخرج رسول الله ^ وجاء عبد الله فأوشك رسول الله ^ الرجعة وقال : ( يا عبد الله بن عمرو ما ]هذا[ الذي بلغني عنك ؟ ) قال : و ماذاك يا رسول الله ؟ قال :
( بلغني أنك لا تنام ولا تُفْطِر ) قال : أردت بذلك الأمن من يوم الفزع الأكبر . قال : ( وبلغني أنك لا تَطْعَمُ اللحم ) قال : أردت بذلك طعاما خيرا منه في الجنة قال : ( وبلغني أنك لا تؤدي إلى أهلك حقهم ) قال : أردت بذلك نساء هُنَّ خير ]منها[ في الجنة . قال : ( يا عبد الله بن عمرو إن لك في رسول الله أسوة حسنة فرسول الله ^ يصوم ويفطر وينام ويقوم ويأكل اللحم ويؤدي إلى أهله حقهم ، يا عبد الله إن لله -عز وجل- عليك حقا وإن لبدنك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا ) قال : يا رسول الله، تأمرني أن أصوم خمسة أيام وأفطر يوما ؟ قال : ( لا ) قال : فأصوم أربعة أيام وأفطر يوما ؟ قال : ( لا ) قال : فأصوم ثلاثة أيام وأفطر يوما ؟ قال : ( لا ) قال : فأصوم يومين وأفطر يوما ؟ قال : ( لا ) قال : أفأصوم يوما وأفطر يوما ؟ قال : ( ذلك صوم أخي داود يا عبد الله بن عمرو وكيف بك إذا بقيت في حُثالة من الناس قد مُرِجَتْ عُهُودُهُم ومواثيقهم وكانوا هكذا ) وخالف بين أصابعه . قال : فما تأمرني ؟ قال : ( تأخذ بما تعرف وتدع ما تنكر وتعمل لخاصة نفسك وتدع الناس وعوام أمورهم ) …. الحديث
.. من حق الانسان أن يستريح من العمل .. وهو حق فرض على من يستأجره للعمل .. أن يعطيه الحق فى الراحة .. راحة البدن والاهتمام به وصيانته بالعلاج إذا مرض وبالهدوء النفسى بالاجازة.. وقبل ذلك حق العمل يأمرنا صلى الله عليه وسلم بأن نعطى الأجير أجره قبل أن يجف عرقه .. وهو ما يعنى أن الاسلام لم يهتم كثيرا بالسادة أو الصفوة و إنما أهتم أساسا بالعبيد والفقراء والجوارى والمستضعفين .. وقد جعل من كفارات الأيمان عتق الرقاب .. يقول سبحانه وتعالى: [ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (مجاعة) * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (يتيم معدم) ] (12-16 البلد).
ولم ينس الإسلام المرأة كما يحاول البعض إيهامنا .. لقد ذكرها الله سبحانه وتعالى فى كتابه مستقلة عن الرجل .. وكلفها بالتشريع كما كلف الرجل .. ولم يجعلها تابعة له .. [ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ ] (35 الأحزاب) [وَالْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ ] (35الأحزاب).. لم تؤخذ المرأة ضمنا .. هى مستقلة لأن لها تشريعا خاصاً .. فليس فى شريعة الرجال حكم للحيض .. أو حكم للنفاس .. جعل إستقلاليتها كاملة فى الخطاب والتشريع .. وفى الخصوصية والاحترام جعل الجنة تحت أقدام الأمهات.
وأحل الله تقبيل أيادى الوالدين وتقديم الاحترام لهما إلى أقصى درجة حتى لو كانا على غير الملة..
يقول سبحانه وتعالى: [ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ ] (14 لقمان،8 العنكبوت) .. ويقول سبحانه وتعالى: [ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ] (36النساء،151الأنعام،23الاسراء) .. ويقول سبحانه وتعالى: [ فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّـهُمـَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَّـهُمـَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً ] (23،24 الإسراء).. حتى إذا أمر الوالدان إبنهما بالشرك بالله وهو أمر يبغضه الله ولا يغفره فإن الله لم يعط الابن الحق فى إهانة والدية لهذا السبب .. يقول سبحانه وتعالى: [ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَـىَّ ] (15 لقمان)
ويخاطب الله القوى ليأخذ منه حق الضعيف.. ويحدد لهذا الضعيف حقوقاً معلومة وليست اجتهاداً يحدده القوى .. فعندما يتحدث عن حق الزوجة ولا يتحدث عن حق الزوج فلأن الزوج الاقوى .. وعندما قرر أن الرجال قوامون على النساء لم يترك ذلك دون شروط صارمة .. ومنها الإنفاق وبما فضل الله بعضهم على بعض .. كل تفضيل يناظره مسئولية.
إن هذه القاعدة هى التى جعلت سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: “لو عثرت بغلة فى العراق لحاسب الله عليها عمر لِمَا لم يمهد لها الطريق” . مسئولية الحاكم هنا تتبعها واجبات تجاه الرعية .. ومن ثم فإن مطبات الشوارع وبالوعات المجارى المفتوحة هى جريمة سيحاسب الله عليها أصحاب الشأن الذين قبلوا مثل هذه المسئولية.
وقبل ذلك كله دافع الإسلام عن حق الحياة للبشر جميعاً .. يقول ^ في الحديث الشريف
 كما ورد في السنن الكبرى للبيهقي – الجزء (8)،ص(41) :
15865 – أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا يحيى بن منصور القاضي ثنا أحمد بن محمد بن عبد الكريم الجرجاني بنيسابور ثنا محمود بن خداش ثنا مروان بن معاوية الفزاري ثنا يزيد بن أبي زياد الشامي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ^ : ( من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله ) .
 .. وتبع ذلك في الحديث الشريف كما ورد في صحيح مسلم – الجزء (4) , ص (1986) :
32 – ( 2564 ) حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا داود ( يعني ابن قيس ) عن أبي سعيد مولى عامر بن كريز عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ^ :
( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) .
 .. والقرآن فى كثير من آياته لا يخاطب المسلمين فقط بل يخاطب الناس جميعاً.. يقول سبحانه وتعالى: [مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ] (32 المائدة) ويقول سبحانه وتعالى: [يَآ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِِِ أَتْقَاكُمْ] (13 الحجرات).
وكلمة الناس تعنى غير المسلميـن أيضا .. والناس جميعا حرام علينا أن نسرقهم أو نقتلهم أو نغتصب حقوقهم .. حرام علينا السخرية منهم والكذب عليهم .. وإلا خرجنا من دائرة الإيمان إلى دائرة الفسق

ولا حول ولا قوة إلا بالله