الشرك الخفى وأوحال التوحيد

صوت الأمة العدد 115
10/2/2003

من إدعى أن الله حل فى رسوله أو إتحد معه فقد إنزلق فى أوحال التوحيد
صفات الله عرفت بعد أن تجلت فلو لم يخلق لما عرف بالخالق

لا أحد يستطيع أن يمنع حصانا من الركض والفوز فى ميدان السباق.. ولا أحد يستطيع أن يمنع شخصا من التعبير عما فى قلبه من خواطر إيمانية ويأخذ مكانه فى سباق التفسير..

هذا حق طبيعى.. فنحن مع كل من يركض بمهارة وحضارة وتناسق ودراية بأمور الدين.. لكن.. الذى حدث أن بعض العقول التى تسللت إلى الميدان لا تصلح لأى شئ.. وسيطرت المخاوف على الناس.. أن يقعوا فيما يسمى ” أوحال التوحيد ” . هل للتوحيد أوحال؟.. ما هى؟.. من الذى يقع فيها؟.. وكيف يمكن النجاة منها والابتعاد عنها؟.. ببساطة من يعرض شيئا إيمانيا بغير علم يمكن أن يلحد.. أو يمكن أن يقع فيما يمكن أن نسميه “الشرك الخفى” .. يقول سبحانه وتعالى: [ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ] (106 يوسف) فالطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الطيبة أحيانا.. يقول سبحانه وتعــالى:
[ وَلِله الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ ] (180 الأعراف).. كيف ذلك؟.. ربما يختلط على البعض منطوق العبارة فيعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد حل فى مخلوق أو إتحد معه أو يشبه الخالق بشي فى خلقه أو يعطل فعل أسمائه.. بعبارة أخرى أبسط فإن أوحال التوحيد أربعة:(1) الحلول..(2) الاتحاد..(3) التشبيه. (4) التعطيل..وهى ترتبط ارتباطا وثيقا بمقتضيات الألوهية وهى:(1) السبق..(2) الإطلاق..(3) السرمدية..(4) الذاتية.فمن ادعى أن الله حل فى رسوله أو أتحد معه أو يشبهه أو يقوم مقامه بغير إذن فقد أنزلق إلى هذه الأوحال.. ومن قال أن الله اتحد مع السيدة الطاهرة البتول مريم ثم حل فى المسيح عليه السلام.. ثم بناءا على ذلك ينسب إلى المسيح الألوهية وهو لا يدرى أنه وقع فى المحظور.. والسيد المسيح برئ من ذلك.. ويظهر ذلك فى قول الله تعالى [ وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِى وَلَآ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ] (116المائدة).
هذا مثال للحلول والاتحاد. أما التشبيه فهو أن يجعل المرء لله صورة كصورة رجل على كرسى وله عين وقدم حتى لو أن أحدهم جمع ما ورد من صفات تشبه صفات المخلوقين ووضعها فى شكل واحد سوف يتصور شكلا خرافيا لمخلوق لا وجود له فى الطبيعة.. والإنسان عاقل.. ولكن لم يخطر على باله أن يتخيل شكلا لعقله.. إن الأذن عاقلة تميز الأصوات .. والعين عاقلة تميز الألوان.. لكن لم يخطر ببال أحد أن يتخيل شكل العقل.. لا نقصد شكل المخ.. المخ موجود فى المخلوق العاقل والمخلوق غير العاقل.. ولم يخطر ببال أحد أن يتخيل شكل الروح مع أنه يحيا بها.. ثم بعد ذلك يتجرأ الإنسان ويتطاول وهو يتخيل شكل خالقه.. قال ^ : (ان من أشد أهل النار عذابا يوم القيامة المصورين) وقال وكيع أشد الناس)).. أى الذين يتخيلون ويرسمون ويصورون شكلا لله.. لن نمل من تكرار أن الذى يجعل صورة لله ويعتقد فيها ويعبده عليها فى النار. ويبقى التعطيل.. وهو تعطيـل فعل الأسماء الإلهيـة أو الاعتقـاد بأن الأسماء الإلهية ليست فاعلة قياسا علي أسماء البشر وهذا من باب التشبيه أيضا.. فلو كانت ذات الله كذواتنا لأصبح اسمه كأسمائنا ليست فاعلة .. هنا لابد أن نفهم الفرق أو العلاقة بين الذات والاسم والصفة. ولله المثل الأعلى .. ولكننا نستخدم أسماءه أحيانا دلالة علي بشر مثل الملك .. والملك تعنى السلطان أو الرئيس أو الحاكم الذى يفعل فى دولته كل شئ فهو المسئول عن الرعية وطعامهم وكسوتهم ومواصلاتهم وتعليمهم وصحتهم…… إلى أخره.. لكن هل يفعل الحاكم ذلك بذاته.. بيده.. بجسمه.. هل هو الذى يفعل ذلك كله بنفسه ؟ .. نقول حاشا لله ما ينبغى أن ينزل الحاكم إلي مستوى الأعمال المسئول عنها بنفسه.. فهو لا يرصف الطرق بنفسه.. ولا يكشف على المرضى بنفسه.. ولا يعلم التلاميذ بنفسه….. إلى أخره.. لكنه يفعل ذلك بصفته.. وليس بذاته.. فهو لو تنحى عن الحكم فإن ذاته تظل قائمة ولكن صفته هى التى زالت.. وبالتالى لا يستطيع أن يفعل شيئا بدونها.. أما الأسم فهو يميز صاحبه من بين ذوى الأسماء فللذات البشرية تسمية.. نقول فلان.. وللصفة نقول رئيس أو ملك أو سلطان أو حاكم.. نقول فلان دلالة علي أسم الذات.. ونقول ملك أو سلطان دلالة على اسم الصفة.. والرعية تتعامل مع الصفة.. لا مع الذات.. فلا علاقة للرعية بمكان الحاكم الآن هل هو خارج البلاد أم داخلها؟.. فهم يتعاملون مع الصفة وليس مع الذات التى لا يهم أين هى ولا يبحث عنها.. المهم الصفة التى توقع القرارات والقوانين بموجبها.. فإذا كنا قد نزهنا الحاكم عن القيام بكل شئ بذاته ألا ننزه خالقنا عن القيام بكل شئ بذاته. بالنسبة للمخلوقين فإن بقاء الصفة كمسئولة غير مرتبط ببقاء الذات (بخلاف الصفات الشخصية).. إن ذات الرئيس الأمريكى بيل كلينتون لم تتغير بعد أن ترك البيت الأبيض.. لكن صفته كرئيس زالت وفاعلية الاسم مرتبطة ببقاء الذات.. أما بالنسبة للخالق فذاته لا تزول وبالتالى فصفته دائمة وفاعلية إسمه قائمة.. وقد عرفت صفات الله سبحانه وتعالى بعد أن تجلت.. فلو لم يخلق لما عرف بأنه خالق.. ولو لم يبعث ما عرف بأنه باعث.. وهكذا. من هنا تكون الأسماء الإلهية فعالة.. فالمريض يسأل الله الشفاء باسمه الشافى.. ويقول يا شافى.. والفقير يسأله باسمه: المغنى.. ويقول: يا مغنى.. والمظلوم يسأله باسمه: العدل.. ويقول: يا حكم يا عدل.. والضعيف يسأله باسمه : القوى.. ويقول: يا قوى. ومن إعتقد بأن الأسماء الإلهية لا فعل لها فهذا هو التعطيل وهى المنزلق الرابع من أوحال التوحيد.. علما بأن كل وحلة تحتوى على الأوحال الأربعة.. فمن وقع فى واحدة فقد وقع فى مجملها.. ومن ثم فلا تجاوز.. ومن تفضل الله عليه بالخير وقاه شر الوقوع فى إحدى أوحال التوحيد وهى مرة أخرى: الحلول والاتحاد والتشبيه والتعطيل فإنه يكون قد سلك طريقا آمنا إلى التوحيد.. والتوحيد يحتاج إلى وقفة نؤجلها قليلا

ولا حول ولا قوة إلا بالله