الرحمة عصفور الإيمان على سنبلة الاسلام
صوت الأمة العدد 120
17/3/2003
لو كان التسامح عصفورا لكان الإسلام سنبلة القمح التي يحط عليها ويلتقط حباتها حبة ..حبة ولو كان التسامح سمكة ملونة لكان الإسلام المياه الدافئة المفتوحة التي تسبح فيها مطمئنة بعيدة عن الحيوانات البحرية المتعصبة المفترسة ولو كان التسامح طفلا مشردا ضالا لوجد في الإسلام ركبة الأم الحنون التي ينام عليها. لقد بنى الإسلام على فرائض خمس الشهادة والصلاة والصوم والزكاة وحج البيت لمن أستطاع إليه سبيلا ويلاحظ أن تدرجا فيها من الأيسر إلى الأصعب وفي الوقت نفسه سنجد أن أيسر الفرائض هي في الوقت نفسه أعلاها.. شهادة أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسـول الله.. إنها فريضة لا تحتاج إلى مجهود لا تسبب مشقة ولا تفرض عنتا ولا توجب إنفاقا إنها لا تحتاج سوى أن ننطقها ثم تأتي إقامة الصلاة الفريضة الثانية فيلاحظ أنها أصعب من فريضة الشهادة قليلا لكن في الوقت نفسه أعفى منها الصبي والمجنون والمرأة الحائض والنفساء لضعفها ..وقصرها للمسافر ..ثم بعد ذلك تأتي فريضة الزكاة ويلاحظ أنها تحتاج إلى مجهود أكثر من الصلاة فهي بذل مال والتضحية بجزء مما يملك الإنسـان .. ثم بعد ذلك جاءت فريضـة الصـوم. لكن أعفى منها الصبي والمريض والمسافر والشيخ الطاعـن في السن وغير العاقـل لكنها في الوقت نفسه أصعب قليلا من الزكاة فهي تحتاج إلى مجهود يهون معه المال .. ثم تأتي بعد ذلك فريضة الحج وفيه مشقة بدنية ومالية وغربة عن الأهل والوطن ومخاطر الطريق ولكل هذه المشقة كانت الإستطاعة شرطا ضروريا للتسهيل والتخيير. ولكي نعرف الأسهل من الأصعب تخيل أنك خيرت مسلما بين أن يقول: “لا إله إلا الله .. محمد رسول الله” وهو جالس 100 مرة وبين أن يصلي ركعتين فإنه سوف يختار الشهادتين عن صلاة ركعتين ولو خيرته بين صلاة ركعتين ودفع 10جنيهات زكاة فلا شك أنه سيصلي الركعتين مقارنة بدفع المال .. ولو خيرته بين صيام يوم ودفع عشرة جنيهات سيجد سهلا عليه أن يدفـع العشرة جنيهـات بل إن بعض النـاس مهما كان حريصا أو بخيلا مستعد أن يدفع ألف جنيه ولا يصوم اليوم ولو خيرته بين أن يذهب على الحج والصيام في بيته وبين أهله وربما في هواء مكيف فإنه سيختار الصيام لأنه أيسر من مناسك الحج. في هذا التدرج يتضح التسامح وهو أن الله سبحانه وتعالى لم يفرض علينا فرضا إلا إذا أعطانا مقوماته وهي القدرة والعلم فمن لم يعلم أو لم يستطع فلا شيء عليه .. وإن علم واستطـاع فعليه التكليف. وجعلـت الشريعـة الإسلامية للضعيف حقا عند القوي .. قال ^ في الحديث الشريف الذي ورد في سنن أبي داود – الجزء (2) ، ص (305) :
1663 – حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي وموسى بن إسماعيل قالا حدثنا أبو الأشهب عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن مع رسول الله ^ في سفر إذ جاء رجل على ناقة له فجعل يصرفها يمينا وشمالا فقال رسول الله ^ : ( من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لاظهر له ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ) حتى ظننا أنه لاحق لأحد ]منا[ في الفضل .
وعلم النبي ^ أصحابه التسامح وعدم هضم الحقوق أو الاعتداء على حقوق الآخرين .. فقد روي أن رجلا على غير الإسلام كان له دين على الرسول عليه الصلاة والسلام وذات يوم لقيه الرجل وكان معه سيدنا عمر بن الخطاب فأمسك الرجل بتلابيب النبي قائلا: أين حقي يا محمد .. فقال النبي: نظرة إلى ميسرة قال الرجل: أنتم يا بني عبد المطلب قوم مطل – مماطلين- في الحق فلما أراد سيدنا عمر أن يبطش بالرجل قال النبي: أنا وهو أولى منك بغير هذا يا عمر .. يا عمر مره بحسن الطلب ومرني بحسن الأداء.
وهذا معناه أن النبي ^ كان يقترض ويتعامل مع غير المسلمين ..وبما أننا ذكرنا سيدنا عمر بن الخطاب فهي فرصة أن نتذكر ما فعل عندما دخل بيت المقدس .. فقد طلب منه النصاري أن يصلي في كنيستهم فقال: لا مانع عندي في ذلك غير أني أخشى أن يأتي المسلمـون من بعدي فيقولون: ها هنا صلـى عمر بن الخطاب كذلك.. كلنا يعرف أنه دفن ابنته قبل الإسلام حية.. حفر حفرة وألقاها فيها دون أن يرق قلبه وأهال التراب عليها لكنه بعد الإسلام وجدناه يقول: لو عثرت بغلة في العراق لحاسب الله عليها عمر لِم لا يمهد لها الطريق إن قيمة البغلة عنده بعد الإسلام أعلى من قيمة طفلـة (طفلته) قبل الإسلام رقـة القلب المستمدة من تعـاليم الإسلام حولت رجلا لا يرق لفلذة كبده قبل الإسلام إلى رجل يبكي لتعثر بغلة في أرض بعيدة. ورحمة النبي علمها له ربه سبحانه وتعالى عندما قال: [وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْـمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ] (6 التوبة) وقال سبحانه وتعالى: [ لَّا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ ] (8 الممتحنة). وتمتد الرحمة إلى الحيوان يكفي أن النبي ^ قال في الحديث الشريف الذي ورد في صحيح البخاري – الجزء (2) ،ص (447) :
3318 – حدثنا نصر بن علي أخبرنا عبد الأعلى حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي ^ قال ( دخلت امرأة النار في هرة(قطة) ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش(فضلات) الأرض ).
.. وقيل إن رجلا دخل الجنة لأنه أحضر الماء من البئر في حذائه ليسقى كلبا وجده يلعق الثرى من العطش .. الرحمة بكل مخلوقات الله واجبة على المسلم ويكفي أنه وهو محرم لأداء الحج أو العمرة لا يقتل صيدا ولا حشرة. وعلى المسلم تأمين الغرباء والسياح وإغاثتهم فعندما يأتي سائح إلينا فإنه يكون قد دخل في ذمتنا وأصبح في حمانا ويكون الاعتداء عليه خرقا لقانون الاسلام إن المفروض أن يذهب المسلمون إلى البلاد البعيدة لينشروا الإسلام وهو أمر صعب فما هو الرأي إذا ما يسر الله هذا الأمر إلى المسلمين وجعل الناس تفد إليهم من الدول الأجنبية فإن استضافوهم بحسن الخلق ولين الجانب والأمانة ووفروا لهم الأمان فقد يتحمس هؤلاء الغرباء للدخول في دين الله من باب الأخلاق من إعجابهم بأخلاق المسلمين … أما أن نقابلهم بالنصب والسرقة والترويع الذي قد يصل إلى القتل فلا نلومهم إذا ما قالوا إن الإسلام دين عنف. إن الرحمة التي علمنا إياها النبي ^ تتجلى عندما تنحر ذبيحة فالذبح الشرعي يشترط أن تكون شفرة الذبح حادة حتى لا يتعذب الحيوان فكما ورد في الحديث الشريف في صحيح مسلم الجزء(3) ،ص(1548) :
57 – ( 1955 ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس قال ثنتان حفظتهما عن رسول الله ^ قال :
( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته ) .
وتتجلى هذه الرحمة في معاملة الخدم فقد أمرنا سبحانه وتعالى أن نطعم خدمنا من أوسط ما نأكل أو ما نطعم به أنفسنا وأهلينا .
وكما ورد فى مسند أحمد ابن حنبل الجزء(35)ص(382) :
21483- حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا سفيان عن منصور عن مجاهد عن مورق عن أبي ذر عن النبي ^ : ( من لاءمكم من خدمك فاطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون أو قال تكتسون ومن لا يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله).
وتتجلى كذلك في أن نعطي الأجير حقه قبل أن يجف عرقه .. ويكفي أن النبي الكريم قال في فيما ورد في سنن أبي داود – الجزء (5) ، ص (231) :
4941 – حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومسدد، المعنى، قالا حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي قابوس مولى لعبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمر يبلغ به النبي ^ ( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء ) .
.. وأمرنا الإسلام بتحرير الرق وعتق العبيد إحدى شرائع الإسلام في كفارات الأيمان .. ولكن هذا الأمر صعب إلا على من يسره الله عليه.. ويعتبر عقبة تحتاج إلى جرأة وهمة .. لقوله سبحانه وتعالى: [ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ] (11-16 البلد). وفي أخلاق أهل بيت النبي ^ يقول سبحانه وتعالى: [ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلَا شُكُوراً ] (7-9 الإنسان) قد نقوم بإطعام المسكين وبإطعام اليتيم ولكن أن يكون الأمر الإلهي بإطعام الأسير أيضا فهذا تجاوز لكل الحدود الإنسانية في معاملة الخصوم والأعداء خاصة وأن الأسير في ذلك الوقت لم يكن مسلما .. وقد قبل الله من أهل البيت ذلك [ فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً ]-12،11 الإنسان
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في يوليو 15th, 2010