الدعاه الجسر المقطوع بين الإسلام و العالم

صوت الأمة العدد 121
24/3/2003

الراحمون يرحمهم الله .. ولا خير فيمن لا يَرْحم ولا يُرْحم.. إن الرحمة راية إسلامية شهيرة وأصلية فى الإسلام.
 وكما ورد فى صحيح مسلم الجزء(4)ص(1809) :
 66 – ( 2319 ) حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن جرير ح وحدثنا إسحاق ابن إبراهيم وعلي بن خشرم قالا أخبرنا عيسى بن يونس ح وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا حفص ( يعني ابن غياث ) كلهم عن الأعمش عن زيد بن وهب وأبي ظبيان عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله ^ :( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل ) .
لكنها راية يتبارى كثيرون الآن فى تشويهها وحرقها وإطلاق النار عليها.. لقد أصبح التشهير بالإسلام وبمبادئه السامية هواية عالمية.. وهى هواية بدأت بالكتابة ووصلت إلى حد استخدام القوة العسكرية ضد المسلمين وفي بلادهم . إن الصورة التى يصورون بها الإسلام ونبى الله ^ والمسلمين لا علاقة لها بالحقيقة.. فلا نحن غلاظ القلوب .. ولا نحن متعصبون متشددون متطرفون.. ولا الرسول الكريم كان يحرض على العنف.. ولا كان يترك لحظة واحدة دون أن يعكس الإيمان بالرحمة والحماس لها.. لقد دخل أعرابى على النبى ^ ورآه يقبل الحسنين الكريمين فقال له : أتقبلون أولادكم يا رسول الله فإن لى عشرة من الأولاد ما قبلت منهم أحدا.. فقال النبى الكريم: ( مالى ورجل نزُعت الرحمة من قلبه )
وكما ورد فى صحيح مسلم الجزء (4) ص(1808) :
64 – ( 2317 ) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة وابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت قدم ناس من الأعراب على رسول الله ^ فقالوا أتقبلون صبيانكم ؟ فقالوا نعم فقالوا لكنا والله ما نقبل فقال رسول الله ^ وأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة وقال ابن نمير من قلبك الرحمة .
يقول سبحانه وتعالى لرسوله الكريم [ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ] (107 الأنبياء) والعالمين تشمل كـل خلق الله.. لم يقل سبحانـه وتعالـى: ” وما أرسلناك إلا رحمة بالمسلمين “.. أو رحمة للمؤمنين.. قال الله تعالى: [ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ].. لكل مخلوقات الأرض والبحر والسماء.. فعلى قدر ما رزق الإنسان من رحمة على قدر ما ورث من أخلاق النبى ^ .. فمن رزق رحمة كثيرة فقد كثر ميراثه النبوى وإن رزق رحمة قليلة قل ميراثه منه وإن عديم الرحمة لا نصيب له من هذا الميراث الراقى. إن ذلك يؤكد أن الإسلام ليس دين عنف ولا دين غش ولا دين الأخلاق السيئة ولا دين البذاءة.. فقد ورد أن النبى ^ كان جالسا ومعه سيدنا أبوبكر الصديق فجاء رجل وأغلظ القول والسباب لسيدنا أبوبكر الصديق الذى بقى صامتا احتراما لوجوده فى حضرة النبى فلما تمادى الرجل رد سيدنا أبوبكر بكلمة واحدة فغادر النبى المجلس فتبعه سيدنا أبوبكر قائلا: يا رسول الله أغضبت منى وقد سمعت ما قال هذا الرجل وقد قلت كلمة أنفس بها عن نفسى بعد أن زاد كيلى وفاض إنائى فقال النبى ^ : عندما كنت صامتا متسامحا كان الله يدافع عنك – [إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ] (38 الحج)  : – وعندما بادلته القول دافع الشيطان عنك وأنا لا أجلس فى مجلس فيه الشيطان .
وهذا معناه أن أخلاق غير المسلم إذا دفعته إلى التطاول فإن أخلاق المسلم تمنعه من ذلك.. يقول سبحانه وتعالى: [ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ] (199 الأعراف).. ويقول الله للنبى ^ [ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ] (97 الحجر) [ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ] (89 الزخرف).. يقول سادة الصوفية : ” الصوفية أخلاق فمن زاد عليك فى الأخلاق زاد عليك فى التصوف ” وسيد المتصوفين هو الذى قال عنه سبحانه وتعالى: [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ] (4 القلم)
.لكن.. مشكلة المسلمين أن جسر الاتصال بينهم وبين غيرهم ليس قويا ولا متينا.. إن الذين يوصلون صورة الإسلام إلى أنصاره وخصومه ليسوا علي مستوى مناسب يؤهلهم لذلك.. المشكلة أن الذين يدعون إلى الإسلام إكتفى نفر ليس بقليل منهم بالحفاظ على المظهر.. الزر.. الطربوش.. العمامة.. المسواك.. اللحية.. السبحة التلت.. المنشة.. البخور.. الكاكولا.. القفطان.. والساعة الجوفيال التى كانت فى وقت من الأوقات جزء مكملا لهذا الديكور.. وهو ما يعنى أن هنالك مشكلة أحيانا فيمن نسمح لهم بالدعوة.. المفروض ألا يتقدم إلى هذا الأمر إلا المثـقف فى شؤون مختلفة.. والمثقف هو الذى يعرف متى يتكلم ومتى يصمت .. ففي الحديث الشريف كما ورد في صحيح البخاري – الجزء (4)- ص(94) :
6018 – حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو الأحوص عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ^ : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت).
ولست ممن يتحمسون للمناظرات الدينية على شاشات التلفزيون.. إنها تزيد العناد.. ولا تحل المشكلة التى يتحدثون فيها ما دامت الكاميرا مسلطة.. أما وراء الكاميرا فغالبا ما يعترفون بالخطأ ويقربون وجهات النظر.. لا قضية تحل أمام الكاميرا بسبب الكبر والعناد وطبيعة الشخصية الإنسانية.. ومن هنا فأن أول شرط من شروط الدعوة: ترك العناد.. والتمثل بأخلاق النبى ^ فى الدعوة.. يقول سبحانه وتعالى [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ] (125 النحل) .. وجادلهم هنا معناها ليس معناها بادلهم رأيا برأى وإنما معناها هنا شاركهم بالتى هى أحسن.. هم يقدمون شيئا.. قدم أنت شيئا أفضل منه.. إن قدموا أسوأ ما عندهم قدم أحسن ما عندك. كان أحد الأولياء وهو يحيى بن معين مشهورا بالعلم ولكن إذا سئل فى مسألة يقول: يا ويلتى أيعبد رب العالمين على رأى يحيى بن معين!!.. وكان سيدنا عمر بن عبد الخطاب يقول: لو أذن مؤذن يوم القيامة أن كل الناس سيدخلون الجنة إلا واحداً لقلت أنه عمر بن الخطاب.. ولم يحسب نفسه من الناجين من النار.. إنها الشفافية التى يجب أن يكون عليها الدعاة.. وفى الوقت نفسه على الذين يسمعونهم أن تكون لهم ثقافتهم الدينية المناسبة التى يحكمون بها على ما يسمعون.. فمن له لسان يقدر على التفرقة بين الحلو والمر.. ومن له أنف يقدر علي التفرقة بين الرائحة الزكية والرائحة الخبيثة.. ومن له قدر من الثقافة الدينية السليمة يقدر على التفرقة بين الصح والخطأ.. فلا يجوز أن يكون الدعاة فى جانب والمتلقون فى جانب أخر.. ثم إن المؤمن سليم القلب يقدر على هذه التفرقة.. والمتلقى عليه جزء كبير ولا يجوز أن نفرط فيه

ولا حول ولا قوة إلا بالله