التوحيد بين الواحد والأحد

صوت الأمة العدد 116
17/2/2003

التوحيد كلمة طيبة شائعة يرددها الناس كثيرا ربما دون أن يتوقفوا عندها بحثا عن معناها إن التوحيد ليس معناه أن تجعل الله واحدا فهو سبحانه وتعالى واحد شئنا أم أبينا .. وعندما تسأل العلماء عن التوحيد فإنهم يفرطون في الشرح والوصف والتعقيد. يقولون: إن التوحيد هو معرفة وحدانية الله الثابتة له في الأزل والأبد.. فلا يحضر في شهوده سواه جل جلاله.. ويقولون: إن أركان التوحيد سبعة.. إفراد القدم عن الحدث وتنزيه القديم عن إدراك المحدث له.. وترك التساوي بين النعوت.. وإزالة العلة عن الربوبية.. وجلال الحق عن أن تجري له قدرة الحدث عليه فتلونه.. وتنزيهه عن التمييز والتأمل .. وتبرئته عن القياس. ويستعرض الدكتور عبد المنعم الحفني في الموسوعة الصوفية أقوال مشاهير السلف عن التوحيد فينقل عن الحلاج قوله: إن أول قدم (بكسر القاف وفتح الدال) في التوحيد فناء التفريد.. لأن القدم في التوحيد هو إنكار شريك لله وفناء التفريد أن لا تكون الفردانية إلا له.. وينقل عن سهل بن عبد الله: إن أصول التوحيد أن توصف ذات الله بالعلم دون أن تدركها إحاطة ولا تراها الأبصار في دار الدنيا ولكنها موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا إحاطة ولا حلول وترى العيون ذاته تعالى ظاهرا في ملكة وقدرته وقد حجب الخلق عن معرفته كنه ذاته ولكنه دلهم عليه بآياته والقلوب تعرف الله تعالى.. والعقول لا تدركه. والمؤمنون ينظرون إليه من غير إحاطة ولا إدراك نهاية.
يقول سيدنا أبو بكر الصديق: “سبحان من لم يجعل لخلقه سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته” وهو ما يعني أن التوحيد هو حكم الله في قلوب عباده وهو سر يكاشفه لمن اختصه منهم لكن لا يمكن التعبير عنه بالكلام وهو أدق من أن يشار إليه بأكمل العبارات.ويقولون: إن للتوحيد مراتب: علم وعين وحق. وعلمه ما ظهر بالبرهان. وعينه ما ثبت للوجدان. وحقه ما اختص بالرحمن .. وأرائك التوحيد هي الأسماء الذاتية لكونها مظاهر الذات أولا في الحضرة الوحدانية .. وتوحيد أهل الحقائق على الظاهر: هو الإقرار بالوحدانية بذهاب رؤية الأسباب والأشباه.. بإقامة الأمر والنهي .وتوحيد العامة توحيد الإقرار باللسان والتحقق بالقلب بما يقر به اللسان بإثبات ما أثبته الله نفسه من الأسماء والصفات والأفعال ونفي ما نفى الله عن نفسه.. والتوحيد الرحماني: هو أن يشهد سبحانه على توحيد نفسه بإظهار الوجود إذ كل موجود مختص بخاصية لا يشاركه فيها غيره وإلا لما تعين، وهذه الوحدة فيه دليل على وحدانية موجدة ..كما قيل ..ففي كل شيء له أية.. تدل على أنه واحد. إن هناك ملايين الصفحات التي كتبت عن التوحيد ولا نريد أن ندخل في مزيد من التشعبات والتعقيدات فيها .. ولكن كعادتنا في تبسيط التعريف نقول: إن تعريف التوحيد هو تنزيه الأحد عن العدد وتنزيه الواحد عن التعدد .. إن الله سبحانه وتعالى منزه.. ولكن المقصود بالتنزيه في عقيدتنا تنظيف مفاهيم القلب عن الله سبحانه وتعالى.. فالله سبحانه واحد.. وهو سبحانه أحد.. وله الإسمان: الواحد والأحد .. وهما ليسا بمعنى واحد وإلا لما لزم التكرار .. فلابد أن هناك مفهوما للأحد.
إن الأحد هو الواحد الذي لا يعد ولا يتعدد.. أي المنفرد بصفاته فلا يشابهه غيره ولا يشترك مع غيره في أي منها كانفراد أحدنا بخصوصية بصمات الأصابع وبصمة الصوت إن كل شيء ينفرد به مخلوق لا يتشابه مع غيره يسمى أحديته.. فإذا طلبنا من إنسان أن يعد البصمات المتشابهة بينه وبين غيره فإنه لن يستطيع أن يتعدى الواحد الأول هذا هو الواحد الذي لا يعد.. هذا هو الأحد. وبالتالي فإنه سبحانه وتعالى أحد منفرد بمقتضيات الألوهية التي لا تنبغي لغيره.. فليس لغيره السبق ولا الإطلاق ولا السرمدية ولا الذاتية. وبما أن الله سبحانه وتعالى إنفرد بمقتضيات الألوهية فهو الإله الأوحد أي الأحد وهو سر قولنا: “لا إله إلا الله” أي لا أحد غيره يمتلك مقتضيات الألوهية بعضا أو كلا .. أما الواحد فهو الذي يعد ولا يتعدد.. بخلاف الأحد الذي لا يعد ولا يتعدد .والعدد يقتضي التجانس فلو طلبنا إحصاء عدد الطلبة في مدرج فإننا لا نعد معهم الأساتذة .ولو طلبنا إحصاء عدد الأساتذة فإننا لا نعد معهم الطلبة.. ولو طلبنا إحصاء عدد السيارات فإننا لا نحصي معها عدد من يركبونها ويقودونها .. هذا هو المقصود بأن العدد يقتضي التجانس. فكيف نعد الله مع غيره.. مع أنه لا توجد آلهة أخرى حتى يعد معها بصفته واحدا؟ ولو كان الكلام عن الذات لقلنا لا أحدا متمتعا بمقتضيات الألوهية… لا إله غيره.
أما إذا كان الأمر يتعلق بالأسماء الحسنى فإن قولنا: الله واحد لا يتعارض مع قولنا: واحد أحد .كريم. صمد. رحيم. عليم.. فهي كلها راجعة إلى الله. فالواحد هو الله ..والأحد هو الله والصمد هو الله.. فإنه يعد ولا يتعدد.. فكل الأسماء له سبحانه وتعالى لذلك يجوز لنا أن نعد العدد وليس التعدد فنقول مع الله: الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام. ولكن لا ينبغي أن نقول: الله والرحمن والرحيم والملك والقدوس.
ولو نجا الإنسان من أوحال التوحيد (راجعها فيما سبق) لسلك طريق يستطيع به أن يوحد دون أن يلحد يميز بين الأحد والواحد. فمن جعل الأحد واحدا فقد عدد الذوات الإلهية ومن جعل الواحد أحدا فقد عطل الأسماء الإلهية.. ولو أطلقت الأحد لعددت الذوات الإلهية حاشا لله ولو قيدت الواحد تكون قد عطلت الأسماء الإلهية .. وهذا هو الإلحاد يقول سبحانه وتعالى:
[ وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ] (180 الأعراف) وهكذا يكون التعريف السهل والمحكم للتوحيد هو :تنزيه الأحد عن العدد وتنزيه الواحد عن التعدد

ولا حول ولا قوة إلا بالله