هل هناك وحى بعد رسول الله؟

صوت الأمة العدد 105
2/12/2002

هل هناك وحى بعد رسول الله ^ ؟ .. سؤال تبدو الإجابة عنه سهلة وسريعة وحاسمة.. لا ليس هناك وحى بعده .. فهو خاتم الأنبياء والمرسلين.. لكن .. الإجابة السريعة ليست كالعادة صحيحة.
الوحي سر بين ملق ومتلق هو سر يقال بينهما .. لقوله سبحانه وتعالى: [ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ (الوحي) مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ] (15غافر).. ويسمى الملقى بالموحى.. ويسمى المتلقي بالموحى إليه.
وعلى هذه القاعدة يكون الوحي أنواعا : هناك وحى إلهام كقوله تعالى:
[ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِـمَّـا يَعْرِشُونَ ] (68النحل).. وهو وحى جاء من الله مباشرة دون جبريل أو ملك آخر .. وحى تلقاه كائن غير بشرى .. ويمكن أن يكون الكائن الذي يتلقى الوحي مثلنا .. بشرا وليس رسولا .. كما في قوله تعالى: [ وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ] (7 القصص).. ويمكن أن يكون الموحى إليه جماداً .. ففي يوم القيامة سيوحي الله للأرض بما عليها أن تفعل: كما في قوله تعالى: [ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا* بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ] (5،4الزلزلة).
وهذا النوع من الوحي لم ينقطع .. فلا يزال النحل يفعل ما أوحى الله به .. وهناك وحى يسمى وحى منام وهو الرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو يراها غيره له الرؤيا هنا لا تخرج عن كونها نوعاً من الوحي لأن النائم في موضع المتلقي ..
لا يملك مشيئة فهو كالميت بين يدي الله .. وهناك وحى رسالة .. وهو الذي يخص به الله رسله وأنبيائه .. وهذا هو الوحي الذي انقطع .. فلا وحى رسالة بعد رسول الله وأشرف خلقه.
وهناك وحى غريب لا يدل على الصلاح والتقوى نراه في قوله تعالى: [ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ] (112 الأنعام).. هو وحى التدبير السيئ.. وحى إبليس لمشركي مكة بأن يجمعوا رجلا من كل قبيلة ليقتلوا النبي .. ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل .. ووحي التدبير هو وسواس … بين فاسق وفاسق.. بين إبليس والبشر.
لكن .. يقول سبحانه وتعالى عن سيدنا زكريا: [ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِياًّ ] (11 مريم).. لقد كان سيدنا زكريا وهو في المحراب في موضع الموحى إليه من الله .. كان في موضوع المتلقي .. لكنه ما أن خرج إلى قومه حتى أصبح في موضع الملقى والموحى.
إذن لو جاز أن يكون هناك وحى مباشر من الله إلى النحل والأرض وأم سيدنا موسى أفلا يجوز بين الله والنبي ^ ؟ .. وحى يضاف إلى الوحي غير المباشر بواسطة الأمين جبريل .. إننا نعرف الوحي عن طريق سيدنا جبريل .. أما كيف كان الوحي مباشراً فقد ذكر في قصة المعراج: [ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ]
(8-10النجم).
لذلك قلنا: إن الوحي سر بين ملقى ومتلقي .. ويقول سبحانه وتعالى: [ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ] (51 الشورى) ويمكن القول إن الوحي هو سر بين متناجيين .. والنجوى قد تكون وسواسا من الشيطان .. لكن .. ليس كل نجوى من الشيطان . يقول سبحانه وتعالى: [ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوّاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْاْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ ] (9 المجادلة).
وخلاصة القول: إن ما انقطع من وحى هو فقط وحى الرسالة.. أما وحى الإلهام والمنام فهما مستمران إلى يوم تقوم الساعة

ولا حول ولا قوة إلى بالله