نفس بشرية: بولدوج ..ونفس بشرية: كانيش
صوت الأمة العدد 109
30/12/2002
عندما يطلق الظلم النار على العدل.. يبدأ القلب في السواد .. عندما يغتال القبح الجمال في وضح النهار .. يزداد القلب سوادا .. عندما تتربع الخطيئة على عرش الحياة فارضة على النفس البشرية تدليك أصابع قدميها في الماء والملح.. يصبح القلب حالك السواد.. في هذه اللحظة يفقد القلب شفافيته ورقته ووداعته ويطلب طوق نجاه عاجلاً .. وهو يستغيث: لا غالب إلا الإيمان .. لا غالب إلا الله.
والنفس من الشئ النفيس .. الشئ الغالي .. فهي أغلى من كنوز الدنيا وعروشها وغرورها .. لكن .. أغلب الناس لا يعلمون ذلك إلا بعد فوات الأوان .. إن الإنسان يولد من توافق الروح والجسد .. الروح مصدرها نور السماء من السمو.. والسمو هو العلو والجسد تشده قوانين الأرض وقوة جاذبيتها.. فالجسد من خام الأرض .. التراب .. وكل ما يلزمه موجود فيها .. ويخرج منها .. القمح والأرز وثمار الفاكهة .. يعيش الجسد على ما في الأرض .. وفى النهاية يعود إليها .. أما الروح فتعود مشتاقة إلى الملأ الأعلى .. فتقول: طلعت روحه. أي صعدت.. لا نقول نزلت روحه .. فالنزول للجسد .. والصعود للروح.
ولأن الجسد منظور فغذاءه منظور ولأن الروح غير منظورة فغذاؤها غير منظور .. غذاؤها من مصدرها .. الملأ الأعلى .. ونحن نشعر بذلك عندما نرى طفلا يبتسم فنقول: إن الملائكة تداعبه .. وهذا صحيح .. فهو لا يزال برينا .. طاهرا .. على فطرته.
وكما ورد فى صحيح مسلم الجزء (4) ص(2047) :
22 – ( 2658 ) حدثنا حاجب بن الوليد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يقول : قال رسول الله ^ : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ ثم يقول أبو هريرة واقرؤا إن شئتم { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله } الآية 30 الروم.
. وهو يظل على حاله حتى البلوغ.. فلو مات قبل البلوغ فهو في الجنة ولو كان من أبوين ملحدين .. كل الأطفال دون البلوغ يدخلون الجنة .. فالآلة الحاسبة للذنوب تبدأ عملها بعد البلوغ .. وبعد التكليف.
والفطرة لها اسم أخر هو: “النفس الكاملة” .. وهى النفس الأصلية التي يخلقنا الله عليها .. وهى جزء من نور النبي ^ الذي به نولد .. يقول سبحانه وتعالى: [ وَاعْلَمُوّاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ] (7 الحجرات) .. ولكن .. بعد البلوغ يبدأ التكليف .. والتكليف هو المطالبة بأداء ما فرض علينا .. بعد البلوغ يبدأ الثواب والعقاب .. ففي الحديث الشريف الذي ورد في كتاب
المستدرك على الصحيحين للإمام الحاكم – الجزء الأول ،ص (45) :
6/6 – أخبرني أبو النضر محمد بن يوسف الفقيه ثنا إبراهيم بن إسماعيل العنبري ثنا أبو كريب ثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ^: ( إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء فإن تاب صقل منها فإن عاد زادت حتى تعظم في قلبه فذلك الران الذي ذكره الله عز و جل { كَلاَّ بَلْ ران على قلوبهم} ) .
فلو أذنب الإنسان ذنبا نكتت أو تحفر نقطة سوداء في قلبه .. بالتحديد على الغشاء المحيط لقلبه .. تبدأ نقطة سوداء على النفس الكاملة .. فيفض بكارة شفافيتها .. ويجرح عذريتها .. إنها تلك التي وصفها سبحانه وتعالى بالزجاجة: [ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ] (35 النور)
تتجمع النقاط السوداء على القلب .. على الزجاجة فتتسخ من الخارج .. مثل مصباح الكهرباء الذي تتكون على سطحه الزجاجي طبقة معتمة فتحجب ضوءه حتى تمحوه .. إن ذلك يحدث لنور القلب مع تراكم الذنوب طبقة بعد طبقة حتى يختفي نوره .. إن هذه الطبقة السميكة الكثيفة الصلبة التي تحيط بالقلب وتغطيه تسمى “الران” .. يقول سبحانه وتعالى: [ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ] (14 المطففين) … وتسمى “الأقفال”.. يقول سبحانه وتعالى: [ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ] (24 محمد) .. وتسمى “الأكنة” .. ويقول سبحانه وتعالى: [ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّـمَّـا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ وَفِي ءَاذَانِنَا وَقْرٌ ] (5 فصلت) … وتسمى “الحجب”.. يقول سبحانه وتعالى: [وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ] (5 فصلت).. وتسمى أيضا ” الأغلفة ” .. يقول سبحانه وتعالى: [وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ] (88 البقرة). ويصف القرآن الطبقة الأولى من الخارج من سواد القلب بالنفس الأمارة بالسوء .. يقول سبحانه وتعالى : [ وَمَآ أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّى ] (53 يوسف).. ويصف الطبقة الثانية التي تليها بالنفس اللوامة يقول تعالى [لَآ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَآ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ] (2،1القيامة) ويصف الطبقة الثالثة بالنفس الملهمة يقول سبحانه وتعالى: [ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْـهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ] (8،7الشمس) . ثم تأتى بعدها الطبقة الرابعة “النفس المطمئنة” .. يقول سبحانه وتعالى: [ يَآ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْـمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ ] (28،27الفجر) .. ومعناها ارجعي إلى الصواب.. ثم تأتى “النفس الراضية” وأيضاً “النفس المرضية” وهما تابعتان للنفس “المطمئنة” .. يقول سبحانه وتعالى: [يَآ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْـمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ] (28،27الفجر)
وتبقى “النفس الكاملة” .. وهى النفس الأولى.. الشفافة .. البلورية.. النقية .. الفطرة .. [فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ] (30 الروم) ولكن .. النفس الكاملة تغيرت بما فعله صاحبها .. فحاصرت الذنوب القلب .. والقلب هو الملك.. مركز الرئاسة.. والجوارح أو الحواس هي الرعية أو المملكة .. والقلب يصدر التعليمات إلى العقل ليدير الحواس أو الرعية .. فإذا كان على القلب تلك الطبقات السوداء العازلة (الران والحجب والأكنة والأقفال والأغلفة) انقطع الاتصال بينه وبين العقل .. فيتحول الإنسان إلى إنسان مادي.. محض .. ليس فيه من الروحانية شئ .. وهذا يمنعه من الإيمان بالغيب .. فلا يصدق إلا ما يراه بعينه أو يلمسه بيده أو يحيط به عقله.. على طريقة بني إسرائيل الذين قالوا: [ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ] (55 البقرة) .. أو الذين ربطوا إيمانهم بالله بالعين .. فعندما رأوا قوما يعبدون عجلا قالوا: [ اجْعَل لَّنَآ إِلَهاً كَمَا لَهُمْ ءَالِـهَةٌ ] (138 الأعراف).
إن للذات شئون ليست كلها في مستوى العقل .. مثلا .. لو أن هناك رجلين .. أحدهما عقله متصل بقلبه .. والآخر عقله منفصل عن قلبه قد سمعا بقصة السيدة العذراء الطاهرة البتول رضوان الله عليها وإحدى سيدات نساء العالمين .. الرجل المتصل عقله بقلبه إذا توقف عقله عن إدراك الحكمة من وراء “بنت” عذراء لم تتزوج ثم ولدت غلاما يتكلم ولا زالت عذراء .. إن قبول هذا الخرق لناموس البشر يتصل بالقلب لأنه أوسع إدراكا من العقل .. فهو موطن الإيمان .. إن العقل يسأل القلب في مثل هذه الحالة فيرد قائلا: إنها قدرة الله وما جرى فوق احتمالك وهى من اختصاصي.. وعليك الالتزام وعدم الخوض في طهارة السيدة العذراء.. بل عليك أن تعجب من قدرة الله وتشعر بضآلتك .. وعليك أن تصدر تعليماتك للجوارح أو الرعية خاصة اللسان بالا ينطق بحرف واحد فيه إساءة للسيدة العذراء.
أما الرجل الآخر الذي انقطع اتصال قلبه بعقله فإنه يبدأ بالقياس العقلي في تقييم ما سمع .. ويكون بين أمرين: إما أن يقول إن هذا لم يحدث أصلا وإما أن يخوض في طهارة السيدة العذراء .. إن العقل هنا هو مجرد قائد صغير محدود الفهم وعليه أن يعود إلى القيادة العليا للأركان وهى القلب ليفهم منها ما غاب عنه.. فإذا كان الاتصال مقطوعا فإنه سرعان ما يخطئ .. ويضل .. ويهذى .. إن القلب .. الملك عندماً يستولى عليه إبليس يترك العنان للجوارح تخوض فيما لا تعرف .. وتتورط فيما يزيد من قسوة الحياة وجفافها.
ونقيس على ذلك قصة الإسراء … لو سمع هذان الرجلان بقصة الإسراء فإن الرجل غير شفاف القلب (كانوا في ذلك الوقت المشركين من أهل مكة) يقيس الأمر بالعقل .. فيحسب الوقت الذي تقطعه الإبل من مكة إلى القدس والعكس وهو شهور فلا يصدق القصة .. أما الرجل الثاني المتصل عقله بقلبه (وهو هنا سيدنا أبو بكر الصديق) فيقول : إني لأصدقه عندما يأتيني بخبر السماء أفلا أصدقه عندما يأتيني بخبر الأرض .. إن كان قد قال فقد صدق.
وكما ورد فى المستدرك على الصحيحين الجزء (3) ص(65) :
4407 – أخبرني مكرم بن أحمد القاضي ثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي ثنا محمد بن كثير الصنعاني ثنا معمر بن راشد عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما أسري بالنبي ^ إلى المسجد الأقصى اصبح يتحدث الناس بذلك فارتد ناس فمن كان آمنوا به وصدقوه و سمعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا : هل لك إلى صاحبك يزعم أسرى به الليلة إلى بيت المقدس ؟ قال : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم قال : لئن كان قال ذلك لقد صدق قالوا : أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس و جاء قبل أن يصبح ؟ قال : نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة فلذلك سمي أبو بكر الصديق .
كذلك عندما هزم المسلمون يوم أحد فمن احتكم إلى عقله فقط تساءل: كيف تحدث الهزيمة وبيننا رسول الله وهو صاحب دعوة مستجابة؟ .. لكن .. الذين يستنيرون بالقلب وجدوا أن هزيمة المسلمين هي درس لهم .. فهم لم يسمعوا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام عندما أمر الرماة بألا يتركوا أماكنهم .. وتسبب ذلك في وقوع الهزيمة .. وكان الدرس هنا هو عدم الاستسهال بكلام رسول الله وقد استوعبوه فيما بعد وانتصروا في كل الغزوات .. إن ذلك يتجلى في قول الله تعالى: [ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْـمَرْءِ وَقَلْبِهِ ] (24 الأنفال).
ولكل نفس من التي وصفها القرآن خصائص وعلاقات .. فالنفس الأمارة بالسوء كما هو واضح من اسمها أنها نفس مطوَّعة على ارتكاب المنكر على طول الخط ويجد صاحبها في نفسه راحة في ذلك ويعتبر ما يفعله نوعا من “الروشنة” و “الجدعنة” على حد ما هو سائد من تعبيرات بين الأجيال الشابة.
لو أزيلت طبقة النفس الأمارة بالسوء ظهرت تحتها طبقة النفس اللوامة .. وهى نفس عجيبة يتجسد فيها كل ما في المحكمة من تناقضات الجريمة والادعاء والدفاع والقضاء .. فصاحبها يرتكب الذنب أو الجريمة ثم يبدأ في لوم نفسه وتوجيه الادعاء إليها لكنه سرعان ما يبدأ في التهوين مما فعل وكأنه يلعب دور المحامى قائلا لنفسه: إن الله غفور رحيم .. فيمنحه القاضي البراءة أو هكذا يشعر .. لكنه سرعان ما يلبث أن يعود لارتكاب الذنب من جديد .. وهكذا .. لوم بعد لوم .. وبراءة بعد براءة .. ثم ذنب بعد ذنب..
على أن فترات ارتكاب الذنب قد تتباعد .. أسبوعا .. شهرا .. سنة .. حتى تزال هذه الطبقة لتظهر النفس الملهمة.. وهى مترددة في اتجاهين مضادين .. الفجور والتقوى .. [ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ] (10،9الشمس) .. فإذا ما أزيلت تظهر النفس المطمئنة .. وهى فتنة تمشى على استحياء .. كأن تجد امرأة محتشمة تتباهى بتقواها الظاهرة في وجود امرأة أخرى ليست بدرجة احتشامها ثم نجد المرأة الأولى ترتكب ما ترتكب سرا .. أي أنها حسنة المظهر خبيثة الجوهر .. أما تسميتها بالمطمئنة فهو لإظهار عيبها .. فصاحبها يشعر بأنه قام بالوفاء بما عليه .. لا يرتكب الذنب ولكنه يشعر بأنه فوق الآخرين .. وبأنه أفضل منهم . وبعيد عن المؤاخذة اطمئن .. ولو كانت النفس المطمئنة حسنة لما قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه بعد أن بشر بالجنة: “لا أمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في الجنة”.. إن صاحب هذه النفس يميل إلى الأمن من مكر الله فتجده يعد جوانب فضائله لا فضائل الله ويكتفي بذلك .. لكن سبحانه وتعالى يقول عنه [ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لَّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّى لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً ] (36،35الكهف).. منتهى الثقة.
فإذا أزيلت هذه النفس ظهرت توابعها: النفس الراضية وعيبها أنها راضية على طول الخط وهذا في حد ذاته عيب.. لأنها إذا وفقت للعبادة رضيت.. وإذا قلت الهمة في طاعة الله رضيت ولا يجتهد صاحبها ويعزى ذلك إلى إرادة الله: [أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللهُ أَطْعَمَهُ ] (47 يـس).. إنه التوكل الزائف .. أي التواكل .. فإذا أزيلت ظهرت التابعة الأخرى: النفس المرضية .. وهى تحمل العيب غير المنظور .. القبول بما هي فيه .. إن نجاحها قد يكون بدرجة مقبول.. ولكنها لا تسعى إلى تقدير أعلى.
إن هذه النفوس من أولها إلى أخرها تشبه الكلاب على اختلاف أنواعها.. هناك كلب شرس قاتل.. وهناك كلب لولو .. مدلل .. على إنها في البداية والنهاية تكونت بأفعالنا . بذنوبنا .. تغطى القلب وتعتمه وتذهب بنقائه وشفافيته .. ومن ثم فإنها تكون في حاجة إلى إصلاح .. فهل الذي أفسد شيئا عليه إصلاحه؟ .. إن الذي تسبب في اعتلال صحته في حاجة إلى طبيب .. والذي كسر سيارته عليه الذهاب إلى مهندس سيارات .. والذي ترك قلبه يسود عليه أن يستعين بخبير .. هنا نكون خرجنا من الطب الوقائي التحذيري الذي يجيده الوعاظ .. ونحتاج إلى الطب العلاجي .. فالإصابة قد وقعت .. وهى مهمة لا يجيدها الوعاظ.. لا يصلح الوعاظ لإزالة الران أو الحجب أو الأقفال .. بل إنهم قد يصيبون المريض بمزيد من البلبلة .. فلا البرامج الدينية تصلح .. ولا خطب الجمعة تفيد .. لابد من التوجه إلى أخصائي .. منحة الله نعمة التعامل مع هذا النوع من الإصابات حتى يستطيع أن يقتحم العقبة ويفك الرقبة(القلب المحاصر).. وهذا النوع من المختصين يسمى الولي المرشد .. يقول سبحانه وتعالى: [ مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْـمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً ] (17الكهف)..
والخطاب إلى رسول الله في قوله: [ فَلَن تَجِدَ لَهُ ] .. إذن لابد أن يجد الرسول الولي المرشد .. ولكن بعد أن يأذن الله سبحانه وتعالى للشخص بالهداية .. [ إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ] (56 القصص)..
لو تخيلنا مسرحا يُدخل صاحبه من يشاء بلا مقابل هو الذي يختار رواده .. ويقدم لكل منهم تذكره .. إن صاحب هذا المسرح هو الله .. فلو دخل الشخص الذي وقع عليه الاختيار فإنه يقدم تذكرته إلى رسول الله فيجد له الولي المرشد .. ليبدأ علاجه .. لقد اختار الله المهتدى .. يقول سبحانه وتعالى: [ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى الهِ. ] (73 آل عمران) .. وأول المهتدين هو رسول الله .. يقول سبحانه وتعالى: [ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِى رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ] (161 الأنعام) ثم فوضه الله في الهداية .. يقول سبحانه وتعالى: [ وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ] (52 الشورى) .. ثم وكل الرسول هاديا لكل قوم أو جماعة في قوله سبحانه وتعالى: [ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ] (7 الرعد) .. والهادي هو الولي المرشد.
إذن من أراد الله هدايته يجد له النبي وليا مرشدا .. ومن يضله لن يستطيع الرسول أن يجد له وليا مرشدا … والأولياء المرشدون هم أهل النظرة بأمر الله ورعاية رسوله يمثلون مراكز الإصلاح والصيانة والعمرة للنفوس البشرية المريضة .. الولي المرشد هو الذي يزيل طبقة السواد من على القلب بما لديه من أجهزة (أساليب وطرق) .. إن عليه القيام بعملية جراحية غير مؤلمة لعلاج النفس المصابة.. وهذا هو السر الذي يجعل سبحانه وتعالى يأمر التلميذ بإطاعة أستاذه .. ويأمر المريد بطاعة شيخه.. وهى طاعة مثل طاعة المأموم للإمام في الصلاة وهى لا تخرج عن كونها طاعة الله.
وبعد أن يزيل الشيخ (الوالي المرشد) ما علق على القلب من عتمة وذنوب يعود الإنسان إلى فطرته الأولى وهى النفس الكاملة .. النظيفة.. البلورية .. الشفافة .. الدرية .. إن شغل الشيخ هو إعادة القلب للاتصال مرة أخرى بالسماء.. متجاوزا الحجب والران والأقفال .. ولا بد من وجود الشيخ (الخبير) للإصلاح .. لتصل النفس إلى قول الله تعالى: [ يَآ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْـمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِى جَنَّتِى ] (27-30الفجر) .. ادخلي في عبادي المخصوصين.. انضمي إلى عباد الله المخلصين .. وهم الذين قال سبحانه وتعالى عنهم لإبليس: [ إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ] (42الحجر) .. أو هم الذين قال سبحانه وتعالى عنهم: [ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ] (68 الزخرف) .. وعندما قال إبليس لله: [ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْـمُخْلَصِينَ ] (83،82ص).. إن عباد الله هم عباده المخلصون.. وهؤلاء الذين قال الله عنهم: [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ]-186 البقرة
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في يوليو 14th, 2010