تفسير هواية الشرك والتكفير

صوت الأمة العدد 100
28/10/2002

جاء الإسلام إلى العرب ليعلنوا دولة التسامح والتفاهم في وجه قبائل الحقد والقبح وضيق الأفق أسس العرب بالإسلام وطن الرحمة بعد أن فشلت الجاهلية في تأسيس مثل هذا الوطن ولو في حجم بعوضة أو في حجم قرص أسبرين,, وعلى بوابة هذا الوطن رصعوا أسماء الله الحسنى وصلوا صلاة الفجر تحت أعمدة مساجد رخامية تسلقت عليها التسابيح والأدعية كنباتات خضراء.
ما الذي جرى لنا بعد العمر من الإيمان؟ لماذا نشعر بالإفلاس الروحي رغم كل ما ورثناه من ثروات دينية؟ لماذا حافظنا على قشرة الإسلام الخارجية واحتفظنا تحت جلودنا بأفكار الجاهلية؟ لماذا تركنا سيمفونية الماء وعدنا إلى الجفاف والعطش؟. لقد تفشت في العقود الأخيرة هواية تكفير الناس وسهولة رجمهم بالشرك وفي أضعف الإيمان وصف ما يفعلون بالبدعة والبدعة ضلالة والضلالة في النار فعلنا ذلك دون أن نتذكر قول الشاعر: “لا توحش النفس بخوف الظنون.. وأغنم من الحاضر أمن اليقين.. فقد تساوى في الثرى راحل غدا وماض من ألوف السنين”. إن التعريف ينقذنا من هذه الهواية المؤلمة لو تعارفنا لتآلفنا التعريف هو التقاء على كلمة سواء ..هو أن نبحث في الشيء عن حكمه .. يصعب أن نبحث عن حكم الخمر قبل أن نعرفها يصعب أن نحكم على شخص بأنه مشرك قبل أن نعرف معنى الشرك .. لقد وردت تعاريف كثيرة ومطولة ومعقدة للشرك بعضها يتعثر العلماء أحيانا في شرحها وأغلبها ليس للعامة فما المانع أن نحاول التوصل إلى تعريف مبسط ومحكم في الوقت نفسه.. الشرك هو أن يجعل مع الله غيره فيما لا ينبغي إلا له …إذا ليس معنى الشرك أن يجعل مع الله غيره على إطلاقه فقد يأذن الله لأحد من خلقه بعمل هو من شأنه سبحانه وتعالى.. كأن يأذن لعيسى عليه السلام بإحياء الميت ومن ثم فمدار الأمر في التعريف هو جملة “فيما لا ينبغي إلا له” فما هو الشيء الذي لا ينبغي إلا لله بحيث أستأثر به لنفسه ولم يأذن به لأحد من عباده؟. الذي لا ينبغي إلا لله هو “الإلوهية” وللإلوهية مقتضات. بمعنى أنه لو ادعى أحد الإلوهية علينا كما أمرنا الإسلام أن نناقشه تماما كما ناقش القرآن الكفار الذين أدعوا أنهم يمكن أن يأتوا بمثل القرآن قال لهم سبحانه وتعالى: [ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُمْ مِّن دُونِ اللهِ ] (23البقرة) ومن ثم لو إدعى أحد الإلوهية علينا أن نسأله: ما هي علامات أو دلالات إلوهيتك سيقول مثلا: أنا كريم والله كريم أنا غني والله غني.. أنا قوي والله قوي.. أنا عالم والله عالم.. أنا قادر والله قادر.. سنقول له: منذ متى وأنت تتمتع بهذه الصفات؟ سيقول: منذ ولادتي سنقول له: مبدئيا أنت مولود والله لم يولد وبذلك نصل إلى أولى صفات الإلوهية وهي “السبق”..أول مقتضيات الإلوهية الذي لا ينبغي لغير الله هو السبق. ثم نقول له: هذه الصفات التي ادعيتها ما حدودها؟ هل حدودها العالم كله بكل كائناته؟ هل كرمك وعلمك وقدرتك وقوتك تستوعب العالم ما ظهر منه وما خفي بمخلوقاته الظاهرة والباطنة؟.. لا شك سيقول: إن لها حدودا سنقول له: إن الصفات الإلهية الخاصة به سبحانه وتعالى لها طبيعة “الإطلاق” الإطلاق في الماضي والحاضر والمستقبل الإطلاق في الظاهر والباطن. ثم نسأله: إلى أي مدى تستمر هذه الصفات؟ مائة سنة.. ألف سنة.. جيلا واحدا ثلاثة أجيال مهما طالت فهي فانية بينما الصفات الإلهية تتمتع بالسرمدية “الخلود” عدم الانقطاع. ويكون سؤالنا الأخير له: من الذي علمك لو كنت عالما؟..من الذي علمك صفة الكرم لو كنت كريما؟..سيقول: أبي شيخي أستاذي على الفور سنسأله ومن علم هؤلاء؟ سيقول: الله..سنقول له: إذن علمك مستمد وعلم الله غير مستمد.. أي( ذاتي ) وبذلك تكون مقتضيات الإلوهية: السبق والإطلاق والسرمدية والذاتية فمن إدعى لنفسه واحدة منها فقد جعل نفسه شريكا لله فيما لا ينبغي إلا له وكذلك من ادعاه لغيره فهو أيضا قد أشرك مع الله غيره. نعود ونكرر الشرك هو أن يجعل مع الله غيره فيما لا ينبغي إلا له .. والذي لا ينبغي إلا له وهي مقتضيات الإلوهية ( السبق والإطلاق والسرمدية والذاتية ) السبق في القول إن اسمه هو ( الأول ) والسرمدية في القول أن اسمه هو ( الأخر) [ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْأَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ] (3 الحديد) إذن لو كان باب الإدعاء مفتوحا فلا مفر من إغلاقه بمناقشة المدعي ما ادعاه فتكون الحجة بالحجة يقول سبحانه: [ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ] (125النحل).. وبذلك لو لم ينسب شخص صفة من صفات الإلوهية لنفسه أو لغيره فيكون بريئاً من تهمة الشرك ولا يجوز أن نرميه بها ..يمكن أن نوجه إليه صفة بديلة وهي الجهل وفي هذه الحالة علينا أن نزيل عنه الصفة وهذا هو دور العلماء. ولابد أن تعريف الشرك على هذا النحو يغلق الباب على هواية رجم الناس به بسهولة أما البدعة فقد سبق أن توقفنا عندها إنها إطلاق ما قيده الله ورسوله أو تقييد ما أطلقه الله ورسوله..وبقى أن نعرف الكفر .. والكفر له تعاريف كثيرة أيضا لكن أسهل تعريف له هو: أن ينسب إلى الله ما تنزه عنه من الكم والكيف والأين والند والضد والشبيه والمثيل والشريك والزوجة والولد وكل ما خطر ببالك هالك والله بخلاف ذلك..بتعبير مبسط الكفر أن يعتقد الإنسان في قلبه صورة لله لكن ما قولنا في رجل يشهد أن لا إله إلا الله بكل ما تحمل هذه الشهادة من معنى ويشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله.. أي أنه واسطة بيننا وبين الله رجل شهد لله بالإلوهية وشهد للنبي بالرسالة شهد أنه عبد مخلوق لله يعتقد أن النفع والضر بيد الله رجل مثل هذا لا يمكن أن ننعته بالكفر حتى لو سعى إلى الحصول على ما أودعه الله من سر وخير في إنسان أو حيوان أو نبات أو غير ذلك (فالخير بيد الله يضعه حيث يشاء وعلى المؤمن أن يطلبه حيث وضعه الله).
يقول سبحانه وتعالى: [ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ] (143البقرة). بقى أن نعرف العبادة إن المعبود هو المقصود لذاته وبقى أن نعرف معنى الإتباع إننا نتبع رسول ابتغاء مرضاة من أرسله [ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ] (80النساء) فالمؤمن لا يعبد من يتبع فالرسول غير معبود والصالحون والأولياء الذين نتبعهم غير مقصودين بالعبادة إن الناس لا نتبعهم لذواتهم.. ولكن بسبب ما أودع الله لديهم من أسرار على أنه لا عاقل يقول: إننا نتبع الله فالمعبود لا يتبع والمتبع لا يعبد. إن جوهر العقيدة كلها معرفة الفرق بين العبادة والإتباع أما من يرمي المتبع بأنه عابد فهذا جاهل بالتعريف والجهل ليس بحجة وفي الإتباع يكون الحب فلا يمكن أن نتبع الرسول دون أن يكون محبوبا لكن الحب شيء والعبادة شيء آخر .. قال ^ في الحديث الشريف كما جاء في المستدرك علي الصحيحين- الجزء (3) ، ص (162)
4716 – أخبرنا أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه و أبو الحسن أحمد بن محمد العنبري قالا : ثنا عثمان بن سعيد الدرامي ثنا علي بن بحر بن بري ثنا هشام بن يوسف الصنعاني و حدثنا أحمد بن سهل الفقيه و محمد بن علي الكاتب البخاريان ببخارى قالا حدثنا صالح بن محمد بن حبيب الحافظ ثنا يحيى بن معين ثنا هشام بن يوسف حدثني عبد الله بن سليمان النوفلي عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ^ :
 ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه و أحبوني لحب الله و أحبوا أهل بيتي لحبي ) .
إن الحب هنا ليس لذات الرسول الكريم ولكن لحب الله يقول سبحانــه وتعالــى: [ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ (وهو المعبود) فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ] (31 آل عمران) يعني أنه للحصول على محبة الله يجب إتباع الرسول. وبقى كذلك أن نعرف ما المقصود بجملة “من دون الله” إنها تعني “من غيره”.. والمقصود الأولياء ولكن ليس على إطلاقهم .. لأن هناك أولياء لله وهم أولياء الرحمن وأولياء من دون الله وهم أولياء الشيطان.. يقول سبحانه وتعالى: [ أَلَآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ] (62 يونس) ولسنا الآن بصدد الكلام عن الأولياء على أن الأولياء من دون الله هم الذين نهى الله المؤمنين عن اتخاذهم وأمرهم أن يتخذوا المؤمنين أولياء.ولا يتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين.. وبالتالي يمكن اتخاذ أولياء من المؤمنين. إذن لو عرفنا ما معنى كلمة عبادة وما المقصود من ” دون الله ” لاسترحنا من كثير من المغالطات و لأرحنا العامة من تفسيرات مغرضة ولارتفع مستوى العامة إلى مستوى الخاصة ولأطمئن كل مسلم على دينه وإيمانه وبالتالي فزيارة الأولياء ليست حراما ولا كفرا كما يروج البعض لسبب أو لأخر.
وكما ورد فى صحيح مسلم الجزء(4)ص (1831)
132 – ( 2358 ) حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه قال : قال رسول الله ^ : إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فَحُرِّمَ عليهم من أجل مسألته

ولا حول ولا قوة إلا بالله