المشي على الماء لا يحتاج صوفية
صوت الأمة العدد 104
25/11/2002
يتصور البعض خطأ أن الصوفية ترفع هذا التكليف وهو خطأ شائع سببه القراءة المتسرعة المتعجلة وربما المغرضة لما نحن فيه وهم يقصدون برفع التكليف نهاية التكليف والإعفاء منه والحقيقة أن العكس هو الصحيح فرفع التكليف هو زيادة التكليف فكلما ارتفعت درجة الصوفي ارتفعت درجة تكليفه تماما مثل الضابط عندما يرقى إلى رتبة أكبر تزداد مسئوليته ولا تنقص ومثل الوزير عندما يصبح رئيسا للوزراء تتضاعف مسئولياته ولا تخف ,رفع التكليف معناه رفع مستوى التكليف فالمؤمن الذي كان يتجنب الكبائر والفواحش فقط أصبح عليه أن يدقق أكثر فيتجنب أيضا الصغائر والهفوات وما قد لا ينتبه إليه أحد بعد أن كان يهتم بالفرائض التي كلف بها أصبح يؤدي الفرائض والنوافل والسنن والتطوع إن الفرق شاسع ورهيب بين شخص رفع عنه التكليف وشخص رفع تكليفه. ويرى وصف الصوفيون أحيانا بأهل الخطوة ، وأهل الخطوة هم في اعتقاد بعض الناس أولئك البشر الذين يظهرون في عدة أماكن في وقت واحد.. ويقول الراسخون في العلم: إنه حتى لو جاز ذلك فلا معول عليه ولا حاجة للتوقف عنده ولكنهم يستطردون: إن أهل الخطوة هم الذين يملكون القدرة للوصول إلى المعنى بسهولة فلو كان أمامنا قناة يجري فيها ماء وعرضها متران بينما خطوة الشخص العادي متر واحد فإنه لا يستطيع عبور القناة في خطوة واحدة ولكي يصل إلى الجانب الآخر عليه أن يلف ويدور حتى يصل سالما وفي سعيه للوصول قد تضيع منه الحقيقة ويفقد الهدف لكن لو كانت خطوته مترين لكان سهلا عليه عبور القناة أو الوصول إلى ما يريد في خطوة واحدة وليس هناك ما يمنع من أن نسمي أهل الخطوة أهل العبور من الرمز إلى المعنى يقول سبحانه وتعالى: [ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ ] (43يوسف) ومثال ذلك ما حدث لسيدنا يوسف عليه السلام لقد كانت رؤيا الملك في منامه تتلخص في وجود سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات وقال الذين لا يعلمون: كيف يمكن ترجمة الرؤيا إلى واقع؟ .. كيف يمكن العبور بالرؤيا إلى ما هم فيه؟.. كيف تكون رمزية الرؤيا في خدمة ما هو ملموس ومحسوس ومفهوم؟.. لم يملك هؤلاء قدرة العبور بين الرمز والواقع قالوا: [ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ ] (44يوسف). النوع الذي يعرف كيف يكون هذا النوع من العبور وهو سيدنا يوسف عليه السلام [ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِّـمَّـا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِّـمَّـا تُحْصِنُونَ ] (48،47يوسف) فقال مفسرا وشارحا: إنها عبارة عن سبع سنوات رخاء يأتي بعدها سبع سنوات جفاف.. هؤلاء هم أهل الخطوة أهل التعبير يعرفون الرمزية في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والرمزية في الدين شأن في أي علم من العلوم الأخرى لها رموز يعرفها أهل هذا العلم .. الهندسة لها رمزها والكيمياء أيضا والطب كذلك إنها رموز لا يحولها إلى ما هو معلوم ومفهوم سوى ثقاة العلم وسادته. إن الذي يستطيع أن يفك رموز علم من العلوم هو المتخصص فيه هو واحد من أهل الوصول إلى المعنى بسهولة هؤلاء هم أهل الخطوة أو سمهم أهل الحظوة وربما كان أصل كلمة خطوة هو حظوة وتحركت النقطة من الحرف الثاني إلى الحرف الأول.. يقول سبحانه وتعالى: [ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ] (35فصلت). لابد من التوقف عند الكلمات طويلا قبل النطق بتفسيرها لابد من فهم المصطلح قبل التسرع في النطق بالمعنى.. يقال: “اصطلح القوم” أي زال ما بينهم من خلاف .. ويقال: “اصطلحوا على الأمر” أي تعارفوا عليه واتفقوا والاصطلاح في العلم هو اتفاق طائفة ما على شيء محدد بعينه اتفاقهم على تسمية الشيء باسمه. وطبقا لتلك القاعدة المتينة علينا أن نحدد ما هي المعجزة؟ وما الفرق بينها وبين الكرامة؟ إنها كلمات يتوقف عندها الصوفيون طويلا ويقدرون على تعريفها بدقة حتى لا يختلط الأمر على الناس فيتوهون ويضيعون. لقد انتهى زمن المعجزات جعلها الله للأنبياء وبعد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لا نبي أي لا معجزات أما الكرامات فقد جعلها الله للأولياء وهم قائمون ومستمرون ومتواصلون إن المعجزة هي خرق عادة إلهية بقدرة إلهية يجريها الله على يد من يشاء من خلقه وكذلك الكرامة فإذا كان من خرق العادة الله له نبيا سميت معجزة وإذا كان وليا سميت كرامة. لكن ما معنى خرق العادة؟.. إننا لو تكلمنا عن الغوص في الماء والطفو عليه سنجد أن الأمر يتوقف على الكثافة لقد جعل الله كثافة الماء محدودة بحيث لا تسمح بأن نمشي عليها (هذه هي العادة) لكنه سبحانه وتعالى قادر على تغيير هذه الكثافة بتجميد الماء ليصبح جليدا وفي هذه الحالة يمكن أن نمشي على الماء )هذا هو خرق العادة) والله قادر على أن يجعل العبد يمشي على الماء دون أن يحول الماء إلى جليد بل يحدث التغيير في العبد. يفعل الله سبحانه بنفسه أو بأي من خلقه لقد قال لسيدنا موسى: [ اضْرِب بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ] (63 الشعراء) .. كالجبل الشامخ والجبل من حجر لا من ماء.. والمقصود أن الله فلق البحر ولكن بعصا موسى فلقه بقدرته ونسب ذلك إلى سيدنا موسى ومن ثم فإن الكرامة أو المعجزة هي خرق عادة إلهية بقدرة إلهية يجريها الله على يد من يشاء من خلقه وينسبها إليه فنقول: فلق الله البحر بموسى ..أحيا الله الميت بعيسى. ويحتاج النبي إلى معجزة والولي إلى كرامة كي يكون كل منهم مؤيدا في دعوته لكن الله غني عن ذلك لا يحتاجه كي يثبت الإلوهية .. الإلوهية ثابتة ولا يضر تكذيب المكذبين لكن النبي أو الولي في حاجة إلى ذلك. وخرق العادة الإلهية لا يمكن إلا أن يكون بقدرة إلهية يأذن الله فيها لأحد من خلقه ليفعل فعله وهو ما يعني أن المأذون فعال في حدود ما أذن به وبسلطان من أذنه ولا حدود لسلطانه سبحانه وتعالى. وليس شرطا في هذه الحالة أن يكون الإنسان صوفيا أو عاديا فالله يأذن للطبيب غير المؤمن بالشفاء ويأذن للطيار مهما كانت درجة تدينه بتحدي الجاذبية الأرضية إنها طلاقة القدرة الإلهية يأذن بها الله لمن يشاء من البشر
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في يوليو 14th, 2010