الذين يحركون شفاههم ولا ينطقون
صوت الأمة العدد 108
23/12/2002
هم يكتبون .. كأنهم لا يكتبون .. هم يفتون فيدمرون هم يسافرون على أوراقهم بغير أقدام متنكرين.. وعلى أطلال عقول البسطاء يتنزهون. وقد غرقوا في بحر من الينسون.. وقد انتهت تفسيراتهم الضيقة الخانقة بزيادة أعداد الذين يجلسون على أبواب الجوامع والتكايا يشحذون .. ولا يتحركون.
لقد وجدنا في أمورنا الفقهية والشرعية من يتكلمون في ألف موضوع .. ولكنهم في الحقيقة لا يتكلمون .. يحركون شفاههم.. لكنهم لا ينطقون.. يشاهدون الأمة على ما هي عليه فلا يرحمون .. ولا يترحمون .. ويدعون أنهم ينفذون قواعد السماء وقوانينها ولكنهم في الواقع يتصرفون على طريقة الباعة المتجولين.
إن أسماء الله الحسنى تشمل الرحمة.. العدل .. الكرم .. السلام .. النور .. النفع .. الرشد .. المغفرة .. العزة .. الإيمان .. الرفعة .. فلا يجوز أن نضيق ما وسعه الله .. وأن نعقد ما بسطه و أن نخجل مما أباحه .. فالحلال بين والحرام بين ..
فإذا كان الإسلام قد ظهر في مجتمع جاهلي معقد ومتصارع ونجح في تغييره فكيف لا يحدث ذلك في مجتمعنا الآن وقد زاد الفهم والعلم والوعي (فرضا)؟ . كيف استوعب الجاهليون دين الله وعجزنا نحن بكل ما نملك من قدرات عقلية وثقافية عن ذلك؟
لعل السبب هو أولئك الذين وضعوا أنفسهم في موقع الوساطة بين الناس والسماء دون أن يفتوا .. فراحوا يفتون بغير روية .. وبعيدا عن أحكام الله.. فكان أن خاف الناس من الدين بدلا من أن يحبوه .. وكان أن شعر الناس أن الدين هو سجادة من المسامير والأشواك .. لا سجادة من الحرير ونسيج الإيمان.
إن كل شئون الدين أسهل وأبسط وأرحم مما يعرفه الناس ويعتقده الناس ويتصوره الناس.. وسأضرب مثلا على ذلك .. لو فرض أن مسلما جاور مشركا .. وكان بيت المشرك في اتجاه القبلة فهل تبطل صلاة المسلم؟ .. لقد سمعت رجلا في زاوية صغيرة على الطريق الصحراوي يحرم ذلك .. ويدعو المسلم للانتقال إلى سكن أخر بحيث لا يمنعه عن القبلة مانع غير إسلامي أو غير شرعي على حد قوله.. والحقيقة أن ما سمعته من الرجل الطيب ليس له ظل من أحكام الله .. فليس هناك ما يمنع أن أصلى في اتجاه بيت غير مسلم .. بل زد على ذلك أن يكون لدى هذا الجار كلب أو حمار أو أي حيوان آخر ثم نفقت هذه الحيوانات كلها وقام بدفنها تحت الجدار الذي يفصل بين بيتي وبيته.. إن ذلك أيضا لا يمنع صلاتي .. ولا يبطلها .. هي صلاة صحيحة .. ولو كان بيننا وبين اتجاه القبلة مقبرة حيوانات .. ولو كان بيننا وبين اتجاه القبلة ما يسبب الدنس والنجاسة.
ولو كان ذلك سليما وصحيحا شرعا فما هو الرأي في الصلاة بمسجد فيه ضريح لولى مسلم من آل بيت رسول الله ^ ؟ … إن البعض يحرم الصلاة في مسجد به ضريح لولى أو لواحد من آل البيت.. فلو كانت الصلاة مباحة في بيت يلتصق به قبر لحيوان فهل تكون محرمة لمسجد فيه ضريح لولى من أولياء الله الصالحين؟.
إن الصلاة تكون باطلة لو انصرف المسلم عن القبلة قلبا (عقيدة) وقالبا (جسدا) أو أحدهما (مجتمعين أو منفصلين) ولو صلى خلف نبي من الأنبياء حيا يرزق (مجازا) أما إذا اتجه المؤمن إلى القبلة قلبا وقالبا فلا يضره ما اعترضه من الموتى سواء أكانت حيوانات أو بشرا .. مسلمين .. أو مشركين .
وكما ورد في صحيح البخاري- الجزء (2) ، ص (21) :
1868 – حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس رضي الله عنه: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأمر ببناء المسجد فقال ( يا بني النجار ثامنوني ) . فقالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فأمر بقبور المشركين فنبشت ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد.
لكنه إذا ما انصرف عن القبلة فلا ينفعه ما اتجه إليه ولو كان نبيا حيا .. أما المقصود باتخاذ القبور مسجدا – الذي نهى الدين عنه – فمعناه أن يصلى المسلم على القبر نفسه .. فوقه أو يتجه إليه في غير اتجاه القبلة.
وهناك نقد آخر شهير للتمسح في أضرحة الأولياء.. والذين يسدون باب الرحمة ويتسرعون في الفتوى يقولون: إنهم يتمسحون في حديد وخشب وفضة ونحاس .. لكن .. لو كان الذاهب إلى مقام الولي يقصد الحديد في ذاته أليس من الأفضل له أن يذهب إلى مخزن قطارات السكك الحديدية؟ .. ولو كان يقصد الخشب في حد ذاته أليس من الأفضل له أن يذهب إلى مخازن الخشب الواسعة التي تحتفظ بمئات الأطنان من مختلف الأنواع؟! .. ولو كان هدف الزائر للولي أن يقبل بابا أو شباكا فما الذي يجعله يتحمل المشقة ليقبل الشباك أو الباب في ضريح الولي؟.. لماذا لا يقبل شباكا أو بابا في بيته؟.
إن لنا عقولا تميز .. ولنا دينا لا يسد منافذ الرحمة .. فلماذا يعاملوننا وكأننا قطيع لا يفهم؟.. وكما قلنا ونقول لكل عاقل منصف إنه لا تحريم إلا بنص وما لم يحرم بنص فحكمة في الدين الإباحة وتحريم المباح تشريع بغير نص وحكم بغير ما انزل الله ولا أزيد
ولا حول ولا قوة إلا بالله
في تصنيف : لحظة نور في يوليو 14th, 2010