المجـــاز العــــقلى
مجلة التصوف الإسلامى
يونيو 2007
بفرحة المستعين برب العالمين ليكون من الذين أنعم الله عليهم فلا هم من المغضوب عليهم ولا هم من الضالين . .
التقيت بسماحة الإمام . . السلام عليكم مولانا الإمام .
وعليكم من الله السلام . .
قلت : سيدى الكريم ما معنى المجاز العقلى وهل له نصيب فى القرآن الكريم ؟
قال سماحته : المجاز العقلى هو قول يبدو لسامعه خلاف معناه الحقيقى فإذا كان السامع ذا عقل فإن العقل يجيز ذلك أى يقبله أو يسمح بمروره من باب الإجتياز فلا يتوقف أمامه كثيراً .
قلت : لماذا يضرب الله الأمثال للناس مع أنه بكل شىء عليم ؟
قال سماحته : ذلك لأن المثل يقرب المعنى ويسهل الفهم .
ثم قال سماحته : دعنى أضرب لك مثالاً أو أمثله على ذلك .
قلت : ليت ذلك المثل من كتاب الله تعالى .
قال سماحته : اليس الهدى هدى الله ؟
قلت : بلى .
قال سماحته : يقول سيدنا إبراهيم عليه السلام فى القرآن :
[ يَآ أَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِىٓ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً ] (43 مريم) فمع أن الهدى هدى الله ولكن العقل أجاز أن يقول سيدنا إبراهيم لأبيه ( أَهْدِكَ ) ولم يقل يهديك الله تعالى ذلك لأن العقل بالميزان الإيحائى يعرف أن سيدنا إبراهيم سوف يهدى أباه إذا شاء الله ذلك ولا يمكن إتهام سيدنا إبراهيم عليه السلام بالتجاوز مطلقاً ومن هذا المنطق فإن قول إبراهيم عليه السلام لأبيه : ( أَهْدِكَ ) يُحمل على المجاز العقلى .
ومثال آخر : من الوهاب ؟
قلت : الله تعالى .
قال سماحته : إن سيدنا جبريل عندما إلتقى بالسيده مريم عليها السلام متمثلاً لها بشراً سوياً قالت له : [ إِنِّىٓ أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً ] (18 مريم) قال عليه السلام: [إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً ] (19 مريم). فلو نظرت إلى قوله [ لِأَهَبَ ] لظننت أن الوهاب هو سيدنا جبريل ولكن لأن عقلك يوقن بـأن الوهاب هو الله ويستحيل أن يدعى سيدنا جبريل أنه هو الوهاب لاشك أن المقصود بذلك أن كل ذلك يتم بإذن الله فلم يقل سيدنا جبريل للسيده مريم : ليهب الله لك . بل قال لأهب لك .
والمقصود من ذلك أن العقل السليم هو الذى يربط النيه باللفظ فلا إعتبار لنيه بغير لفظ أو عمل ولا إعتبار للفظ أو فعل بغير نيه لقوله ^ ما معناه : ( نية المرء خير من عمله) (1)
وقوله أيضا ً^ ما معناه ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو إمرأه ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه. (2)
فالفيصل هو النيه 0والمجاز العقلى له فى القرآن أمثله كثيره كقوله تعالى :[وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْـمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ ] (8 النساء) أنظر إلى قوله تعالى [فَارْزُقُوهُمْ ] فإن كنت ذا عقل سليم تعلم أن قوله إرزقوهم أى من رزق الله فتجيز هذا اللفظ وإن كنت غير ذى عقل فلا حول ولا قوة إلا بالله .
وفى قوله تعالى : [فَـتَـبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْـخَالِقِينَ] (14 المؤمنون) .
ألا يدل ذلك على وجود خالقين آخرين غير الله تعالى ؟
أقول : عند من كان عاقلاً فإن المعنى هو أن الله هو الخلاق العليم الأوحد وإن من قدرته المطلقه علىالخلق أنه خلق من خلقه خلقاً يخلقون بإذنه ما يشاء [أَفَمَنْ يَـخْلُقُ كَمَن لَّا يَـخْلُقُ] (17 النحل)
وفى قوله تعالى : [فَـتَـبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْـخَالِقِينَ] (14 المؤمنون) .
ألا يدل ذلك على وجود خالقين آخرين غير الله تعالى ؟
أقول : عند من كان عاقلاً فإن المعنى هو أن الله هو الخلاق العليم الأوحد وإن من قدرته المطلقه علىالخلق أنه خلق من خلقه خلقاً يخلقون بإذنه ما يشاء[أَفَمَنْ يَـخْلُقُ كَمَن لَّا يَـخْلُقُ](17 النحل) وأما من ليس له عقل فقد يقول أن الله قد أقر بوجود خالقين آخرين ولكنه أحسنهم أى متفوق عليهم وحاشا لله رب العالمين . . أيها الناس أفلا تعقلون والمجاز العقلى لا يكون إلا للعقلاء . . نعود إلى سيدنا عيسى عليه السلام عندما يقول : [أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ ] (49 آل عمران) ، نجد العقلاء ينتبهون إلى قوله : [بِإِذْنِ اللهِ ] أكثر من إنتباههم إلى قوله : [أَخْلُقُ لَكُم] وقوله : [فَأَنفُخُ فِيهِ] أما غير العاقلين والعياذ بالله فإنهم لا يرون فى الآيه الكريمه سوى قوله : [أَخْلُقُ لَكُم] وقوله : [فَأَنفُخُ فِيهِ] ولا يسترعى إنتباههم قوله : [بِإِذْنِ اللهِ ] .
وفى النهايه يا بنى ليس أمامنا إلا أن نقول ما قاله الله تعالى : [ وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ] (11 التغابن).
قلت : سيدى الكريم لقد تفضلت علينا بتوضيح المعنى وتركت لنا مفاتيح المجاز العقلى التى ننجو بها من فتنة المتشابهات ونتخطى بها العقبات وعلمتنا أن القول يقع فى مواقع شتى وما علينا إلا أن نأخذ سر القول ولا نتوقف عند ظاهر اللفظ لأن القرآن الكريم ما أنزله الله تعالى إلا للهدايه وما أرسل الله رسوله الكريم إلا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وإنى إذ أشكر الله تعالى أن وفقنى للسعى اليك ومثولى بين يديك ولا يقبل الله منى شكراً إلا إذا قدمت الشكر اليك .
والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)من حديث المعجم الكبير الجزء(6) –ص(228-229)رقم الحديث5942- عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال ^: (نية المؤمن خير من عمله)
(2)من حديث سنن أبي داود الجزء (2) –ص(651-652) رقم الحديث2201 عن عمر بن الخطاب يقول:: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنما الأعمال بالنيات”
في تصنيف : حوار مع صاحب السماحة في يونيو 1st, 2007