أجيب وأستجيب
مجلة التصوف الإسلامى
سبتمبر 2006
قال تعالى
[ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ]
(60غافر)
وقال تعالى
[ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ]
(186 البقرة)
بفرحة المؤمنين الذين هم بنصر الله مستبشرين يرحم الله السابقين منا واللاحقين وبعد فقد إلتقيت بسماحة الإمام والقيت على مسامع سيادته تحية الإسلام فرد سماحته بالسلام .
ثم قلت : مولانا الكريم لقد لفت نظرى التعبير القرآنى فى شأن إجابة الداعى أنه ورد من ناحية بقوله تعالى : [ أُجِيبُ ] ومن ناحيه أخرى بقوله تعالى : [أَسْتَجِبْ لَكُمْ ] فهل الكلمه تحمل نفس المعنى فى الحالتين ؟
قال سماحته : يا بنى إن الله تعالى يحب من يقرأ القرآن ويلتمس غرائبه(1) وهذان المعنيان من غرائب وعجائب القرآن . قلت : ما الفرق بين قولكم غرائب وعجائب ؟
فقال سماحته : العجيب هو أفضل من نظرائه أى له أمثال ولكنه متفرد ومتميز عن أمثاله . . أما الغريب فهو ما لا نظير له .
قلت : إذن عوداً إلى السؤال .
قال سماحته : إذا طلبت ولبيتك بما طلبت دون زياده أونقص فقد أجبتك وإذا طلبت طلباً فأعطيتك أقل مما طلبت أو أكثر مما طلبت أو أعطيتك بدلاً مما طلبت أو أجلت إجابتك عندئذ أكون قد إستجبت لك .
قلت : لا تؤاخذنى فهذا الكلام جميل جداً وبسيط ومع ذلك لم أفهمه ولم أستح من ذلك فإلى مزيد من الإيضاح وكثير من الإفصاح .
قال سماحته : أنظر إلى قوله تعالى : [ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْـمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ] (9 الانفال)
الواضح فى هذا السياق الكريم أن المؤمنين إستجاب لهم ربهم بما يراه نافعاً لهم وكافياً لنصرهم يوم بدر مع أنهم لم يطلبوه تحديداً وهذا معنى الإستجابه أما لو طلبوا من الله ألفاً من الملائكه وأعطاهم طلبهم يكون قد أجابهم . ثم أنظر إلى قوله تعـالى: [ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّي فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ] (186البقرة)
فى هذه الآيه أداة الشرط [إِذَا] وفعل الشرط [سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّي] وفاء الســـببيه ( ف ) وجواب الشرط [فَإِنِّى قَرِيبٌ] وكأن ربنا يقول إنى وضعت شرطاً أساسياً لقربى من عبادى وهوأن يأتوا إلى حبيبى محمد ويسألوا عن الله فإذا أرادوا القرب منه سبحانه فهذا هو سبيلهم إلى ذلك ويترتب عليه الإجابه لدعوة الداعى أى يعطيه طلبه كما طلب غير منقوص ولا مزاد ولا مؤجل ولا مبدل .
وقول المؤمنين : [نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِـعِ الرُّسُلَ] (44 إبراهيم)
معناها لا ننقص من ذلك لا نزيد ولا نعدل ولا نؤجل ولا نبدل ولا . .
قلت : إن هذه الآيه يحتج بها من يحتج على نفى التوسل .
فقال سماحته : لو لم يكن للتوسل إلا دليل واحد فى كتاب الله لكانت هذه الآيه وهذا يتضح جلياً فى قوله : [سَأَلَكَ عِبَادِى] ولم يقل أرادنى عبادى أو بحث عنى عبادى فالإجابه موقوفه على القرب والقرب معلق ومشروط على سؤالهم لحضرة النبى ^.
قلت: إن سيدنا أيوب قال[ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ](83 الانبياء) وعقب الله على ذلك بقوله [ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَءَاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ] (84 الانبياء) فما رأيكم فى قوله تعالى : [ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ] .
قال سماحته : هذا مثل دعاء المؤمنين وإستغاثتهم يوم بدر فسيدنا أيوب عليه السلام لم يحدد مطلباً معيناً ولو حدده وأعطيه لقال ربنا فأجبناه أما كونه أشار إلى مس الضر له ولم يطلب شيئاً فقد تفضل الله عليه وإستجاب له بأن عافاه وكشف ما به من ضر ثم زاده أن آتاه أهله ثم زاده مثلهم معهم رحمه من عنده ولأنك تحب الأمثال لأنها كما قلنا تقرب المعنى أقول لك : لو طلبت مني أو من غيرى مبلغاً من المال وأعطيتك إياه فقد أجبتك .
أما إذا إكتفيت بالإشاره بأنك فى حاجه ماسه إلى المال فقد تركت الأمر لى فإما أن أعطيك ما يكفيك وإما أن أعطيك ما يغنيك المهم أن أرضيك وعندئذ أكون إستجبت لك . وإعلم أن الله تعالى أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابه أو الإستجابه فإن دعوناه فكما أمرنا وإن أعطانا فكما وعد وهو غير ملزم بما نقول ولكنه يعلم ما لا نعلم وهو سبحانه أرأف بنا منا وأرحم وكل دعوه يدعوها المؤمن إما تجاب أوتستجاب مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل وكونه تعالى يأمرنا بالدعاء والدعاء طلب فإن هذا من باب شدة الكرم فهو الكريم بل الأكرم .
هذا ما عندى والله سبحانه وتعالى أعلم .
قلت : إن من أجل النعم أن يجد السائل لسؤاله مجيباً ويقال عن الإجابه أنها شافيه لأن الانسان يظل مريضاً بسؤاله ويبحث عن الدواء وهو الإجابه ومن إستغنى عن العلماء أو تكبر عليهم أو إستنكف من سؤالهم أو إستحى من ذلك فقد هلك ومن تساوى يوماه فى العلم فهو خاسر وهناك كلمه شهيره تقول أربعه لا يتعلمون :
1- المستحى .
2- المستكبر .
3- المستنكف .
4- المستغنى .
ثم قال سماحته : هل لديك المزيد ؟
قلت : المزيد لديكم والنقص لدينا فكملونا كلنا نقص وعيب إنه منكم كمال الكاملينا .
والسـلام عليكـم
وعليكم السـلام
مـريـد
—————————————————————
(1)من حديث المستدرك على الصحيين الجزء(2)- ص(477) رقم الحديث (3644)عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ^:” اعربوا القرآن و التمسوا غرائبه”
في تصنيف : حوار مع صاحب السماحة في سبتمبر 1st, 2006